وكان حزب "التوحيد العربي"، ورئيسه الوزير السابق وئام وهاب، شيّع أمس المرافق الأمني للأخير، محمد أبو ذياب، الذي قضى متأثراً بجروحه، إثر المداهمة التي نفذتها شعبة "المعلومات" في قوى الأمن الداخلي، تنفيذاً لمذكرة جلب صادرة بحق وهاب بعد تصعيده الأخير، الذي تضمن شتائم بحق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ووالده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
وخلال التشييع، بدت واضحة محاولة وهاب التأكيد على السلم الأهلي، وخصوصاً في قضاء الشوف، وذلك عندما أشار إلى أن "الجبل خطٌ أحمر"، لكن في المقابل بدا أيضاً أن المواجهة مستمرة، خصوصاً بعد دخول عامل الدم، وتأكيد وهاب أنه سيلاحق من اعتبرهم مسؤولين عن مقتل مرافقه، مشيراً إلى الحريري والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والنائب العام التمييزي في لبنان القاضي سمير حمود، وكذلك عرضياً وضمناً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي اتخذ موقفاً واضحاً في هذا الإطار في الأيام الماضية خوفاً من فتنة سنية – درزية، أو درزية - درزية.
وبعيداً عن المسار القضائي الذي من المتوقع أن يأخذ مجراه، مع مثول وهاب اليوم أمام التحقيق، يبدو موقف "حزب الله" في الأيام الأخيرة الأكثر غموضاً، خصوصاً أنه لم يدخل على خط الأزمة إلا في الساعات الأخيرة، بعدما تحول الموضوع إلى فتنة حقيقية تنذر بتصعيد كبير، فأجرى سلسلة اتصالات، قادها شخصياً الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ومساعدوه، بحسب كلام وهاب نفسه ونواب من "حزب الله".
وبدأ موقف "حزب الله" يتكشف في الساعات الأخيرة، مع تصريح عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية، نواف الموسوي، الذي قال إن "حكمتنا هي التي حالت دون إدخال البلاد بالأمس في أتون فتنة يعلم الله مداها، فنحن من أنقذ البلد بالأمس"، في إشارة ضمنية إلى تحرك الحزب بعد وفاة بو دياب لتطويق ذيول الحادث.
وبالرغم من دخول "حزب الله" على خط الأزمة، وتحصيل مكتسبات سياسية، عبر تصوير نفسه أنه "حامي البلد" والوحيد القادر على ضبط الأمن بين المكونات اللبنانية، إلا أنه حمّل بوضوح تيار "المستقبل" المسؤولية باعتبار أن تصريحات وهاب لا تستدعي هذا التصعيد وإرسال هذه القوة الأمنية الضخمة إلى بلدة الجاهلية (قرية وهاب حيث يتحصن مع مجموعة من مناصريه، كثيرٌ منهم مسلحون)، على الرغم من اعتباره ضمنياً أن تصريحات وهاب لم تكن موفقة.
عملياً، يسأل كثر في الساحة السياسية اللبنانية عن حقيقة ما جرى، خصوصاً موقف "حزب الله"، ولماذا تأخر في الدخول على خط الأزمة الحالية. وبين هذه الأسئلة، يبرز عدد من السيناريوهات التي تتحدث عن أكثر من فرضية، لعل ما يجمع بينها أن "حزب الله" يعتبر الوحيد المستفيد من هذا الوضع الأمني والسياسي المضطرب في الداخل اللبناني، لاسيما أنه أعاد عملياً موضوع تأليف الحكومة الى ثلاجة الانتظار.
ومن بين الفرضيات الأساسية التي تشير إليها المصادر، هي أن يكون ما قام به وهاب من تصعيد، كان خطوة بإيعازٍ سوري مباشر، خصوصاً أن النظام السوري لا يزال حاضراً بقوة في لبنان، عبر شخصيات سياسية في الداخل اللبناني، من بينها وهاب، ولهذا ظلّ الحزب بعيداً عما يحصل، إلى أن تطور الموضوع، وبات تفاقمه ينذر بمخاطر جدية.
