وفي الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون الحكوميون عن خطة تمت الموافقة عليها استعداداً لتحرير صنعاء، تحضر العديد من السيناريوهات والتفاصيل المرتبطة بما تبقى من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والطرق المؤدية إلى صنعاء، وأهمية موقع كل واحدة منها واحتمالات المواجهة فيها، وفقاً للتطورات الأخيرة وخارطة الانتشار العسكري والنفوذ الاجتماعي.
اقرأ أيضاً اليمن: تعثر الحوارات يعزز الحسم في الميدان
صنعاء الموقع المحصن
يُسيطر الحوثيون وحلفاؤهم على نحو تسع محافظات بشكل شبه كامل، وهي: صعدة، حجة، الجوف (حدودية مع السعودية)، المحويت، الحديدة، فضلاً عن عمران، صنعاء، ريمة وذمار، فيما تشهد أربع محافظات أخرى تنازعاً ومواجهات بين الجماعة و"المقاومة الشعبية"، وهي تعز، مأرب، إب والبيضاء. والأخيرة أصبحت الغالبية من مساحتها تحت سيطرة "المقاومة" والقوات الموالية للحكومة.
وتقع صنعاء في وسط الجزء الغربي من البلاد، وتتألف من جزأين إداريين، وهما، الضواحي أو المحافظة، والتي تضم المديريات المحيطة بالعاصمة. وتبلغ مساحة المحافظة 11877 كيلومتراً مربعاً، موزعة على 16 مديرية. وتتنوع تضاريسها بين وديان زراعية وجبال مرتفعة، وفيها يقع جبل "النبي شعيب"، أعلى قمة على مستوى الجزيرة العربية والشام. ويتميز المجتمع المحيط بالعاصمة بكونه مجتمعاً قبلياً، يضم العديد من القبائل أشهرها خولان، همدان، سنحان (مسقط رأس الرئيس المخلوع صالح) وأرحب. وينتمي إلى هذه المناطق عدد كبير غير قليل من العسكريين وموظفي الدولة. ويتواجد فيها العشرات من معسكرات الحرس الجمهوري التي تنتشر في مداخل العاصمة ومديرياتها.
أما الجزء الداخلي، فهو "أمانة العاصمة"، ويسكن فيه نحو ثلاثة ملايين مواطن، يتحدرون من مختلف المحافظات. ويتواجد في أمانة العاصمة، مؤسسات الدولة ومنشآتها، فضلاً عن السفارات ومقار الشركات والمصالح الخاصة والعامة المهمة على مستوى البلد. وينتشر في العاصمة عشرات الآلاف من المسلحين، أغلبهم من الجنود التابعين لوزارة الداخلية بمختلف أجهزتها الشرطية، إلى جانب قوات من الحرس الجمهوري المرابط في أطراف العاصمة وفي بعض المناطق الحيوية. كما يتوزع فيها مسلحو مليشيات الحوثيين إلى جانب مرافقي وجاهات قبلية أو قيادات سياسية.
تعرف صنعاء بكونها مدينة محصنة طبيعياً من حيث وقوعها بين الجبال والمديريات ذات التضاريس الوعرة المحيطة بها من أغلب الاتجاهات، فمن الشرق جبل نُقم، ومن الغرب جبل عيبان وتفرعاته، ومن الشمال سلسلة جبال متفرقة مثل جبل ضين، وجبل الصمع، ومن الجنوب سلسلة مرتفعات مثل حدة وحتى يسلح، وغيرها من التباب والمواقع أغلبها عسكرية.
صنعاء - مأرب
تعد محافظة مأرب أبرز الجبهات المشتعلة القريبة من صنعاء. وتقع المواجهات في منطقة قريبة؛ أي خولان، التابعة إدارياً لمحافظة صنعاء. والطبيعي أن أي تحرك بقوات عسكرية نحو صنعاء، من مأرب، سيتجه عبر الخط الرئيسي الذي يصل طوله إلى 200 كيلومتر، وهناك خطوط ثانوية لكن أغلبها غير آمن ما لم يكن هناك تنسيق مع القبائل وانشقاقات في القوى العسكرية المعنية بمواجهة أي زحف.
