28 أكتوبر 2024
سيناريوهات الغوطة
لم يمنع قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بسورية، رقم 2401، والذي صدر في 24 فبراير/ شباط الماضي، في بنيته القانونية، شنّ عملية عسكرية في الغوطة الشرقية، فهو يتحدث صراحة عن استثناء الجماعات المصنفة إرهابية وفق عرف الأمم المتحدة من الهدنة. وعادة ما تكتب هذه التوصيفات، أو الاستثناءات، عن قصد بين الدول، وخصوصا بين روسيا والولايات المتحدة، من أجل ترك هوامش جانبية، لتحرك كل دولة وفق ما تراه ضرورة ملحّة.
هكذا تستفيد روسيا من القرار لشرعنة العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية، وهكذا تستفيد منه تركيا في محاربة التنظيمات الإرهابية، أو تلك المتحالفة مع هذه التنظيمات في عفرين، وهكذا أيضا تستفيد الولايات المتحدة منه لشرعنة وجودها طويل الأمد في سورية. ومع ذلك، لا يسمح القرار 2401 باستمرار العمليات العسكرية إلى أجل غير مسمى، وهذه مسألةٌ في غاية الأهمية، ونقطة فارقة تميز حالة الغوطة الشرقية عن حالة حلب، ناهيك عن الخصوصية الجغرافية والسكانية للغوطة الشرقية.
يدرك المحور الروسي أن عليه إنجاز مهمة عسكرية ضمن وقت محدد، يسمح بتنفيذ الهدنة من دون إبطاء، وفق منطوق نص القرار 2401، وهذا ما يفسر سرعة مجريات العمليات العسكرية الهادفة إلى فكفكة الغوطة جغرافيا، بحيث تتحوّل إلى كانتونات، أو غيتواتٍ جغرافيةٍ منعزلة ومنفصلة عن بعضها بعضاً.
التقاء قوات النمر القادمة من النشابية والشفونية وأوتايا في الشرق، المدعومة من روسيا، مع
قوات الحرس الجمهوري القادمة من محور مدينة حرستا في الغرب المدعومة من إيران، يسمح بشق الغوطة إلى قسمين، شمالي وجنوبي، على أن تعقبه خطوة مهمة، وهي عزل مدينة دوما، حيث يوجد "جيش الإسلام" عن مدينة حرستا، حيث توجد حركة أحرار الشام. ويسمح هذا المخطط للنظام بالتعامل مع الغوطة، ليس ككتلة جغرافية وازنة، وإنما ككتل منفردة ضعيفة، تسمح له بتحقيق أهدافه، إما بمعارك عسكرية تبدو سهلة، أو عبر تسويات منفردة. وبناء عليه، يسهل على النظام مهاجمة القسم الجنوبي، لإخراج "فيلق الرحمن" بالدرجة الأولى و"جبهة النصرة" بالدرجة الثانية. أما المحور الشمالي، فيبدو أنه سيخضع للهدنة بحسب اتفاقات أستانة، وليس معروفاً إلى الآن هل ستشمل الهدنة مدينتي دوما وحرستا أم مدينة دوما فقط؟
وتبين التفاهمات السياسية أخيرا أن دوما ستكون خاضعة للهدنة لاعتبارات محلية ودولية. ومحليا، تعتبر دوما الخزان البشري الحقيقي في الغوطة الشرقية، وهي مدينة محصنة في الداخل بالأنفاق والمتاريس، ويحتاج اجتياحها إلى أشهر، لا يسمح به قرار مجلس الأمن، وسيكون بثمن بشري باهظ، سيتكبده المحور الروسي، غير القادر على دفعه الآن في ظل التنافس الحاد مع الولايات المتحدة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد.
دوليا، يبدو أن تضمين دوما في الهدنة ومناطق خفض التوتر ناجم عن رغبة روسية ـ مصرية مشتركة، فقد أجرى الروس في الأشهر الماضية تفاهمات مع السعودية حيال الملف السوري وملف النفط، وانعكس ذلك بوضوح في مخرجات "مؤتمر الرياض2"، وفي التفاهمات البينية بشأن مستوى إنتاج النفط، ومصر المتحاملة على الدور الإقليمي لقطر تسعى إلى دعم الحضور السعودي، وهذا ما يفسر دخولهم على خط المفاوضات قبل أيام.