وفي ما خصّ هذه القراءة، تقول مصادر سياسية متابعة لـ"العربي الجديد" إن العلاقة بين النظام السوري وبين "حزب الله"، بخصوص الشق اللبناني الداخلي، لا تبدو في أحسن حالاتها، لاسيما أن النظام السوري يرى عودته السياسية المباشرة إلى لبنان مدخلاً للتأكيد للمجتمع الدولي أنه عاد قوياً وموثراً في المنطقة، على الرغم من أن الكلمة الفصل اليوم في الداخل هي لـ"حزب الله" وليست للنظام السوري، وسط تساؤلات عن حقيقة تأييد الحزب لهذه العودة، عطفاً على جملة من المؤشرات تبدأ من عدم دعم بعض الشخصيات المحسوبة على النظام السوري خلال الانتخابات مثل وهاب، مروراً بالرسائل المبطنة بين النائب جميل السيد ونواب "حزب الله" في قضاء بعلبك - الهرمل، وصولاً إلى علاقة تأليف الحكومة بعودة العلاقات بين لبنان وسورية، الذي فصله نصرالله شخصياً في أحد خطاباته، مرحلاً إياه إلى ما بعد تأليف الحكومة.
السيناريو الثاني الذي تشير إليه المصادر يرى أن الحزب فعلياً نجح في تحقيق أكثر من مكسب عبر ما حصل: أولاً فرض نفسه في الحياة السياسية اللبنانية بوصفه ضابطاً للإيقاع، و"مرشداً"، وكذلك في إعادة عقارب الساعة في لبنان الى الوراء وتوجيه رسالة للجميع، وخصوصاً لمن يعمل على تأليف الحكومة، بضرورة الالتزام بالقواعد التي يرسيها الحزب، على اعتبار أنه قادر على زعزعة الاستقرار، ليس مباشرة عبره كما حصل في 7 مايو/ أيار 2008 (عندما اجتاح بيروت عسكرياً في اقتتال أهلي دام ثلاثة أيام)، بل عبر شخصيات ثانوية مثل وهاب. وما يعزز هذا السيناريو، هو ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أي تيار "المستقبل"، و"التقدمي الاشتراكي" معاً.
وبغض النظر عن كيفية حصول التطورات الأخيرة، وإن كان بإيعاز سوري، أو بإيعاز من "حزب الله"، أو يإيعاز مشترك، إلا أن الثابت الوحيد أن البلاد دخلت في مرحلة حساسة، لاسيما أن المراوحة السياسية عادة ما تكون مقبولة في لبنان، إن كانت مرتبطة باستقرار أمني، وبالتالي، تقول المصادر، إن الأيام الأخيرة رسمت صورة قاتمة لمستقبل البلد في حال ظلت المراوحة مستمرة، وهو ما يعزز سيطرة "حزب الله" وفرض شروطه على اللاعبين في لبنان.
وكانت الاتصالات التي تحاول حل العقدة الحكومية توقفت في الأيام الماضية كلياً، مع انصباب تركيز الجميع على ضرورة سحب فتيل التفجير الأمني في منطقة الشوف، على الرغم من عودة التوتر ليلاً مع إطلالة وهاب التلفزيونية، مهدداً ومتوعداً بسجن الحريري تارة، وقادة أجهزة أمنية وقضاة تارة أخرى، وما تلاها من قطع لعدد من الطرق في بيروت وكذلك في الشمال من قبل مناصرين للحريري ولتيار "المستقبل"، بانتظار التطورات، علماً أن الملف سيسلك مساراً قضائياً بالتزامن مع تطوره سياسياً.
وبدا واضحاً أيضاً الانقسام على صعيد المؤسسات، خصوصاً أن وزير العدل سليم جريصاتي أعلن أن "تحقيقاً كاملاً سيجري في القضاء لأحداث الشوف وصولاً إلى ما جرى في الجاهلية، كما سيجري تقويم قانوني دقيق للإجراءات المتخذة، والمساءلة القانونية والقضائية لن تستثني أحداً في دولة القانون التي ليس فيها أحد مهما علا شأنه خارج المساءلة وفقاً للأصول"، فيما رد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، مشيراً إلى أن "كل عسكري ورتيب وضابط في قوى الأمن الداخلي هو بطل في دفاعه عن الدولة والقانون. وصغائر الكلام لم ولن تنتقص من هؤلاء الأبطال"، في كلام يقصد منه وهاب وتهديداته.
وتعكس هذه المواقف ما هو معلوم في لبنان، مع إشارة قوية إلى أن الأمن والقضاء يخضعان لاستنسابية سياسية، برزت في أكثر من محطة، لعل أبرزها قضية الوزير السابق ميشال سماحة، الذي ضبط بحوزته متفجرات قادماً من سورية، إلا أن القضاء منح حكماً مخففاً قبل أن يشدده بعد انتقادات شعبية، وكذلك في قضية شاكر البرجاوي، الذي جرت تبرئته من الأحداث التي حصلت في منطقة المدينة الرياضية في بيروت) قبل أعوام، ودانته بجنحة السلاح وقضت غيابياً بحبسه سنة.