شباب مصر المنفيون... الجسد في غربة والروح في وطن

31 ديسمبر 2015
الجسد في غربة والروح في وطن (Getty)
+ الخط -
- مساكن الإخوان في السودان شرطها التزكية وعدم معارضة سياسات الجماعة.
- فرص العمل قاصرة على المطاعم والمقاهي ومزارع الماشية وغالباً لا تُغطي المصاريف.
- يضطر الطلاب لإعادة الثانوية العامة لارتفاع أسعار الجامعات وصعوبة الالتحاق بها.


حالة من الشجن تسيطر على الشباب المصري المنفي خارج بلاده، بسبب رفضه الانقلاب العسكري الحاصل في مصر، فتراه هائما على وجهه في تركيا أو في السودان، ولسان حاله يقول: "كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفه الفتى وحنينُه أبداً لأولِ منزلِ".

ورغم احتضان تركيا آلاف المصريين عقب الانقلاب العسكري، إلا أن الكثير منهم يعاني ويشكو عدم الراحة، إما بسبب اختلاف الثقافة وطريقة العيش بين مصر وتركيا، أو صعوبة التأقلم مع مدن تركيا ذات مستوى المعيشة المرتفع.

الأمر نفسه يتكرر في السودان، الذي تمر العلاقات بينه وبين النظام المصري بحالة من الجفاء الشديد، ولكن ما يخفف من ذلك قرب السودان من مصر ثقافيا وحضارياً، فقد كان السودان تابعا لمصر فترة طويلة.

"مفيش جريمة يكون عقوبتها النفي خارج البلاد"
هكذا عبر الشباب المصري عن غضبهم من القمع والاستبداد الذي وصلت إليه البلاد تحت حكم السيسي. فمنذ انقلاب الثالث من يوليو، وما أعقبه من أحداث مأساوية كثيرة ما بين المجازر التي أدت إلى مقتل الآلاف، والاعتقال التعسفي الذي بات شيئا أساسيا في أخبار المحروسة، الأمر الذي أدى إلى تشريد آلاف الأسر بين قتيل ومصاب ومعتقل.

أدت هذه السياسات القمعية التي مارستها السلطة المصرية طوال العامين الماضيين إلى هروب كبير في قطاع من أهم القطاعات التي تقوم عليها الدول والحضارات، وهو قطاع الشباب الذي بات مهدداً بالاعتقال أو بالتصفية المباشرة، كما حدث كثيراً في الفترة الماضية.

لجأ الشباب المصري المعارض لنظام السيسي -الذي يواجه معظمهم أحكاما تعسفية تصل إلى المؤبد والإعدام في بعض الحالات- للسفر إلى تركيا والسودان وماليزيا وغيرها من الدول هرباً من جحيم السلطة، ولم تكتف الحكومة بالاعتقال التعسفي والأحكام الجائرة، بل سارعت الحكومة المصرية إلى إصدار القوانين التي تحظر سفر المصريين من سن 18 عاماً فأكثر إلا بتصريح أمني إلى هذه الدول سالفة الذكر وغيرها، بل أضافت ضريبة سفر أخرى على كل من يغادر البلاد، حتى بات الهروب من الجحيم مرفوضا!

"جيل العربي الجديد" تنتقل بكم إلى السودان، الدولة التي تُعد من أكثر الدول استقبالاً للمصريين الهاربين من الانقلاب نظراً لمجاورتها مصر وإمكانية السفر إليها براً من دون تأشيرة.

ويواجه الإنسان المصري العازب أو المتزوج، صعوبات كبيرة في عملية بحثه عن سكن مناسب في السودان، وذلك لعزوف السودانيين عن تأجير بيوتهم لأسباب كثيرة، في مقدمتها أن البعض يعمل على تحويل البيت إلى سكن شبابي يضم في المنزل الواحد (غرفتين مثلاً) ما لا يقل عن 10 أشخاص، فضلاً عن الخوف من سلوك الشباب غير المتزوج، وتهرب بعضهم من دفع المستلزمات الشهرية مثل فواتير الكهرباء أو الماء وخلافه.

صعوبات في الحصول على سكن
شهدت الفترة الماضية ارتفاعا جنونيا في أسعار الشقق بعد توافد المصريين الهاربين من جحيم النظام العسكري كما يؤكد مصطفى (شاب مصري سافر إلى السودان بعد مطاردة قوات الأمن المصري وتلفيق قضية له) أنهم في السودان يعانون من ارتفاع أسعار السكن، سواء الشقق أو المنازل الصغيرة التي تصل إلى أربعة آلاف جنيه سوداني، وأنهم يلجؤون إلى السكن الجماعي أيضاً، كما أن الشباب القدامى هناك يساعدون الوافدين الجدد في الحصول على سكن وعمل.

وأضاف محمد محمود (أحد الطلاب المصريين المهاجرين إلى السودان بعد اعتقاله ومطاردته أكثر من مرة) أن المصريين الذين في مثل ظروفه، تنقسم أوضاعهم في السكن إلى قسمين: الأول خاص بفئة الطلاب في الجامعة أو الثانوية العامة، وهؤلاء يقطنون في مساكن بأجور رمزية لا تتعدى 50 جنيها، وهي مساكن أشبه بسكن الجامعات مدعومة من بعض الأخوان.

وتابع: "بينما القسم الثاني يختص بالشباب الذي يقطن في مساكن خاصة، وهم الأكثر معاناة في ظل ارتفاع إيجارات الشقق وسوء معاملة السماسرة مع المصريين باعتبارهم أجانب (سياحاً)، بالإضافة إلى أزمات ارتفاع أسعار المواصلات، فأقل تسعيرة للتوكتوك تتخطى 10 جنيهات".

