شبهات

22 مايو 2014

"يسقط حكم العسكر" على محل بالقاهرة 7 يوليو 2013(Getty)

+ الخط -
يرى صديقي أن جماعة الشرعية في مصر ليسوا سوى طلاب سلطة. في سبيلها، يفعلون أي شيء، ويضحون بأي شيء. هذا هو التفسير الوحيد الذي يريح ضميره، ويُعفيه من التعاطف مع هذا الطراز العجيب من البشر الذين صار قتلهم، واعتقالهم وتعذيبهم، من روتين الحياة اليومي في مصر. ويعفيه، كذلك، من الإعجاب المنطقي بقدرتهم على الصمود والرباط، على الرغم من الآلام وتكالب الخصوم والأعداء. صديقي باختصار يريد الناس أن تعيش، و"كفاية وقف حال"، ويرى أن خيار ياسر برهامي، نائب رئيس حزب الدعوة السلفي في مصر، وفقه الفرار من المغتصب هو ضرورة هذه المرحلة!
فلاش باك: ليلة الانقلاب، 3 يوليو/ تموز 2013، واحدة من أسوأ الليالي التي مرت بمصر. بيادات العسكر الثقيلة تسحق، بلا هوادة، حلماً طالما راودني. زهرة وليدة لم يحسن البستاني رعايتها، والحفاظ عليها، فما كان من أصحاب الأرض المتعجلين إلا أن قطعوها رغبة، بدلاً منها، في أعواد من البرسيم، يعلفون بها مواشيهم! في تلك الليلة المشؤومة، وبينما كنت متسمراً أمام التلفزيون، يعتصرني الألم والحسرة، اتصل بي قريب من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ذاهل، لا يكاد يصدق ما يحدث: هل ترى ما آلت إليه الأمور؟ أين الصواب؟ ماذا علينا أن نفعل؟ ما زلت أذكر كلماتي له: "لن ينفع أن تحكموا الناس بالعافية ما دام مش عاوزينكم".
كنت أرى حينها، على الرغم من قناعتي التامة بأنها الثورة المضادة والردّة عن الحلم الديموقراطي، أن على "الإخوان" الذوبان مجدداً في المجتمع، ومن غير المعقول أن يحكموا مصر رغما عنها. وللأمانة، استحسن قريبي الفكرة، ولم يجادلني كعادته! كان قد فتَّ في عضد "الإخوان"، آنذاك، أنهم رأوا، للمرة الأولى، أعداداً حاشدة، تتظاهر ضدهم بهذه الصورة (30 يونيو/ حزيران وما تلاها)، وكانت تقديراتهم لذلك اليوم لا تتجاوز المئتي ألف!
فهل سُمح لـ"الإخوان" أصلاً، وهم مَن هم في البراغماتية والمواءمة السياسية، بهذا الخيار؟ أقول بثقة: كلا. وراجع شريط الأحداث منذ الليلة الأولى للانقلاب. إغلاق القنوات الدينية، واعتقال العاملين فيها، واحتجاز الرئيس قسراً، ثم القبض على قيادات "الإخوان" ورموز العمل السياسي من التيار الإسلامي، وانتهاك حرمات بيوتهم، وتصوير لحظات الاعتقال من الشرطة، وبثها على قنوات الفلول، بالتوازي مع تحريض إعلامي غير مسبوق، لاستباحة كل مَن يوحي مظهره بالتعاطف مع الإسلاميين في الشوارع. ثم حدث، بعد ذلك، أن دارت ساقية الدم المجنونة، وغير المبررة، لتقطع طريق العودة على الجميع. باختصار، حتى لو راودهم خيار البرهامي لحظة، فإن التعامل الغشيم معهم ردّهم إلى وصية الخالق القدير: "اصبروا وصابروا ورابطوا".
المسألة تجاوزت الدفاع عن الحق في الحكم، إلى النضال من أجل الحق في الحياة، والحمقى فقط هم مَن يحشرون القط في ركنٍ لا مفرّ منه، ثم تعلو وجوههم ابتسامة بلهاء، في انتظار أن يستسلم من دون مقاومة!
547FD92B-D017-4602-8F17-EE0080BA3719
محمود مراد

كاتب وإعلامي مصري