ما زال الحديث عن شادية مستمراً. اعتزلت شادية ورحلت عنا، واستمر الحديث عنها وعن أعمالها. وسيبقى الحديث مستمراً إلى الأبد، طالما عاشت أعمالها، وتوارث الناس حبها، خصوصاً بمرور ذكراها الأولى الآن.
بالطبع، أخذ الأمرُ فترة زمنية حتى يستوعب القائمون على الفن والساحة الفنية، الشكل الجديد من الغناء الخفيف الذي تقدمه شادية. تقف شادية بين الغناء الطربي وغناء العوالم. وتقدّم أغاني تجبر الجميع على الوقوف احتراماً لها، ولما تقدمه. يقول "موسيقار الأجيال"، محمد عبد الوهاب: "إن شادية صوت بتعريفة، لكنها تعطيك فناً بمليون جنيه". وتقول أم كلثوم: "إنها صوت جميل سليم مُنسّق النسب والأبعاد، مُشرِقٌ ومبهج يتميز بشحنة عالية من الأحاسيس. وصوتها يعطي المتلقي شيئاً من الحنان. وهي واحدة من أحبّ الأصوات بالنسبة لي". نحن أمام شهادتين من أهل الفن، وهذه ليست شهادات عادية، بل هي من القمة، من "الست" ومن "موسيقار الأجيال". شادية هي من أوائل المطربين والمطربات الذين هدموا الجدار الرابع، كما يقال في المسرح. شعر الجمهور بأن من تغنّي هي أقرب إليهم، وكأنها أحد أفراد العائلة. كان شعوراً جديداً بأنَّ الغناء لا يلزمه صوت إعجازي، كما في حالة أم كلثوم أو عبد الوهاب، وأنه يمكن لأي فتاة أن تغني وترقص، وتصبح نجمة أيضاً.
كانت أم كلثوم هي صوت الدولة، أو يمكن تسميتها بـ"الصوت الرسمي للدولة". لكن مع شادية كان الأمر مختلفاً. شادية هي صوت أحد أفراد الشعب، غير المنتمين للعمل السياسي. صوت قادم من شباك الجيران. لذلك، كان استخدام صوت شادية في الغناء السياسي والوطني، مختلفاً تماماً عن كل ما هو موجود على الساحة الفنية. يحكي عبد الرحمن الأبنودي، أنه عندما قدم أغنية "يا بيوت السويس"، مع المطرب محمد حمام، وأصبحت الأغنية الأولى في مصر، غضب منه عبد الحليم حافظ، وعاتبه بأنه لم يعطه الأغنية. كان رد الأبنودي، بكل هدوء، "إن الناس لن تصدقك وأنت تقول يا بيوت السويس. أنت يا حليم تغني، وتقول يا مصر يا وطني يا بلدي". وعند التفكير في الموضوع، تجد أن وجهة نظر الأبنودي صحيحة مائة بالمائة. إذْ إن كل مطرب له مكانة ومفردات خاصة، يمكن للجمهور أن يصدقه فيها.
هذا ما حدث مع شادية وصوتها، كانت مساحة صوتية جديدة، يمكن للقائمين على الفن استغلاله بشكل جديد على الساحة الفنية. بالطبع، كانت هناك تجارب أخرى لمطربين ومطربات، لكن الكلام هنا عن تجربة شادية، وما تملكه من صدق في حبالها الصوتية، يجبرك على أن تصدقها، حتى لو كنت تعلم أنها كاذبة. يصفها عبد الوهاب في أحد حواراته قائلاً "إن صوتها مثل البنت اللعوب، تضحك على الولد، ولكنه يصدقها، وهو عارف إنها بتكدب". قدمت شادية الأغاني الوطنية والسياسية، منذ بداية ثورة 1952، وكانت معظمها في شكل مونولوجات فكاهية أو استعراضات، بصحبة إسماعيل يس، واستمرت شادية تغني للوطن، حتى ثورة 25 يناير. كانت أغانيها الوطنية حاضرة بقوة، وكأنها صُنِعت للحدث نفسه.
غنت شادية للوطن من وجهة نظرٍ جديدة. فتاة مصرية تغني بكل حب وبساطة، وتقول: "يا بنت بلدي زعيمنا قال قومي وجاهدي ويا الرجال"، أو: "رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر راح أجيب الورد وأجيب سكر"، من يقتنع أن تلك الكلمات هي أغنية وطنية وعن الاحتفال بالنصر. كما ترسل أغنية أخرى رسالة حب من السويس للعريش، وتقول: "بكتب جوابي من السويس.. عشان حبيبي في العريش". تغني شادية للوطن الأقرب إلينا، بعيداً عن الدولة والسياسة، تكتب لقريبتها التي فرقت بينهما الحرب. تغني بشكل بعيد عن كل الشعارات والهتافات الزاعقة، وتقول "يا بنت خالي يا وحشاني.. يا ساكنة في البر التاني". حتى عند ضرب مدرسة بحر البقر، قدمت أغنية "الدرس انتهى"، من وحي المكان والأطفال الشهداء. بالطبع، صلاح جاهين هو البطل في الكتابة، لكن اختيار صوت شادية كان لأنه الأصدق في التعبير عن هذه الحالة، وكما قدم بعد ذلك جاهين مع سعاد حسني النسخة الأحدث من شادية.
