سيولة بنوك الجزائر تهوي تحت الخطوط الحمراء

11 يونيو 2020
تراجع الدينار والتضخم يفاقمان أزمة السيولة (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

تتوغل بنوك الجزائر في نفق أزمة السيولة أكثر فأكثر، رغم التدخلات العديدة للبنك المركزي، لإنقاذها من فخ شح الموارد الذي دفعها إلى الامتصاص من الاحتياطات الإجبارية.

وهوى حجم السيولة المتداولة في السوق البنكية إلى ما تحت عتبة 8 مليارات دولار، لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة، ما ينذر بأزمة سيولة حادة قد تهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط، ومخلفات جائحة كورونا التي أضرت بالاقتصاد وباتت تهدد الآلاف من الشركات بالإفلاس.

وتعيش بنوك الجزائر وضعية مالية صعبة، جراء الركود الاقتصادي، وارتفاع عدد القروض المتعثرة، التي استفاد منها رجال الأعمال، خاصة المقربين من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. يضاف إلى هذه القائمة، تواصل تهاوي قيمة الدينار، الذي فقد بريقه أمام العملات الأجنبية، ما يفاقم أزمة السيولة لدى القطاع المصرفي، حسب مراقبين.

وتواجه البلاد ضغوطاً مالية متزايدة في ظل تراجع عائدات تصدير النفط، وتآكل احتياطي النقد الأجنبي، بينما جاء قرار الرئيس عبد المجيد تبون، مؤخرا، بمنع طباعة النقود أو الاستدانة الخارجية، ليزيد من التحديات التي تواجهها البنوك.

وكشف عضو جمعية البنوك، بغداد عمار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة العجز في السيولة قفزت من 49 بالمائة شهر مارس/آذار إلى 55 بالمائة نهاية مايو/أيار، علما أنها كانت عند 20 بالمائة مطلع سنة 2019".

وبلغة الأرقام، قال عمار: "حسب تقرير المركزي الجزائري، فإن سيولة البنوك فقدت 180 مليار دينار، أي يعادل 1.4 مليار دولار، عند نهاية مايو/أيار الماضي، مقارنة مع ديسمبر/كانون الأول 2019، لتستقر عند 916 مليار دينار، أي 7.9 مليارات دولار، نهاية مايو/أيار، وهو رقم غير مسبوق في السنوات العشرين الماضية."

وعزا عمار ارتفاع العجز في السيولة إلى ارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت 10 في المائة عام 2015، لتزيد إلى 13 في المائة في العام التالي، و17 في المائة في 2017، ثم 20 في المائة في العام اللاحق، قبل أن تقفز إلى 25.2 في المائة خلال العام الماضي 2019.

وتابع: يضاف إلى ذلك ارتفاع وتيرة سحب الأموال في الأشهر الأخيرة من طرف المتعاملين الاقتصاديين والمواطنين منذ بداية تفشي وباء كورونا، من دون أن ننسى عاملا مهما وهو تراجع العملة المحلية أمام الدولار.

وتقدّر الحكومة حجم القروض المتعثرة لدى البنوك في السنوات العشر الأخيرة، بما يعادل 85 مليار دولار بالعملة المحلية، 40 في المائة منها غرامات تأخير في السداد.

وكان المصرف المركزي الجزائري قد استبق الأحداث، وتوقع اشتداد أزمة سيولة البنوك، ففي ظرف شهرٍ واحدٍ، راجع سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة، مرتين، بهدف توفير السيولة المطلوبة للأسواق.

وتعمل في الجزائر 20 مؤسسة مصرفية، منها سبعة مصارف عمومية (حكومية)، وأكثر من 11 مصرفاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني.

ويقول الخبير المصرفي، سليمان ناصر ياحي، إن "أزمة السيولة التي تمر بها بنوك الجزائر ليست وليدة اليوم، وكانت منتظرة لعدة أسباب، منها تراجع عائدات البلاد من النفط التي تعد المصدر الأول والأخير للعملة الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة القروض البنكية المتعثرة التي تعدت الخطوط الحمراء".

وتابع: "يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الدينار والتضخم، كما عمقت جائحة كورونا أزمة السيولة لدى البنوك، حيث شهدت المؤسسات المالية ارتفاع الأموال المسحوبة، سواء بداعي تمويل المصانع والشركات من طرف مسيّريها أو بسبب الخوف حيث شهدنا اضطرابا في الأسواق المالية والتجارية بشكل غير طبيعي."

ويوضح ياحي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البنوك مطالبة بتقديم نسب فائدة فوق نسب التضخم، إذا أرادت ضمان محاولتها لجذب السيولة المالية، وإلا ستفشل كما فشلت القروض السندية التي أطلقتها الحكومة سنة 2017، في أكبر عملية استدانة داخلية لم يكتب لها النجاح".

وبلغ احتياطي الصرف الجزائري من العملة الصعبة 60 مليار دولار، مطلع مارس/آذار الماضي، وبهذا الرقم يسجل احتياطي الصرف الجزائري تراجعاً بأكثر من 12 مليار دولار في أقل من سنة، حيث استقر الاحتياطي مع نهاية إبريل/نيسان 2019، عند 6. 72 مليار دولار مقابل 88. 79 مليارا نهاية 2018 و33. 97 مليار دولار نهاية 2017.

وتوقعت الحكومة الجزائرية في الموازنة التكميلية لسنة 2020، تراجع احتياطي الصرف من 6. 51 مليار دولار مع نهاية العام الجاري، إلى ما دون 40 مليار دولار.

وشكل النفط أهم المبيعات الجزائرية نحو الخارج خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2020، إذ مثل 92.40 بالمائة من الصادرات، بحسب أرقام الجمارك، التي كشفت عن تسجيل الإيرادات النفطية تراجعا حادا، بفعل تهاوي أسعار الخام عالميا إلى مستويات تاريخية تحت عتبة 40 دولاراً خلال الشهرين الثاني والثالث من السنة الحالية.

المساهمون