على مدى عقود، حلم سكان بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية)، بالتخلّص من الهيمنة السوفييتية والنظم الاشتراكية والاندماج في الاتحاد الأوروبي.
في عام 1989، سقط جدار برلين، ومعه الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فتوجّهت بلدان أوروبا الشرقية نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ليتوّج ذلك بأكبر توسّع للاتحاد في عام 2004، من خلال انضمام عشرة أعضاء جدد إليه دفعة واحدة.
مع مرور الوقت، بدأت السياسات الأوروبيّة، وعلى رأسها تلك المتعلّقة باستقبال اللاجئين والمهاجرين، تثير استياء السكّان وتساهم في تنامي المشاعر القومية، ما أدى إلى تقدّم قوى ترفع شعارات قومية في الانتخابات في عدد من الدول.
في هذا الإطار، يعزو الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، زيادة التشكيك في التكامل الأوروبي إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية، إضافة إلى افتقاد بلدان أوروبا الشرقية إلى خبرة انتهاج سياسة متعددة القوميات. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تحصل بلدان أوروبا الشرقية على الحصة التي كانت تطمح إليها في سوق العمل الأوروبية، بل تحولت إلى مصدر للأيادي العاملة الرخيصة ومقصد للمنتجات الألمانية. أدرك السكان أن بلدانهم لن تحقق تكافئاً مع أوروبا الغربية".
اقــرأ أيضاً
وحول تأثير الميراث السوفييتي وعرقلته للاندماج في الاتحاد الأوروبي، يضيف: "بعد الحرب العالمية الثانية، تجمدت هذه الدول في شكل دول القومية الواحدة من دون خبرة في السياسة متعددة القوميات. أضف إلى ذلك قوة الذكريات حول انهيار المنظومة السوفييتية. على عكس سكان أوروبا الغربية، يتخوف الناس في أوروبا الوسطى والشرقية من انتهاء وجود الاتحاد الأوروبي، ما سيفقدهم الحماية الخارجية. لذلك، يدعم السكان السياسيين الذين يدعون للانعزال عن الاتحاد الأوروبي بشكل استباقي، قبل أن تصبح دولهم ضحايا لانهياره".
خلال السنوات الماضية، جاءت نتائج الانتخابات في عدد من بلدان أوروبا الشرقية مؤشّراً على تراجع فكرة أوروبا الموحدة. في جمهورية التشيك على سبيل المثال، أُعيد انتخاب الرئيس ميلوش زيمان في يناير/ كانون الثاني الماضي، علماً أنه يعارض السياسات الأوروبية في مجال الهجرة، ويدعو إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. وفي المجر، أسفرت الانتخابات التشريعية في إبريل/ نيسان الماضي عن فوز الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، المعروف بتشكيكه بالاتحاد الأوروبي وإجراءاته المشددة في مجال الهجرة، وإشادته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومن بين عوامل نجاح القوى القومية في الانتخابات، يذكر بريوبراجينسكي ارتفاع نسبة السكان في المناطق الحضرية من جراء نزوح السكان من المناطق الريفية. ويقول: "يعتبر هؤلاء الهوية الإقليمية أهم من الفردية وتلك العابرة للحدود، فيتخوفون من تدفق المهاجرين. يتحول التنقل بلا تأشيرة في عيونهم من إنجاز إلى تهديد".
مع ذلك، ما زال الشباب في أوروبا الشرقية متحمسين للتكامل الأوروبي، بعدما أتاح لهم السفر بحرية بين نحو 30 بلداً في المنطقة الاقتصادية الأوروبية بلا تأشيرة، سواء للسياحة أو الدراسة أو العمل. كاتارجينا البولندية إحدى هؤلاء. تقول لـ"العربي الجديد": "يُسعدني أن أن أكون جزءاً من الأسرة الأوروبية، ولا أتصور أنني قد أنتمي إلى أي أسرة جديدة، فقد ولدت ونشأت في أوروبا".
وترى كاتارجينا أنّ التشكيك في الاتحاد الأوروبي متعمّد لإثارة المشاعر القومية، على سبيل الترويج لفكرة العظمة الوطنية ومزاعم عدم احترام الاتحاد الأوروبي للأمة البولندية، والدعاية لاستعادة الكرامة والاحترام المفقودين، وفق اعتقاد السياسيين القوميين.
اقــرأ أيضاً
يذكر أن بولندا كانت أول بلد في الكتلة السوفييتية السابقة التي تشكلت فيها حكومة غير شيوعية، وذلك بعد نجاح محادثات "المائدة المستديرة" عام 1989 بين السلطة الشيوعية بقيادة الجنرال فويتشخ ياروزلسكي وحركة "التضامن" العمالية بعد موجة من الإضرابات.
وألهمت هذه التجربة الدول الأخرى في الكتلة الاشتراكية، المجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، لإنهاء الحكم الشيوعي بطريقة سلمية في الأشهر التالية، باستثناء رومانيا التي شهدت موجة من أعمال عنف أسفرت في نهاية المطاف عن إعدام الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته في نهاية عام 1989.