ولعل انتشار قوات من الجيش والشرطة الروسية في أقصى شرق الغوطة مؤشر على رغبة
ٍ روسيةٍ لتطبيق بند في اتفاق أستانة متعلق بنشر قوات شرطة روسية (شيشانية) في الغوطة، لفرض الحضور الروسي، من أجل قطع الطريق أمام إيران، للاستئثار بهذه المنطقة الحيوية المفتوحة على بادية حمص في الشمال الشرقي وبادية السويداء في الجنوب. وبهذا تكون الغوطة قد قسمت إلى أربع مناطق: منطقة تخضع لتفاهمات أستانة (دوما). منطقة ستكون ساحة المعركة المقبلة (جنوبي الغوطة). منطقة حرستا، وتخضع لثلاثة احتمالات: شن عملية عسكرية للسيطرة عليها، السيطرة على القسم الغربي من المدينة المطل على أوتوستراد دمشق ـ حمص، حيث أعلنت وسائل إعلام مقربة من النظام قبل أشهر أن المفاوضات جارية مع فصائل المعارضة لفتح الطريق الدولي، استكمال سياسة الحصار الخانق لفرض التسوية في نهاية المطاف. المنطقة المطلة على مدينة دمشق (جوبر، زملكا، عين ترما)، وليس معروفا إلى الآن مصيرها، خصوصا أن النظام يستغل خضوعها لسيطرة المعارضة، لكي يطلق قذائف باتجاه جرمانا وحي باب توما حيث الدروز والمسيحيون، من أجل استثمار ذلك إعلاميا، والظهور بمظهر المدافع عن الأقليات في مقابل المعارضة التي تهدد الأقليات. ولم يكن غريبا أن يركز المندوب الروسي في جلسات مجلس الأمن التي سبقت صدور القرار2401 على القذائف التي تسقط على دمشق، وتجاهل مئات الصواريخ والقذائف التي تسقط على مدنيي الغوطة.
في كل الأحوال، يمكن القول إن الغوطة الشرقية أصبحت ساقطةً بالمعنى الاستراتيجي في معادلة الصراع، وما سيجري لاحقا من عمليات عسكرية أو حصار خانق أو تسويات سيكون استكمالا للواقع العسكري الذي يقوم المحور الروسي بتثبيته الآن.
هكذا تستفيد روسيا من القرار لشرعنة العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية، وهكذا تستفيد منه تركيا في محاربة التنظيمات الإرهابية، أو تلك المتحالفة مع هذه التنظيمات في عفرين، وهكذا أيضا تستفيد الولايات المتحدة منه لشرعنة وجودها طويل الأمد في سورية. ومع ذلك، لا يسمح القرار 2401 باستمرار العمليات العسكرية إلى أجل غير مسمى، وهذه مسألةٌ في غاية الأهمية، ونقطة فارقة تميز حالة الغوطة الشرقية عن حالة حلب، ناهيك عن الخصوصية الجغرافية والسكانية للغوطة الشرقية.
يدرك المحور الروسي أن عليه إنجاز مهمة عسكرية ضمن وقت محدد، يسمح بتنفيذ الهدنة من دون إبطاء، وفق منطوق نص القرار 2401، وهذا ما يفسر سرعة مجريات العمليات العسكرية الهادفة إلى فكفكة الغوطة جغرافيا، بحيث تتحوّل إلى كانتونات، أو غيتواتٍ جغرافيةٍ منعزلة ومنفصلة عن بعضها بعضاً.
التقاء قوات النمر القادمة من النشابية والشفونية وأوتايا في الشرق، المدعومة من روسيا، مع
وتبين التفاهمات السياسية أخيرا أن دوما ستكون خاضعة للهدنة لاعتبارات محلية ودولية. ومحليا، تعتبر دوما الخزان البشري الحقيقي في الغوطة الشرقية، وهي مدينة محصنة في الداخل بالأنفاق والمتاريس، ويحتاج اجتياحها إلى أشهر، لا يسمح به قرار مجلس الأمن، وسيكون بثمن بشري باهظ، سيتكبده المحور الروسي، غير القادر على دفعه الآن في ظل التنافس الحاد مع الولايات المتحدة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد.
دوليا، يبدو أن تضمين دوما في الهدنة ومناطق خفض التوتر ناجم عن رغبة روسية ـ مصرية مشتركة، فقد أجرى الروس في الأشهر الماضية تفاهمات مع السعودية حيال الملف السوري وملف النفط، وانعكس ذلك بوضوح في مخرجات "مؤتمر الرياض2"، وفي التفاهمات البينية بشأن مستوى إنتاج النفط، ومصر المتحاملة على الدور الإقليمي لقطر تسعى إلى دعم الحضور السعودي، وهذا ما يفسر دخولهم على خط المفاوضات قبل أيام.
ولعل انتشار قوات من الجيش والشرطة الروسية في أقصى شرق الغوطة مؤشر على رغبة
في كل الأحوال، يمكن القول إن الغوطة الشرقية أصبحت ساقطةً بالمعنى الاستراتيجي في معادلة الصراع، وما سيجري لاحقا من عمليات عسكرية أو حصار خانق أو تسويات سيكون استكمالا للواقع العسكري الذي يقوم المحور الروسي بتثبيته الآن.