شاعر السورّيالية الخفيفة

17 أكتوبر 2014
بورتريه ذاتي للشاعر
+ الخط -

شعر لوركا مفعم بالحقائق البسيطة والكونيّة في آن، والتي يستخرجها من العلب السريّة داخل نفسه. أبجديّته الشعرية تتشكّل من غنائية متجذّرة في تراث الشعر الإسباني، ويمكن القول إنها تحدّرت إليه، كما يقول هو نفسه، من غونغورة، رائد الغنائية الإسبانية، ومن أدولفو بيكر، وكذلك من تراث الفلامنكو الموسيقي ومن أغاني الغجر.

ثمّة هرمسية تُضفي شيئاً من الغموض الرومانسي على نصّه، وشيئاً من سورّيالية خفيفة غير مغرقة في التقصّي العميق وراء عوالم اللاوعي. إنها سورّيالية حافظت على خيط أريان داخل متاهة الغموض؛ داخل ليل الذّات الذي لا يُسبَر.

ولأن متاهة لوركا جغرافية كلاسيكية وليست روحية كما هي متاهة بورخيس، فقد نجد لديه تعابير غامضةً، ولكن ذات صدى حقيقي في نفس من يقرأها.

ذلك ما يسميه الشاعر الإيطالي جوزيف أنغرتّي بالغموض لكن بشكل واضح تماماً، مثله مثل المتاهة التي بها خيط أريان: غامضة، بيد أنّها تقود إلى شيء ما، إلى شيء حقيقي. هي ليست الظلمة المغلقة التي لا تقول شيئاً، والتي تحوّلت لدى كثير من الشعراء السورياليين، أجانب وعرب، إلى مركب سهل مليء بلغة وصور تقول شيئاً لا يقول شيئاً.

بهذا المعنى، لا تبدو سوريالية لوركا وكأنها تقول أي شيء كان. هي ليست رمياً للكلام كيفما اتفق، ولا إبحاراً لا نهائياً في ليل اللاّوعي، وإنّما لمسٌ للّاعقلاني بأساليب لاعقلانية وصور تبدو منافية للعقل، بيد أنها موافقة للحس الشعري: "وفي السماء يسير القمر/ ماسكاً الطفل من يده/ وكانت سمكة تسبح في القمر". صور الشاعر الإسباني، كما في المثال السابق، فيها غرابة السورّيالية وحميمية من بقايا الرومانسية.

دلالات
المساهمون