شارع محمّد محمود وقصائد أخرى

01 سبتمبر 2015
لوحة للفنان التونسي حسين مصدق (موقع فنون دوت كوم)
+ الخط -

شارع محمّد محمود

هنا البيت وليس ميدان التحرير
وغرفة نومي لم تكن يومًا
شارع محمد محمود
من أين يأتي الغاز إذن؟
ومن سمح لقنّاصة العيون
أن تعتلي النوافذ
ومن قال للجنود أنْ يعبروا
- هكذا - بحرية
بالقرب من سريري
منتشين برائحة الموت
وبالفرجة على جثث مكوّمة
قرب صنايق القمامة.

لكنني هنا..... أقف وحدي
على بعد سنتيمترات
من الرعب
أجمّع ملامح الأطفال
بزيّهم المدرسي
وهم يسقطون بخفّة
قرب قدمي
لأرسمهم على
الحوائط
- وهم يتطلعون إليَّ
بنصف ابتسامة -
سأكتفي الآن بمراقبة
الهاربين من الحياة
منتظرة عودة صديقتي
الوحيدة
من قصر الدوبارة
لأسألها:
من أين يأتي كلّ هذا الغاز؟
وهل شاهدتْ صدري المثقوب
منذ ثلاثة أعوام
وكأنني عدت لتوي من الحرب؟!!



اقرأ أيضاً: "العشاء الأخير": مصر بعد الثورة

هيلين

لماذا لا أكرهك يا هيلين؟!
أو أدوس على ظلّك
ثم أمثّل بجثّتك في أحلامي
كما ينبغي لغريمة شرسة
مثلي
كنت على الأقل
سأكتب القصيدة
وأنا هادئة.
لا بدّ أنك نائمة الآن
في حضنه
أسمع صوتك تتأوهين
يا هيلين
على مقربة من رسائله الساخنة لي
عبر حائط إلكتروني بارد.

لماذا إذن ينتفض جسدي
بشدة
أمام دموعك الحارقة
كأنها شوكة مغروزة
في جلدي
هل صحيح أنني حين أنظر
إلى المرآة
سأراك؟
هكذا أخبرني حبيبي ذات مرّة
لكن عيوني ليست زرقاء
والمسافة بين الشعر والهندسة
ليست هينة على ما يبدو.
فهل سأظلّ وحدي
هنا
في الطريق بين القاهرة
وواشنطن
بخيال تائه
أرسم صورتك ثم أمحوها
كتلميذ خائب!!!

بنيامين


هجر اسمه لئلا يعرف
هوّيته أحد
وفرَّ من بلد إلى بلد
ليغلق وراءه كلّ أبواب
الحنين
لكن لماذا بلاد الله الواسعة
صارت ضيّقة عليه؟!
لا يصحو بنيامين
إلا على كوابيس
وأصوات هائجة
تذكّره بجرائم أبيه
وإخوته
لم يتبقَّ له في هذا المكان
سوى صورة حبيبته
يعلّقها على جدار مشقوق
لتذكّره دومًا بخيبته
وبأن الله أسقطه تمامًا
من دفاتره الكثيرة
ما الجدوى إذن
أن يسأله
طيلة أربعين عامًا
- دون كلل -
السؤال الباهت ذاته
وكل الأشياء حوله
صارت محض استعارات
ميتة؟!



الغريب

أنفاسُه الحائرة هي آخر
ما تبقّى لها منه
في هذا البيت
تضيء بها عتمة جسدها ليلًا

حين تتذكّر أن بينهما
عشر ساعات
من الانتظار المرّ.

كأنها تحبه!!
هذا الغريب التائه في بلاد
الله
التي تزداد وحشة.
يفتّش له عن وطن
بحجم غيابه
وبحجم موته البطيء.

لماذا إذن تقضي ليلتها
في انتظار أن يتسلّل
إلى غرفتها
لينام على صدرها
كطفل صغير
هدّه التعب
هدّه الحنين إلى وطن؟!


مرآة

هممت أن أفضحها
عند صديقها المغربي
تلك التي تجلس أمامي
مبتسمة
- مثل غبية -
من أتت بكلّ هذه الوقاحة
التي تلقاني بها
ولتقصّ لي حكايات ملفّقة
عن راهبة تسكنها؟!!
نسيت أنني أتبعها كقرين
دائم
وأن القديسين لا يكتبون الشعر.



جسد غير صالح للعشق

هل من الصدفة
أن كل الطرق تؤدي إلى البيت؟!
كان بوسعي أن أتلكأ
أكثر
أمام بواباته الحديدية
وأن أزيح بلا غضب
صورة الولد الأبله
من أمامي

كيف سمحت له أن يتمادى
في رومانتيكيته معي
إلى هذه الدرجة!
خمس ساعات يناضل
كي يحرّك يدي
كنت أراقب ارتعاشة أصابعه
وأضحك في سري من سذاجته
يالله!
كيف لم يفهم
أنها مدرّبة جيدًا على الموت
وأن جسدي الذي يزاحمني
الفراش
بأفكاره السوداء
وتنبؤاته الغامضة
صار الآن
عجوزًا جدًا
ولم يعد صالحًا للعشق.

ربّما لن يصدّق الولد
أنه لا أحد ينتظرني
هناك
ولا حتى الملائكة
الملائكة التي تتفرّج عليّ كل ليلة
ولا أعرف ماذا أقول لها بالضبط
- عند عودتي من معاركي
الكثيرة الخاسرة -
عن تلك الفضائح
التي تسيل من وجهي
- ككائنات متوحشة -
فتنهشني بلا رحمة
وعن حاجتي لموتى جدد
ربما ليقطعوا هذا الظلام
أو "لأعايرهم" بعجزهم
وأفتخر أمامهم
بمجد أبي الزائف
الذي وعدني به
قبل أن أدفنه في غرفتي
بلا كفن عظيم
يليق به.

(شاعرة مصرية)
المساهمون