عانت شادية طوال حياتها من حلم الأمومة، ودخلت في مشاجرات وإجهاض، بسبب إصرارها على الإنجاب. وتحملت تعباً كثيراً حتى تحقق حلمها. ولكن لم يمنحها القدر هذه الأمنية. وترك فيها أمومة ناقصةً تكفي أن تجعل أغانيها للأطفال من أشهر الأغاني. وصارت أغنية "سيد الحبايب" أشهر أغاني الأمومة، وقدَّمت عدة أغان أخرى للأطفال والأمومة مثل: "يا اختي عليك" و"اسم الله عليك" و"حلقاتك برجلاتك" و"توحة يا طعمة".
بجانب غناء شادية أغاني الأطفال العادية، كانت لشادية تجربة جديدة مع الأطفال، وهي أغان سياسية للأطفال. أغان صنعت خصيصاً لتوجيه الأطفال سياسياً، فكانت أغنية "بلد السد". كتب حسين السيد ولحّن منير مراد كلمات الأغنية، بحيث تكون عبارة عن "حدوتة" للأطفال، تقصّها شادية بالغناء لابن أختها، ويكف الطفل عن البكاء عند سماع "حكاية بجد. حصلت لما رحنا نزور.. بلد السد أبو باب مسحور"، ومنها تبدأ في حكاية بناء السد. كان من طبيعة الأغنية أن تنادي شادية الرئيس جمال عبد الناصر، باسم "أبو خالد"، وأيضاً أن يدخل الخيال الأغنية "علشان كده قربنا وجبنا.. يوم الاتنين قبل يوم الأحد". كان صوت شادية هو أحسن صوت يمكنه أن يغني هذه الأغنية. واستطاعت شادية أن تنقل حالة "الحدوتة" للكبار قبل الأطفال، ونجحت الأغنية في وقتها، وأصبحت من أجمل الأغاني التي تتغنى بالسد العالي.
بالطبع، أخذ الأمرُ فترة زمنية حتى يستوعب القائمون على الفن والساحة الفنية، الشكل الجديد من الغناء الخفيف الذي تقدمه شادية. تقف شادية بين الغناء الطربي وغناء العوالم. وتقدّم أغاني تجبر الجميع على الوقوف احتراماً لها، ولما تقدمه. يقول "موسيقار الأجيال"، محمد عبد الوهاب: "إن شادية صوت بتعريفة، لكنها تعطيك فناً بمليون جنيه". وتقول أم كلثوم: "إنها صوت جميل سليم مُنسّق النسب والأبعاد، مُشرِقٌ ومبهج يتميز بشحنة عالية من الأحاسيس. وصوتها يعطي المتلقي شيئاً من الحنان. وهي واحدة من أحبّ الأصوات بالنسبة لي". نحن أمام شهادتين من أهل الفن، وهذه ليست شهادات عادية، بل هي من القمة، من "الست" ومن "موسيقار الأجيال". شادية هي من أوائل المطربين والمطربات الذين هدموا الجدار الرابع، كما يقال في المسرح. شعر الجمهور بأن من تغنّي هي أقرب إليهم، وكأنها أحد أفراد العائلة. كان شعوراً جديداً بأنَّ الغناء لا يلزمه صوت إعجازي، كما في حالة أم كلثوم أو عبد الوهاب، وأنه يمكن لأي فتاة أن تغني وترقص، وتصبح نجمة أيضاً.
كانت أم كلثوم هي صوت الدولة، أو يمكن تسميتها بـ"الصوت الرسمي للدولة". لكن مع شادية كان الأمر مختلفاً. شادية هي صوت أحد أفراد الشعب، غير المنتمين للعمل السياسي. صوت قادم من شباك الجيران. لذلك، كان استخدام صوت شادية في الغناء السياسي والوطني، مختلفاً تماماً عن كل ما هو موجود على الساحة الفنية. يحكي عبد الرحمن الأبنودي، أنه عندما قدم أغنية "يا بيوت السويس"، مع المطرب محمد حمام، وأصبحت الأغنية الأولى في مصر، غضب منه عبد الحليم حافظ، وعاتبه بأنه لم يعطه الأغنية. كان رد الأبنودي، بكل هدوء، "إن الناس لن تصدقك وأنت تقول يا بيوت السويس. أنت يا حليم تغني، وتقول يا مصر يا وطني يا بلدي". وعند التفكير في الموضوع، تجد أن وجهة نظر الأبنودي صحيحة مائة بالمائة. إذْ إن كل مطرب له مكانة ومفردات خاصة، يمكن للجمهور أن يصدقه فيها.
