14 نوفمبر 2024
شبح اللبننة في اليمن
تتعدد السيناريوهات التي يمكن أن تؤول إليها الأوضاع في اليمن، خصوصاً في ضوء التطورات الميدانية الجارية في محافظة عدن، فاستمرار عملية عاصفة الحزم التي تقوم بها قوات التحالف، بقيادة السعودية، ضد ميليشيات الحوثيين، المدعومة من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وإيران وروسيا، تجعل من أي تسوية سياسية محتملة أمراً بعيد المنال، على الأقل حالياً. ويظل سيناريو الحرب الأهلية أحد أبرز السيناريوهات التي قد تعيد إلى الأذهان الحالة اللبنانية (1975-1990) بكل ما رافقها من دمار.
هناك مؤشرات كثيرة تنبئ باحتمال تحول اليمن إلى ساحة كبرى للاحتراب الأهلي، تتواجه فيها القوى الداخلية والإقليمية. فاتساع رقعة المواجهات العسكرية في مختلف المحافظات، وتزايد حدة الاستقطاب السياسي، واستمرار سعي قطاعات واسعة في الجنوب إلى الانفصال، ووجود كميات كبيرة من الذخيرة والعتاد الحربي، وغلبة الطابع القبلي على النسيج الاجتماعي والثقافي اليمني، وسعي إيران إلى بسط نفوذها الإقليمي على المنطقة، ودخول روسيا على الخط، من خلال دعمها العسكري المباشر للحوثيين، كلها معطيات تشير إلى احتمال لبننة الأزمة اليمنية.
ولعل أبرز ما يغذي هذا السيناريو يكمن في تركيبة المجتمع اليمني التي تساعد على هكذا سيناريو، وهي تركيبة تحتل فيها القبيلة مكانة رئيسية، فيما يتعلق برسم معالم المشهد السياسي، وضبط إيقاع التحالفات الحزبية، وبناء التوازنات الاجتماعية. وقد ظلت النخب التي تعاقبت على حكم اليمن تستند، في بسط سلطتها، إلى مؤسسة القبيلة، باعتبارها نواة التنظيم الاجتماعي الرئيسية التي لا يمكن القفز عليها، أو تجاهلها. هذا فضلاً عن ثقافة سياسية تقليدية متجذرة في النسيج المجتمعي. وعلى الرغم من أن اليمن عرف حياة حزبية ونيابية منتظمة، بعد اتفاق الوحدة مع دولة الجنوب عام 1990، إلا أن ذلك لم يساهم في تحديث الحياة السياسية وإقامة دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السُّلط، بل غدت موارد ووسائل التحديث السياسي، مثل الأحزاب والانتخابات ومنظمات المجتمع المدني في مجملها مدخلاً لتعميق الطابع القبلي وترسيخه في الممارسة السياسية.
وقد عمل الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، طوال السنوات التي قضاها في السلطة، على توظيف العامل القبلي، وتسخيره لحماية حكمه، وإضعاف الحس المدني والوطني داخل مؤسسات حيوية، مثل الجيش والأمن، بالاعتماد على أقاربه ومناصريه وشراء ولاء القيادات القبلية. وجاء الربيع العربي ليكون اليمن من البلدان العربية الأولى التي هبت عليها رياحه. وعلى الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها الشعب اليمني في مواجهة نظام صالح، بمختلف أجهزته الأمنية والعسكرية، إلا أن الأخير استطاع أن يخرج بأقل الخسائر، من خلال المبادرة الخليجية التي ضمنت له مغادرة السلطة، من دون متابعات قانونية ضده، غير أن ذلك لم يحل بينه وبين العودة للتدخل في شؤون البلاد، والتحكم في الأحداث وتوجيهها، مستفيداً من نفوذه داخل مختلف مؤسسات الدولة، ناهيك عن علاقاته الخارجية الواسعة. وقد جاء تحالفه مع خصوم الأمس، الحوثيين، ليخلط الأوراق في اليمن، ويقلب المعادلة السياسية رأساً على عقب، ويدفع البلد نحو أفق مسدود، خصوصاً بعد اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي، في خطوة لا تخلو من دلالات داخلية وإقليمية.
ويرى مراقبون أن ما يزيد الأوضاع تعقيداً في اليمن أن الحوثيين، المدعومين بقوات صالح، لم يقرأوا تحولات السياق الإقليمي حالياً. فالاعتماد على إيران، باعتبارها قوة إقليمية وازنة، يفتقد لبعد النظر، خصوصاً في ظل المسار المعقد لمفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفها النووي، وتصاعد نقمة الطائفة السنية على سياساتها في العراق وسورية وعموم المنطقة العربية. كما أنهم لم يدركوا أن العقيدة الفكرية والسياسية للحكم في السعودية لا يمكن أن تسمح بنظام سياسي موال لإيران في جوارها، مهما كلفها ذلك من ثمن. كما أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال يحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشارع اليمني، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية.
