11 سبتمبر 2024
شبح العزوف يطارد الرئاسيات الجزائرية
بدأ المشهد السياسي في الجزائر لليوم الأول للحملة الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019 باردا كبرودة موسم شتاءٍ جاء متسرعاً يزاحم أيام خريف يريد أن يسابقها، كتسرع السلطات في طي الأيام سريعا، تحسبا لموعد انتخاباتٍ يراد لها أن تفرق بين عهد بوتفليقة وعهد جديد لا تُعرف ملامحه، إلا من خلال إصرار قائد أركان الجيش، القايد صالح، على عدم الخروج من مقتضيات الدستور، واكتساب شرعيةٍ تُبعد شبح التدخل الأجنبي الذي يكشر عن أنيابه كلما تراخى جسم الدولة في الجزائر. لا يبتعد كثيرا كلام الرئيس السابق، ليامين زروال، عن حديث رئيس الأركان في نصيحته التي أسداها لرئيس التنسيقية الوطنية لمتقاعدي الجيش، والتي كانت تعتزم الاعتراض علنا، وعبر مظاهراتٍ على تماطل السلطات في التجاوب مع مطالب متقاعدي الجيش، بالرفع من معاشاتهم، وتسوية حقوق المعطوبين في الحرب على الإرهاب. مظاهرات كانت ستزيد في طين الحراك بلة، خصوصا أنها تأتي من الجسم العسكري نفسه، وهو رمز للسيادة في البلاد منذ عام الاستقلال 1962. يقول زروال في ثنيه قدماء العسكريين عن لي ذراع السلطة في هذا الوقت بالذات، وحثهم على المطالبة السلمية بحقوقهم: "إن رموز العصابة في السجن، ولكن العصابة لا تزال جذورها متغلغلة، ولا بد من وقت لاجتثاثها، لأنها عمرت لأكثر من عشرين سنة".
هو نفسه الخطاب الذي تتبنّاه السلطة في ركضها نحو انتخابات 12 ديسمبر، استغلت فشل
الحراك في استخراج ممثلين له، كما استغلت فشل أهل السياسة والأحزاب في تقديم مرشح توافقي لحراكٍ داوم على طواف الثلاثاء والخميس، في كل شوارع الجزائر العاصمة والولايات الأخرى. لكن ما تخشاه السلطة تجاوز مرحلة أسماء المرشحين، الذين يعدون كلهم، وبدرجات متفاوتة، من أبناء النظام وأخلائه، وصولا إلى مسألة العزوف الانتخابي الذي أصبح يخيم على الرئاسيات.
أدركت السلطات، قبل المرشحين، أنه لا مجال للقيام بحملات انتخابية في الساحات العامة والشوارع، فآثرت الدخول إلى قاعات مغلقة، محكمة التأمين. تظاهر أمامها جمهور معارض لإجراء الانتخابات، صدّتهم أجهزة الأمن، وسريعا ما أطلقت سراح من قبضت عليهم، في مسعى لتهدئة الأنفس، ومحاولة امتصاص الغضب، وإعطاء انطباع أن الوضع طبيعي في معترك سياسي فيه الرأي والرأي الآخر، شريطة ألا يحتد المشهد، ويخرج عن مساره السلمي، وهو أمر يخشاه الجميع.
أراد رئيس حركة البناء الوطني، المرشح عبد القادر بن قرينة، الشذوذ عن القاعدة، انطلقت حملته من البريد المركزي، رمز الحراك وأصل بداياته، ولكنه فشل في جمع عدد من الناس، لم يتعد مناضلي حزبه، ومرافقيه، وطاقم تأمينه. على عجل وفي تكتم كبير، ظهر فجأة واختفى فجأة. لم تدم وقفته إلا سبع دقائق عدَّها العادون، غادر على أثرها المكان بسرعة، وعلق عليها أحدهم بكونها حملة "أركض قبل أن يلتحق الشعب".
يقول بعضهم إن مسألة العزوف الانتخابي لم تعد مؤشرا على نجاح الانتخابات من عدمها، ويحاججون بأن الأمر أصبح يطاول الانتخابات في مختلف بقاع العالم، وأن الجزائر ليست
استثناء من القاعدة. أمر لا تريد السلطة أن تتركه للحظ، أو لتأثيرات الحراك المطالبة بمقاطعة الانتخابات الحالية. وكسابق عهدها، خرجت مسيرات مساندة لإجراء الاقتراع في موعده، قالت وسائل الإعلام الحكومية وحتى الخاصة، إنها مسيرات عفوية خرجت من تلقاء نفسها. ليست المرة الأولى التي تُنظم فيها السلطات مسيراتٍ شعبيةً مساندة لها توفر لها الإمكانات المادية، وتعبئ لها موظفي الإدارات وأعضاء الجمعيات الأهلية المدعومة. حدث ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي وسميت يومها بـ"العفوية" أيضا.