صنعاء - ذمار
يبدو خط الدخول إلى صنعاء من الجنوب أحد الاحتمالات، وفقاً لخارطة تحركات "المقاومة" في المحافظات الواقعة إلى الجنوب من صنعاء مثل تعز وإب وكذلك البيضاء (وسط). ويعد هذا المدخل أهم المداخل، باعتباره يؤدي إلى مختلف المحافظات الجنوبية والجنوبية الغربية ذات الكثافة السكانية. ويفصل ذمار عن صنعاء نحو 100 كيلومتر. وعلى الرغم من أن المرتفعات في المدخل الجنوبي ليست بوعورة بعض المداخل الأخرى، إلا أنها ملغومة بمعسكرات الحرس الجمهوري والولاءات لصالح الذي يتحدر من منطقة سنحان جنوب صنعاء.
صنعاء - الحديدة
بدوره، يعتبر المدخل من محافظة الحديدة الساحلية غرباً إلى صنعاء، أحد أهم المداخل الاستراتيجية إلى صنعاء. وخلال الأيام الماضية، ارتفعت مؤشرات احتمال حصول تدخل في الحديدة، مع تنفيذ التحالف العربي سلسلة غارات على أهداف في المدينة. وعلى الرغم من كون طريق صنعاء -الحديدة مفتوحاً أمام الإمدادات البحرية في حال حصول أي زحف، إلا أن سلسلة الجبال العملاقة ابتداء بجبال عيبان وانتهاء بجبل النبي شعيب، تجعل أي تدخل عرضة لكمائن وهجمات مسلحة من القبائل والمجموعات الحوثية على الطريق بين المحافظتين.
صنعاء - عمران
يوصف المدخل الشمالي إلى صنعاء بأنه أسهل المداخل، إذ يتنوع الولاء القبلي في منطقتي همدان وأرحب وغيرهما بين صالح وحزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمون) والمستشار الرئاسي اللواء علي محسن الأحمر، وكذلك الحوثيين. وتكمن أهميته أيضاً في القبائل بمنطقة عمران، والتي توجد فيها قاعدة لمعارضي الحوثي وصالح. غير أن أي حديث عن مدخل صنعاء من عمران يتطلب أولاً تحرير حجة وصعدة، حيث العمق الحوثي. ووفقاً لما سبق، فإن الزحف إلى صنعاء يتطلب بالضرورة ضمان ولاءات القبائل وحدوث انشقاقات عسكرية من الداخل تسهّل التحرك.
التحرك الداخلي أو الحصار
المرجح، حسب ما تفيد مصادر مقربة من الحكومة لـ "العربي الجديد" أن يبدأ تحرير صنعاء من داخلها بالتنسيق مع بعض القوى العسكرية أو القبلية، ومن ثم يجري العمل على فتح خط إمداد في حال استمرت المعارك. فمداخل صنعاء وبُعدها عن المناطق الآمنة حالياً، تجعل أي تحرك مهدداً بسلسلة معقدة من الكمائن العسكرية والقبلية، فضلاً عن أي فوضى في صنعاء قد تؤدي إلى تقويض البنية التحتية للدولة.
من جهة ثانية، يبرز حصار صنعاء كأحد الخيارات القوية للتحالف وليس تشجيع زحف مسلح نحوها، وذلك لإجبار القوى المسيطرة فيها على الاستسلام، بما يقلل الخسائر التي قد تنتج عن أي معركة عسكرية.
وخارطة الحصار، في حال تم اللجوء إليه، تبدأ من مأرب مروراً بالجوف ثم صعدة (معقل الحوثيين)، ثم حجة الساحلية - الحدودية، وصولاً إلى الحديدة، (غرباً)، وفي المقابل فإن الحصار من المنافذ الجنوبية بات وارداً بحكم سقوط المحافظات الجنوبية وتعز بأيدي "المقاومة".
اقرأ أيضاً اليمن: 6 خطوط شماليّة للزحف البري