سوء التقدير هذا قد يدفع الأوضاع في اليمن إلى مزيد من التوتر، في ظل تكثيف العمليات العسكرية التي يقودها التحالف، وتداعيات الدعم العسكري الروسي للحوثيين. الأمر الذي يفتح الباب أمام حرب أهلية شاملة، قد تعرف نيابة الأطراف اليمنية المتصارعة عن القوى الإقليمية والدولية الكبرى في تصفية حساباتها الاستراتيجية في المنطقة. فإضافة إلى السعودية، ومعظم الدول الخليجية وإيران، بدأت تركيا تبدي اهتمامها باليمن. وهو اهتمام يجد بعض مبرراته، في مخاوفها بشأن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما قد يشكل تحولاً في الموقف التركي إزاء السياسة الإقليمية لإيران، وخصوصاً في ظل استمرار تدخلها السافر في العراق وسورية، ودعمها المادي والعسكري الحوثيين. كما أن مطالبة روسيا بالهدنة، وإقدامها، في الوقت نفسه، على تسليح الحوثيين، يطرح أكثر من تساؤل حول مغزى تحركها بشأن الأزمة اليمنية ودلالاته.
ويمكن القول، هنا، إن المخاوف المرتبطة بالأطماع الإيرانية في المنطقة يمكن أن تتسع أكثر في ضوء المتغيرات الحاصلة على الأرض في اليمن. فلهذا البلد وضعية استراتيجية معينة في السياسة الخارجية لدول الخليج، بالنظر للعوامل، الجغرافية والتاريخية والثقافية. لذلك، قد لا يقف مسار العمليات العسكرية التي تقودها قوات التحالف عند حدود الضربات الجوية التي ينفذها على مواقع الحوثيين، فاحتمال شن هجوم بري يظل وارداً في أي لحظة، خصوصاً في ضوء الصعوبات العسكرية التي تواجهها مليشيات اللجان الشعبية في مدينة عدن، واحتمالات أن تتورط روسيا أكثر في النزاع، بما يمكن أن يترتب عن ذلك من ردود أفعال مختلفة في دوائر صنع القرار الدولي.
في ضوء ذلك كله، لا يبدو شبح اللبننة بعيداً عن اليمن. فإصرار السعودية، ومعها الدول الخليجية، على مواجهة التغلغل الإيراني في هذه المنطقة الحساسة، ورفض الشارع اليمني انقلاب الحوثيين، وتزايد عدد الفاعلين الدوليين المتدخلين في الأزمة اليمنية، وتباين رهاناتهم واستراتيجياتهم، ذلك كله من شأنه أن يدفع الأزمة اليمنية إلى التدويل الذي قد يكون مدخلاً للطريق نحو المجهول.
هناك مؤشرات كثيرة تنبئ باحتمال تحول اليمن إلى ساحة كبرى للاحتراب الأهلي، تتواجه فيها القوى الداخلية والإقليمية. فاتساع رقعة المواجهات العسكرية في مختلف المحافظات، وتزايد حدة الاستقطاب السياسي، واستمرار سعي قطاعات واسعة في الجنوب إلى الانفصال، ووجود كميات كبيرة من الذخيرة والعتاد الحربي، وغلبة الطابع القبلي على النسيج الاجتماعي والثقافي اليمني، وسعي إيران إلى بسط نفوذها الإقليمي على المنطقة، ودخول روسيا على الخط، من خلال دعمها العسكري المباشر للحوثيين، كلها معطيات تشير إلى احتمال لبننة الأزمة اليمنية.
ولعل أبرز ما يغذي هذا السيناريو يكمن في تركيبة المجتمع اليمني التي تساعد على هكذا سيناريو، وهي تركيبة تحتل فيها القبيلة مكانة رئيسية، فيما يتعلق برسم معالم المشهد السياسي، وضبط إيقاع التحالفات الحزبية، وبناء التوازنات الاجتماعية. وقد ظلت النخب التي تعاقبت على حكم اليمن تستند، في بسط سلطتها، إلى مؤسسة القبيلة، باعتبارها نواة التنظيم الاجتماعي الرئيسية التي لا يمكن القفز عليها، أو تجاهلها. هذا فضلاً عن ثقافة سياسية تقليدية متجذرة في النسيج المجتمعي. وعلى الرغم من أن اليمن عرف حياة حزبية ونيابية منتظمة، بعد اتفاق الوحدة مع دولة الجنوب عام 1990، إلا أن ذلك لم يساهم في تحديث الحياة السياسية وإقامة دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السُّلط، بل غدت موارد ووسائل التحديث السياسي، مثل الأحزاب والانتخابات ومنظمات المجتمع المدني في مجملها مدخلاً لتعميق الطابع القبلي وترسيخه في الممارسة السياسية.