هل فعلا خرج المواطنون في "المسيرات العفوية" بكل حرية للتعبير عن آرائهم؟ سؤال لا يحرج السلطات، ما دام الهدف هو إخراج الانتخابات في صورة مقبولة عالميا. عندها يُصبح رأي الداخل لا معنى له. ولا جدوى أيضا من طرح سؤال المنع الذي يُلاحق مسيرات الرفض، التي مُنعت شاشات التلفزيون أيضا من التقاط صور لها، وبقيت تصاوير أشباحها تطارد السلطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
تفاصيل المسيرات المساندة لإجراء الانتخابات في موعدها، والجهات التي تقف وراء تنظيمها، والوجوه التي تتصدرها، والتي كثيرا ما تصدرت مظاهرات ومسيرات كانت تنظمها عصابة النظام البائد، تُحيلنا إلى سؤال أكثر إلحاحا: هل ما زال في الإمكان تنظيم انتخابات حقيقية، بعيدة عن ممارساتٍ قديمةٍ خبرنا عدم جدواها وعقم نتائجها. لا تهم نزاهة الانتخابات وشفافيتها، في هذا الموعد الرئاسي، فغيمة المرشحين الخمسة ستُمطر لا محالة في أرض السلطة الحالية، ولكن أما زال عهد تخييط الانتخابات على المقاس ممكنا؟ ألم يخرج الشعب الجزائري في 22 فبراير/ شباط من أجل تمزيق هذه الرقعة البالية من ممارسات أكل عليها الدهر وشرب؟ أم أن الطريق ما زالت طويلة، لتحقيق أحلامنا في بناء دولة مؤسساتٍ لا أفراد؟ طريق، ربما تحتاج إلى نضالات أكثر نضجا، وعمل سياسي حكيم، وفوق ذلك كله صبر كصبر أيوب.
أدركت السلطات، قبل المرشحين، أنه لا مجال للقيام بحملات انتخابية في الساحات العامة والشوارع، فآثرت الدخول إلى قاعات مغلقة، محكمة التأمين. تظاهر أمامها جمهور معارض لإجراء الانتخابات، صدّتهم أجهزة الأمن، وسريعا ما أطلقت سراح من قبضت عليهم، في مسعى لتهدئة الأنفس، ومحاولة امتصاص الغضب، وإعطاء انطباع أن الوضع طبيعي في معترك سياسي فيه الرأي والرأي الآخر، شريطة ألا يحتد المشهد، ويخرج عن مساره السلمي، وهو أمر يخشاه الجميع.
أراد رئيس حركة البناء الوطني، المرشح عبد القادر بن قرينة، الشذوذ عن القاعدة، انطلقت حملته من البريد المركزي، رمز الحراك وأصل بداياته، ولكنه فشل في جمع عدد من الناس، لم يتعد مناضلي حزبه، ومرافقيه، وطاقم تأمينه. على عجل وفي تكتم كبير، ظهر فجأة واختفى فجأة. لم تدم وقفته إلا سبع دقائق عدَّها العادون، غادر على أثرها المكان بسرعة، وعلق عليها أحدهم بكونها حملة "أركض قبل أن يلتحق الشعب".
يقول بعضهم إن مسألة العزوف الانتخابي لم تعد مؤشرا على نجاح الانتخابات من عدمها، ويحاججون بأن الأمر أصبح يطاول الانتخابات في مختلف بقاع العالم، وأن الجزائر ليست
هل فعلا خرج المواطنون في "المسيرات العفوية" بكل حرية للتعبير عن آرائهم؟ سؤال لا يحرج السلطات، ما دام الهدف هو إخراج الانتخابات في صورة مقبولة عالميا. عندها يُصبح رأي الداخل لا معنى له. ولا جدوى أيضا من طرح سؤال المنع الذي يُلاحق مسيرات الرفض، التي مُنعت شاشات التلفزيون أيضا من التقاط صور لها، وبقيت تصاوير أشباحها تطارد السلطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
تفاصيل المسيرات المساندة لإجراء الانتخابات في موعدها، والجهات التي تقف وراء تنظيمها، والوجوه التي تتصدرها، والتي كثيرا ما تصدرت مظاهرات ومسيرات كانت تنظمها عصابة النظام البائد، تُحيلنا إلى سؤال أكثر إلحاحا: هل ما زال في الإمكان تنظيم انتخابات حقيقية، بعيدة عن ممارساتٍ قديمةٍ خبرنا عدم جدواها وعقم نتائجها. لا تهم نزاهة الانتخابات وشفافيتها، في هذا الموعد الرئاسي، فغيمة المرشحين الخمسة ستُمطر لا محالة في أرض السلطة الحالية، ولكن أما زال عهد تخييط الانتخابات على المقاس ممكنا؟ ألم يخرج الشعب الجزائري في 22 فبراير/ شباط من أجل تمزيق هذه الرقعة البالية من ممارسات أكل عليها الدهر وشرب؟ أم أن الطريق ما زالت طويلة، لتحقيق أحلامنا في بناء دولة مؤسساتٍ لا أفراد؟ طريق، ربما تحتاج إلى نضالات أكثر نضجا، وعمل سياسي حكيم، وفوق ذلك كله صبر كصبر أيوب.