وأوضح أن مساكن الإخوان المخصصة للطلاب لا يدخلها إلا أعضاء الجماعة أو من يُزكيه أحد أعضائها بشرط ألا يعارض سياساتها.

وفي سياق متصل، قال عبد الرحمن (طالب) أنه عقب وصوله إلى السودان نزل في أحد الفنادق وبعد التواصل مع المصريين المقيمين، توصل إلى صاحب أحد البيوت التي تؤجر الشقق، كما أوضح أيضا أن السكن نوعان، سكن تابع للإخوان، وهو لا يكلف سوى 200 جنيه سوداني شهرياً، لكنه قاصر فقط على أشخاص بعينهم، فلا بد أن يُزكى الشخص من مصر، وإلا فسيضطر للسكن الخاص الذي يتخطى تكلفته 1700 جنيه سوداني وهو مرهق جداً.

بعد أن ينتهي المهاجر المصري من البحث عن سكن، ويستقر به الحال في سكن جماعي أو خاص، تأتي المهمة الأصعب وهي الحصول على عمل يغطي مصاريف الغربة.

وعن هذا قال مصطفى، إن فرص العمل هنا قاصرة على المطاعم والكافيهات ومزارع الماشية، والتي غالباً لا تُغطي المصاريف، وبعضهم يلجأ إلى تأسيس مشروع خاص به مع مجموعة من الشباب، كما فعل هو وأصدقاؤه، فقد بدأوا بتأسيس مطعم بيتزا وكريب.

وأشار عبد الرحمن محمد، إلى أن العمل لا يغطي مصاريفه، وطبيعة المعيشة في السودان تلزم الشخص بالعمل في أكثر من وظيفة وأنه لجأ للعمل في معرض سيارات لتغطية مصاريفه ويعمل 10 ساعات يومياً.

"لم يلعب الطلاب دورًا في الحركة الوطنية، مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر" هكذا يقول المؤرخ الفرنسي والتر لاكير.

وما زالت الحركة الطلابية في مصر تدفع الثمن الغالي في كل الانتفاضات الشعبية خلال القرن الماضي، الذي لم يختلف كثيراً عن الوضع الحالي، الذي يعاني فيه الطلاب أيضاً تلك المعاناة التي تلاحقهم بعد السفر للخارج.

ويشير محمد محمود، إلى أن الأزمة الكبرى التي تواجههم هي التعليم، ولا سيما طلاب الجامعة، فالمصروفات الجامعية خيالية، فطب الأسنان مثلاً تتخطى مصاريفه 10 آلاف دولار، وإذا حاول بعضهم أن يكمل دراسته الجامعية بناء على ما أنجزه في مصر، يُرفض طلبه، فيضطر بعضهم إلى إعادة تعليمه الثانوي نظرا لسهولة ذلك.

كما أن مدارس الثانوية العامة في السودان متاحة للمصريين، والتقديم يكلف 2500 جنيه سوداني في السنة، ووقت الامتحانات يدفع الطالب 150 دولارا لأدائها، أما الدروس الخاصة فالمادة بألف جنيه سوداني. وأضاف عبد الرحمن محمد، أن مصاريف الجامعات مرتفعة ومستوى التعليم سيء، وأنه واجه كثيراً من التعنت في قبوله في الجامعات في مصر، بسبب الموقف السياسي، كما أنه وضع حديثاً على قوائم الترقب والانتظار ولن يستطيع الرجوع إلى مصر مرة أخرى إلا إذا تبدل الحال.

كما أكد عبد الرحمن، أن الشعب السوداني شعب طيب وكريم إلى أقصى الحدود، ومتعاطف جداً مع الشباب المصري، وبالرغم من مشاهدتهم الإعلام المصري إلا أنهم لا يتأثرون به، خاصة إذا تحدثت معهم وبينت لهم الحقيقة.

ارتفاع أسعار المعيشة وتعامل راق من الشرطة السودانية
وسرد محمد محمود قائمة بالمصروفات النارية التي يتكبدون عناءها في السودان، بسبب غلاء المعيشة، كالتالي: "9 أشخاص في شقة يبلغ إيجارها 5 آلاف جنيه سوداني، وهي عبارة عن غرفتين وصالة، الكهرباء ببطاقات شحن كل أسبوع بـ200 جنيه، الخضار أسعارها مرتفعة جدا، فكيلو الطماطم مثلا بـ 40 جنيها والبطاطس 15 جنيها، الفاكهة أرخص، وخصوصا الموز "يعني من الآخر تعمل سلطه فواكه أرخص من سلطه خضار" ويضيف اللحوم والطيور أسعارها زهيدة مقارنة بالخضار. وشدد على طيبة الشعب السوداني في التعامل معهم، وإن كان هناك من لديه انطباعات خاطئة عن المصريين. وتابع: "الإقامة هنا متاحة، ولم يسبق أن تعرضت لي الشرطة".

ويؤكد عبد الرحمن أنه لا يوجد أوراق إقامة في السودان للمصريين، والشرطة محترمة جداً طالما أن الشخص لا يثير الشغب والمشكلات، وإلا فقد يتم ترحيلك إلى مصر إذا ارتكبت ما يضر بالأمن الوطني.

وتمر الأيام ويبقى حلم العودة للوطن هو الشعور الذي يهون مرارة الغربة، فمهما عانى الإنسان في وطنه فيظل حنينه لموطنه وحلم العودة هو الشيء الذي لا يتغير، ولا ينقص أبداً مهما ابتعد المهاجر زماناً أو مكاناً.

(مصر)

المساهمون