مهدت هذه التطورات الطريق لاندماج الديمقراطيات الوليدة في الاتحاد الأوروبي. لكن بعد مرور ثلاثة عقود، بدأت الانقسامات وتضارب الرؤى والمصالح تخيم على أكبر فضاء اقتصادي موحد في العالم، ما تجلى بوضوح في تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
في عام 1989، سقط جدار برلين، ومعه الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فتوجّهت بلدان أوروبا الشرقية نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ليتوّج ذلك بأكبر توسّع للاتحاد في عام 2004، من خلال انضمام عشرة أعضاء جدد إليه دفعة واحدة.
مع مرور الوقت، بدأت السياسات الأوروبيّة، وعلى رأسها تلك المتعلّقة باستقبال اللاجئين والمهاجرين، تثير استياء السكّان وتساهم في تنامي المشاعر القومية، ما أدى إلى تقدّم قوى ترفع شعارات قومية في الانتخابات في عدد من الدول.
في هذا الإطار، يعزو الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، زيادة التشكيك في التكامل الأوروبي إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية، إضافة إلى افتقاد بلدان أوروبا الشرقية إلى خبرة انتهاج سياسة متعددة القوميات. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تحصل بلدان أوروبا الشرقية على الحصة التي كانت تطمح إليها في سوق العمل الأوروبية، بل تحولت إلى مصدر للأيادي العاملة الرخيصة ومقصد للمنتجات الألمانية. أدرك السكان أن بلدانهم لن تحقق تكافئاً مع أوروبا الغربية".
وحول تأثير الميراث السوفييتي وعرقلته للاندماج في الاتحاد الأوروبي، يضيف: "بعد الحرب العالمية الثانية، تجمدت هذه الدول في شكل دول القومية الواحدة من دون خبرة في السياسة متعددة القوميات. أضف إلى ذلك قوة الذكريات حول انهيار المنظومة السوفييتية. على عكس سكان أوروبا الغربية، يتخوف الناس في أوروبا الوسطى والشرقية من انتهاء وجود الاتحاد الأوروبي، ما سيفقدهم الحماية الخارجية. لذلك، يدعم السكان السياسيين الذين يدعون للانعزال عن الاتحاد الأوروبي بشكل استباقي، قبل أن تصبح دولهم ضحايا لانهياره".
خلال السنوات الماضية، جاءت نتائج الانتخابات في عدد من بلدان أوروبا الشرقية مؤشّراً على تراجع فكرة أوروبا الموحدة. في جمهورية التشيك على سبيل المثال، أُعيد انتخاب الرئيس ميلوش زيمان في يناير/ كانون الثاني الماضي، علماً أنه يعارض السياسات الأوروبية في مجال الهجرة، ويدعو إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. وفي المجر، أسفرت الانتخابات التشريعية في إبريل/ نيسان الماضي عن فوز الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، المعروف بتشكيكه بالاتحاد الأوروبي وإجراءاته المشددة في مجال الهجرة، وإشادته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومن بين عوامل نجاح القوى القومية في الانتخابات، يذكر بريوبراجينسكي ارتفاع نسبة السكان في المناطق الحضرية من جراء نزوح السكان من المناطق الريفية. ويقول: "يعتبر هؤلاء الهوية الإقليمية أهم من الفردية وتلك العابرة للحدود، فيتخوفون من تدفق المهاجرين. يتحول التنقل بلا تأشيرة في عيونهم من إنجاز إلى تهديد".
مع ذلك، ما زال الشباب في أوروبا الشرقية متحمسين للتكامل الأوروبي، بعدما أتاح لهم السفر بحرية بين نحو 30 بلداً في المنطقة الاقتصادية الأوروبية بلا تأشيرة، سواء للسياحة أو الدراسة أو العمل. كاتارجينا البولندية إحدى هؤلاء. تقول لـ"العربي الجديد": "يُسعدني أن أن أكون جزءاً من الأسرة الأوروبية، ولا أتصور أنني قد أنتمي إلى أي أسرة جديدة، فقد ولدت ونشأت في أوروبا".
وترى كاتارجينا أنّ التشكيك في الاتحاد الأوروبي متعمّد لإثارة المشاعر القومية، على سبيل الترويج لفكرة العظمة الوطنية ومزاعم عدم احترام الاتحاد الأوروبي للأمة البولندية، والدعاية لاستعادة الكرامة والاحترام المفقودين، وفق اعتقاد السياسيين القوميين.
يذكر أن بولندا كانت أول بلد في الكتلة السوفييتية السابقة التي تشكلت فيها حكومة غير شيوعية، وذلك بعد نجاح محادثات "المائدة المستديرة" عام 1989 بين السلطة الشيوعية بقيادة الجنرال فويتشخ ياروزلسكي وحركة "التضامن" العمالية بعد موجة من الإضرابات.
وألهمت هذه التجربة الدول الأخرى في الكتلة الاشتراكية، المجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، لإنهاء الحكم الشيوعي بطريقة سلمية في الأشهر التالية، باستثناء رومانيا التي شهدت موجة من أعمال عنف أسفرت في نهاية المطاف عن إعدام الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته في نهاية عام 1989.
مهدت هذه التطورات الطريق لاندماج الديمقراطيات الوليدة في الاتحاد الأوروبي. لكن بعد مرور ثلاثة عقود، بدأت الانقسامات وتضارب الرؤى والمصالح تخيم على أكبر فضاء اقتصادي موحد في العالم، ما تجلى بوضوح في تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي عام 2016.