وقد عمل الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، طوال السنوات التي قضاها في السلطة، على توظيف العامل القبلي، وتسخيره لحماية حكمه، وإضعاف الحس المدني والوطني داخل مؤسسات حيوية، مثل الجيش والأمن، بالاعتماد على أقاربه ومناصريه وشراء ولاء القيادات القبلية. وجاء الربيع العربي ليكون اليمن من البلدان العربية الأولى التي هبت عليها رياحه. وعلى الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها الشعب اليمني في مواجهة نظام صالح، بمختلف أجهزته الأمنية والعسكرية، إلا أن الأخير استطاع أن يخرج بأقل الخسائر، من خلال المبادرة الخليجية التي ضمنت له مغادرة السلطة، من دون متابعات قانونية ضده، غير أن ذلك لم يحل بينه وبين العودة للتدخل في شؤون البلاد، والتحكم في الأحداث وتوجيهها، مستفيداً من نفوذه داخل مختلف مؤسسات الدولة، ناهيك عن علاقاته الخارجية الواسعة. وقد جاء تحالفه مع خصوم الأمس، الحوثيين، ليخلط الأوراق في اليمن، ويقلب المعادلة السياسية رأساً على عقب، ويدفع البلد نحو أفق مسدود، خصوصاً بعد اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي، في خطوة لا تخلو من دلالات داخلية وإقليمية.
ويرى مراقبون أن ما يزيد الأوضاع تعقيداً في اليمن أن الحوثيين، المدعومين بقوات صالح، لم يقرأوا تحولات السياق الإقليمي حالياً. فالاعتماد على إيران، باعتبارها قوة إقليمية وازنة، يفتقد لبعد النظر، خصوصاً في ظل المسار المعقد لمفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفها النووي، وتصاعد نقمة الطائفة السنية على سياساتها في العراق وسورية وعموم المنطقة العربية. كما أنهم لم يدركوا أن العقيدة الفكرية والسياسية للحكم في السعودية لا يمكن أن تسمح بنظام سياسي موال لإيران في جوارها، مهما كلفها ذلك من ثمن. كما أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال يحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشارع اليمني، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية.
سوء التقدير هذا قد يدفع الأوضاع في اليمن إلى مزيد من التوتر، في ظل تكثيف العمليات العسكرية التي يقودها التحالف، وتداعيات الدعم العسكري الروسي للحوثيين. الأمر الذي يفتح الباب أمام حرب أهلية شاملة، قد تعرف نيابة الأطراف اليمنية المتصارعة عن القوى الإقليمية والدولية الكبرى في تصفية حساباتها الاستراتيجية في المنطقة. فإضافة إلى السعودية، ومعظم الدول الخليجية وإيران، بدأت تركيا تبدي اهتمامها باليمن. وهو اهتمام يجد بعض مبرراته، في مخاوفها بشأن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما قد يشكل تحولاً في الموقف التركي إزاء السياسة الإقليمية لإيران، وخصوصاً في ظل استمرار تدخلها السافر في العراق وسورية، ودعمها المادي والعسكري الحوثيين. كما أن مطالبة روسيا بالهدنة، وإقدامها، في الوقت نفسه، على تسليح الحوثيين، يطرح أكثر من تساؤل حول مغزى تحركها بشأن الأزمة اليمنية ودلالاته.
ويمكن القول، هنا، إن المخاوف المرتبطة بالأطماع الإيرانية في المنطقة يمكن أن تتسع أكثر في ضوء المتغيرات الحاصلة على الأرض في اليمن. فلهذا البلد وضعية استراتيجية معينة في السياسة الخارجية لدول الخليج، بالنظر للعوامل، الجغرافية والتاريخية والثقافية. لذلك، قد لا يقف مسار العمليات العسكرية التي تقودها قوات التحالف عند حدود الضربات الجوية التي ينفذها على مواقع الحوثيين، فاحتمال شن هجوم بري يظل وارداً في أي لحظة، خصوصاً في ضوء الصعوبات العسكرية التي تواجهها مليشيات اللجان الشعبية في مدينة عدن، واحتمالات أن تتورط روسيا أكثر في النزاع، بما يمكن أن يترتب عن ذلك من ردود أفعال مختلفة في دوائر صنع القرار الدولي.
في ضوء ذلك كله، لا يبدو شبح اللبننة بعيداً عن اليمن. فإصرار السعودية، ومعها الدول الخليجية، على مواجهة التغلغل الإيراني في هذه المنطقة الحساسة، ورفض الشارع اليمني انقلاب الحوثيين، وتزايد عدد الفاعلين الدوليين المتدخلين في الأزمة اليمنية، وتباين رهاناتهم واستراتيجياتهم، ذلك كله من شأنه أن يدفع الأزمة اليمنية إلى التدويل الذي قد يكون مدخلاً للطريق نحو المجهول.