تستعد الأمم المتحدة، حالياً، لإطلاق حوار ليبي شامل منتصف الشهر الجاري، بعد أن اتفق مجلس الأمن الدولي، أمس الجمعة، على تسمية مبعوث خاص جديد إلى ليبيا، فيما لا تزال الأوضاع المحلية والدولية تشهد تغيرات مستمرة في اتجاهات تدعم مسار الحل السياسي وأخرى يمكن أن توترها، في الوقت الذي حذر فيه خبراء في الشأن الليبي من تكاليف باهظة قد تدفعها ليبيا إذا استمرت التسويات على أسس المحاصصة بين أقاليم ليبيا الثلاثة.
داخلياً، توسعت دائرة الاحتجاجات الشعبية، التي استمرت لليوم الثاني، في مدن شرق ليبيا لتشمل مدينتي طبرق التي يقع فيها مقر مجلس النواب، والبيضاء التي يقع مقر حكومة مجلس النواب؛ بالإضافة إلى شحات وبنغازي.
خلال الاحتجاجات، أحرق المتظاهرون المنددون بسوء الأوضاع المعيشية إطارات السيارات، وأغلقوا الطرقات الرئيسية لوقت متأخر من ليل أمس الجمعة.
وفي الوقت الذي دعا فيه نشطاء من شرق ليبيا إلى إطلاق اعتصام في أنحاء البلاد، يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن توحد الصوت الليبي يحمل رسالة مضمونها "فساد الطبقة الحاكمة"، لكنه يحذر في الوقت نفسه من قبول تلك الطبقة لحلول سياسية على أساس محاصصات أقاليم ليبيا الثلاثة.
توزيع المناصب السيادية على الأقاليم الثلاثة
وبعد اتفاق ممثلي مجلسي النواب والدولة، خلال لقاءاتهم في المغرب الأسبوع الماضي، على توزيع المناصب السيادية على أقاليم ليبيا الثلاثة، وفق معلومات متطابقة من مصادر ليبية مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، يبدو أن المنطق ذاته سيسيطر على طريقة التوافق على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي الجديد وتوزيع حقائب الحكومة المنتظرة.
وتبدو تلك الرؤية مدعومة من أطراف عدّة من بينها مصر. وقد أبرزت تصريحات مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، أخيراً، عدم وجود توافق ليبي على تثبيت وقف إطلاق النار، مؤكداً أن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر "غير راضٍ عن قبول المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، لهذه المبادرة".
وأكد رفض حفتر أيضاً لـ"مقترح إقامة منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة"، بالإضافة للخلافات بين قيادات حكومة الوفاق، وتحديداً فائز السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا.
وكشف المسؤول المصري أن المساعي الحالية تهدف إلى "ضمان التمثيل العادل لكل أقاليم ليبيا الثلاثة في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة لإدارة الحكم في البلاد"، لافتاً إلى أنه خلاف الاعتماد على انتخابات وفق دستور متفق عليه "هناك اتجاه للاعتماد على قيادات من الصف الثاني بعيداً عن السراج، المتهم بجلب الاحتلال التركي وإدخال المليشيات والمرتزقة إلى البلاد".
لكن الحديث عن قيادات الصف الثاني يترجم رؤية مصرية لشكل شاغلي المناصب المقبلة، بحسب الأطرش في حديثه لـ"العربي لجديد"، في الوقت الذي يحذر من حديث المسؤول المصري عن تمثيل للأقاليم الثلاثة لتكوين مجلس رئاسي جديد.
ويلفت الأطرش إلى خطورة بحث الحلول للأوضاع الحالية في كواليس عواصم عربية ودولية في وضع غامض، مشيراً إلى أن كل ما خرج للعلن هو فقط عبر بيانين للبعثة الأممية والسفارة الأميركية حتى الآن، وهما بيانان لم يزيدا عن حد الترحيب بنتائج تلك المشاورات.
ويعبر الأطرش عن خشيته أكثر من إشارة بيان البعثة الأممية إلى أن الحوار الرسمي، الذي ستشرف عليه بين الأطراف الليبية، سيكون مبنياً على ما توصلت إليه نتائج المشاورات في المغرب وسويسرا، وهي من الواضح أنها تأسست على أسس محاصصة الأقاليم.
الطريق ممهدة للتقسيم
وبينما يرى الأطرش أن المحاصصة على أسس الأقاليم قد تكلف ليبيا ثمناً باهظاً كونها طريقا واضحا وممهدا للتقسيم، يعتبر الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي أن كل هذا متوقف حتى الآن على اتفاق الأطراف الدولية الكبرى على اسم المبعوث الأممي الجديد.
وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قد أكد أن الأمم المتحدة "ستطلق قريباً الترتيبات اللازمة لاستئناف الحوار السياسي الليبي الشامل".