هذا ما حدث مع شادية وصوتها، كانت مساحة صوتية جديدة، يمكن للقائمين على الفن استغلاله بشكل جديد على الساحة الفنية. بالطبع، كانت هناك تجارب أخرى لمطربين ومطربات، لكن الكلام هنا عن تجربة شادية، وما تملكه من صدق في حبالها الصوتية، يجبرك على أن تصدقها، حتى لو كنت تعلم أنها كاذبة. يصفها عبد الوهاب في أحد حواراته قائلاً "إن صوتها مثل البنت اللعوب، تضحك على الولد، ولكنه يصدقها، وهو عارف إنها بتكدب". قدمت شادية الأغاني الوطنية والسياسية، منذ بداية ثورة 1952، وكانت معظمها في شكل مونولوجات فكاهية أو استعراضات، بصحبة إسماعيل يس، واستمرت شادية تغني للوطن، حتى ثورة 25 يناير. كانت أغانيها الوطنية حاضرة بقوة، وكأنها صُنِعت للحدث نفسه.
غنت شادية للوطن من وجهة نظرٍ جديدة. فتاة مصرية تغني بكل حب وبساطة، وتقول: "يا بنت بلدي زعيمنا قال قومي وجاهدي ويا الرجال"، أو: "رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر راح أجيب الورد وأجيب سكر"، من يقتنع أن تلك الكلمات هي أغنية وطنية وعن الاحتفال بالنصر. كما ترسل أغنية أخرى رسالة حب من السويس للعريش، وتقول: "بكتب جوابي من السويس.. عشان حبيبي في العريش". تغني شادية للوطن الأقرب إلينا، بعيداً عن الدولة والسياسة، تكتب لقريبتها التي فرقت بينهما الحرب. تغني بشكل بعيد عن كل الشعارات والهتافات الزاعقة، وتقول "يا بنت خالي يا وحشاني.. يا ساكنة في البر التاني". حتى عند ضرب مدرسة بحر البقر، قدمت أغنية "الدرس انتهى"، من وحي المكان والأطفال الشهداء. بالطبع، صلاح جاهين هو البطل في الكتابة، لكن اختيار صوت شادية كان لأنه الأصدق في التعبير عن هذه الحالة، وكما قدم بعد ذلك جاهين مع سعاد حسني النسخة الأحدث من شادية.
عانت شادية طوال حياتها من حلم الأمومة، ودخلت في مشاجرات وإجهاض، بسبب إصرارها على الإنجاب. وتحملت تعباً كثيراً حتى تحقق حلمها. ولكن لم يمنحها القدر هذه الأمنية. وترك فيها أمومة ناقصةً تكفي أن تجعل أغانيها للأطفال من أشهر الأغاني. وصارت أغنية "سيد الحبايب" أشهر أغاني الأمومة، وقدَّمت عدة أغان أخرى للأطفال والأمومة مثل: "يا اختي عليك" و"اسم الله عليك" و"حلقاتك برجلاتك" و"توحة يا طعمة".
بجانب غناء شادية أغاني الأطفال العادية، كانت لشادية تجربة جديدة مع الأطفال، وهي أغان سياسية للأطفال. أغان صنعت خصيصاً لتوجيه الأطفال سياسياً، فكانت أغنية "بلد السد". كتب حسين السيد ولحّن منير مراد كلمات الأغنية، بحيث تكون عبارة عن "حدوتة" للأطفال، تقصّها شادية بالغناء لابن أختها، ويكف الطفل عن البكاء عند سماع "حكاية بجد. حصلت لما رحنا نزور.. بلد السد أبو باب مسحور"، ومنها تبدأ في حكاية بناء السد. كان من طبيعة الأغنية أن تنادي شادية الرئيس جمال عبد الناصر، باسم "أبو خالد"، وأيضاً أن يدخل الخيال الأغنية "علشان كده قربنا وجبنا.. يوم الاتنين قبل يوم الأحد". كان صوت شادية هو أحسن صوت يمكنه أن يغني هذه الأغنية. واستطاعت شادية أن تنقل حالة "الحدوتة" للكبار قبل الأطفال، ونجحت الأغنية في وقتها، وأصبحت من أجمل الأغاني التي تتغنى بالسد العالي.