سيناء بين إرهابين ..
لا يمكن الوقوف على حقيقة ما يجري في سيناء من أحداث شهدتها هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم بالاكتفاء بتحليل تفجيرات 29 يناير/كانون الثاني 2015 وما لحقها من تفجيرات. بل لا بد من الرجوع إلى اتفاقية السلام المزعومة بين مصر والكيان الصهيوني، والتي فرغت شبه جزيرة سيناء من أبنائها، وجعلت منها مرتعا للصهاينة والمفسدين، يعبثون بها كيفما شاؤوا. وجاء نظام مبارك، وعلى مدى ثلاثين عاماً، ليرسخ هذا الوضع، بالإعلان عن خطط واسعة للتنمية في سيناء ظلت حبراً على ورق. وبعد ثورة يناير، استبشر السيناويون خيراً بحاضر ينعمون فيه بالحرية والأمل، يمكن أن يوفر لهم في مستقبلهم مزيداً من الحقوق والحريات، غير أن النظام العسكري بمرحلتيه (الأولى من 11 فبراير/شباط 2011 وحتى 30 يونيو/حزيران 2012، والثانية منذ 3 يوليو/تموز 2013) جاء ليزيد من تفاقم الأوضاع، في ظل ممارسات القمع والقهر والتشريد التي قام بها الجيش في سيناء، لتعاني سيناء إرهابيْن حقيقيين، من الصهاينة الذين يعيثون فيها فساداً منذ 1948، ومن المؤسسة العسكرية المصرية منذ 1952، والذي تفاقم بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
وهنا يمكن الوقوف على اعتبارات أساسية، يمكن، في إطارها، الوقوف على جانب من حقيقة الأوضاع في شبه جزيرة سيناء:
أولاً: ما شهدته سيناء من أعمال عنف جاء رداً على ممارسات قام بها الجيش في سيناء، فليس منطقياً أن يتم التهجير والتشريد والقتل غير المبرر والقمع والقهر من دون رد فعل، مع وجود احتمالات لعبث أجهزة مخابراتية خارجية، تستهدف عدم استقرار المنطقة، بجانب النشاط الصهيوني في شبه جزيرة سيناء، والذي لا يعنيه بالأساس استقرار أوضاعها، حتى يضمن السيطرة عليها.
ثانياً: تعيش مصر الانقلابية، بسلطتها العسكرية، مرحلة من التنسيق في أزهى حالاته وعصوره، ويكفي أن مصر فقدت دورها كوسيط نزيه أو يمكن الرهان عليه في المفاوضات بين العرب والكيان الصهيوني، وهو ما ظهر جليا ليس فقط خلال أزمة غزة الأخيرة (يوليو/ أغسطس 2014) ولكن منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، بل وقبلها وهو ما توثقه عشرات التقارير عن وجود تنسيق وتعاون مخابراتي بين عسكر مصر والكيان الصهيوني للإطاحة ابتداء بالدكتور مرسي ثم التفرغ بعد ذلك للتخلص من حماس، وما زيارات الوفود الأمنية بين الجانبين إلا أحد المؤشرات على ذلك.
ثالثاً: إن "عملية سيناء" التي أعلن عنها الجيش المصري بعد مقتل الجنود المصريين في أغسطس/آب 2012 عقب تولي الرئيس مرسي، لا قيمة لها في ما يتعلق بما أعلنوا عنه من أنه مواجهة مع الإرهاب، لأنها تسير دون خطط واضحة، إنها مجرد عمليات عشوائية وإجراءات عبثية، تتم كردود أفعال مُحاطة بهالة إعلامية استفزازية صراخية، مع تركيز على القصف عبر طائرات لا تملك القدرة على التمييز بين الأهداف الحقيقية، وهو ما ينال من المدنيين ويزيد معدلات الكراهية لممارسات الجيش وجنوده.
رابعاً: يؤكد ما حدث في سيناء بعد الانقلاب العسكري فشل خطط وسياسات الأذرع العسكرية والأمنية للانقلاب في إنشاء منطقة عازلة مع قطاع غزة، ولكن هذا ليس المعيار الوحيد للفشل، لأن الفشل مستمر منذ بداية العملية، والتقارير والبيانات التي تصدر عن المتحدثين العسكريين وقادة العسكر، والتي تتسم بالتناقض أحيانا وعدم الوضوح أحياناً وعدم الدقة كثيراً.
خامساً: لا يستطيع الجيش المصري القضاء على ما يسميه "الجماعات الإرهابية في سيناء"، كما أنه لا يريد ذلك. لا يريد لأنه يسعى إلى استخدامه فزاعة في مواجه داعميه الإقليميين والدوليين. أما كونه لا يستطيع لأن إمكاناته وقدراته وطبيعة التضاريس في شبه جزيرة سيناء لن تساعده على ذلك، بجانب أن التركيز على الحلول الأمنية فقط، يزيد الوضع سوءا ويزيد معدلات الفشل والإخفاق.
سادساً: استمرار السياسات التدميرية التي تتبناها الأذرع العسكرية والأمنية للانقلاب في سيناء يمكن أن تكون مدخلاً لقيام التحالف الدولي بتوجيه ضربات لسيناء، بدعوى مواجهة جماعة أنصار بيت المقدس التي أعلنت الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وسيكون هذا التدخل بناء على دعوات مباشرة لذلك من جانب قائد الانقلاب في مصر، وقد سبق وطالب بذلك في القمة الأفريقية (يوليو 2014) وفي الأمم المتحدة (سبتمبر 2014)، وفي زياراته للولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والصين الشعبية وإيطاليا وفرنسا وغيرها.
سابعاً: في إطار سياسات الهروب للأمام، وبعد فشلها في سيناء، اعتمدت سلطات الانقلاب على اتهام أطراف خارجية، بدأتها بحركة المقاومة الفلسطينية حماس، ثم ذراعها العسكرية (كتائب عز الدين القسام)، وهو ما يعني انهيار دور مصر كوسيط في المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، فلا مجال للحديث عن وساطة دون نزاهة، دون عدالة، هذا ابتداء، وسلطة مصر الانقلابية سبق وقضت بحظر حركة حماس في مارس/آذار 2014، وفي المقابل ثم جلست مع قادتها في يوليو 2014، وطرحت مبادرة للتسوية بينها وبين الكيان الصهيوني. كما أن سلطة الانقلاب في الوقت الذي تعتبر فيه غزة وفصائلها المقاومة العدو الاستراتيجي، هذه السلطة استضافت مؤتمر إعادة إعمار غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، دون ممارسات حقيقية، وهو ما يؤكد أن هناك خللاً حقيقياً بين ما يتم الإعلان عنه وبين ما تتم ممارساته، ولكن المحصلة النهائية أن مصر بسلطتها العسكرية الراهنة لا يمكن أن تشكل وسيطا نزيها مستقبلا، وأنها في استمرارها في اتهاماتها لحماس وكتائبها، وتجاهلها نتائج ممارساتها في سيناء لن تحل الأزمة، ولكن ستزيدها تعقيدا في اتجاه يدفع نحو ترسيخ الحرب الأهلية في مصر، وستكون سيناء منطلقها الأساسي بحكم أهميتها الاستراتيجية، وتضاريسها الطبيعية وكرد فعل على ممارسات الأذرع العسكرية والأمنية للانقلاب.