وأشار دوجاريك، في مؤتمر صحافي عقده عبر الدائرة المغلقة مع الصحافيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى أن نتائج مشاورات المغرب وسويسرا ستبني عليها الأمم المتحدة قريباً الترتيبات اللازمة لاستئناف منتدى الحوار السياسي الليبي الشامل.
واتفق أعضاء مجلس الأمن، أمس الجمعة، على التصويت، خلال جلسة الثلاثاء المقبل، على مشروع قرار يجدد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى 15 سبتمبر/أيلول 2021، ويحدد هيكل القيادة.
ومنذ استقالة المبعوث السابق غسان سلامة في مارس/آذار الماضي، سادت كواليس مجلس الأمن خلافات بين واشنطن وأعضاء المجلس الآخرين بشأن الأسماء المرشحة لتولي مهام البعثة في ليبيا، عكستها أنباء إلغاء ترشيح الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة، ثم إلغاء ترشيح الوزيرة الغانيّة السابقة هنا تيتي.
وكشف دبلوماسي ليبي بالسفارة الليبية في المغرب، لـ"العربي الجديد"، النقاب عن إمكانية قبول الأمم المتحدة لمقترح فصل مهام بعثتها لرأب الخلاف بين أعضاء مجلس الأمن، مشيراً إلى أن المهام ستكون موزعة بين رئيس للبعثة يتولى مهام الدعم الإنساني، ومبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة يتولى مهام الدعم السياسي.
ورجح الدبلوماسي الليبي أن تذهب الأمم المتحدة إلى القبول بمقترح أميركي بشأن تقسيم مهام البعثة في ليبيا بين رئيس للبعثة ومبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة، يتولى الأول مهام إنسانية بينما يعمل الثاني على الإشراف على مهام الدعم السياسي في ليبيا، وقد يتولى مهام المبعوث الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، الأكثر حظاً لتولي مهام المبعوث الخاص.
وعلى الرغم من تشديد الجواشي على أن توافق أعضاء مجلس الأمن على مبعوث جديد قد يعكس تقارباً بين الأعضاء بشأن ضرورة الحل السياسي في ليبيا، إلا أنه يرى أن لإعلان الجانب الروسي عن بدء مفاوضات مع فرنسا من أجل تسوية عدّة ملفات مشتركة، من بينها الملف الليبي، قد يشكل عامل قلق وتشويش في المواقف الدولية التي يعتقد أنها تتجه للتوافق حول الملف الليبي.
تقارب فرنسي روسي
وكانت الخارجية الروسية قد أعلنت، الأربعاء الماضي، عن بدء مشاورات مع دولة فرنسا ستعقد في موسكو لبحث الملف الليبي على أساس نتائج قمة برلين وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرار 2510 .
ويعلق الجواشي بأن المشاورات الروسية الفرنسية ستركز على تشديد قرار مجلس الأمن بشأن توريد السلاح لليبيا، وكون روسيا وفرنسا لا تدعمان بشكل علني حفتر، لكن تركيا تدعم حكومة الوفاق على أساس اتفاق معلن بين الطرفين، ما يعني أن التقارب الروسي الفرنسي يستهدف العلاقة التركية مع طرف الحكومة في طرابلس.
ويهدد التقارب الروسي الفرنسي، بحسب الجواشي، كل المساعي الحالية التي تدعمها واشنطن، ومنها خيار نزع السلاح في سرت والجفرة اللتين لا تزالان تحت سيطرة مليشيات حفتر المدعومة من مسلحي شركة فاغنر الروسية، كما أن فرنسا ميلها لا يزال لجانب حفتر.
ويعتبر الجواشي أن هذا التقارب سبيل للضغط على الجهود الحالية التي تقودها واشنطن من جانب موسكو، خصوصاً أن الأمم المتحدة لم تعلن رسمياً تبني الجهود الأميركية، ولم يتعدَ موقفها الترحيب بها، لافتاً إلى أن التقارب الروسي الفرنسي على علاقة بما يدور من صراع في حوض شرق المتوسط، وتركيا القريبة من طرابلس طرف فيه.
ويجمل الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، مستجدات الأوضاع بأن طريق التسوية الليبية لا يزال يعترضها الكثير من التعقيدات، على رأسها عدم توافق دولي واضح قد تصطدم به جهود مجلس الأمن حول التوافق على مبعوث أممي جديد، مضافاً إليه صوت الشارع الذي بدأ في كسر حاجز الخوف شرقي ليبيا، وقد يرتفع لرفض شكل التسويات الحالية القائمة على المحاصصة المناطقية والموزعة بين الأقاليم الثلاثة، تتولى فيه الوجوه السياسية السابقة المناصب ذاتها.