سيكولوجيا الوحشية

27 يونيو 2015
+ الخط -
من أين يأتي هؤلاء بكل هذه الوحشية؟ وكيف يتنافسون في ابتكار الوسائل لتفريغ أحقاد دفينة، قديمة وحديثة؟ كيف يتمكن رجل ما من تفجير نفسه بأناس آخرين، لمجرد الاختلاف معهم في الرأي أو العقيدة؟ أي عقلية هذه التي تدفع شخصاً ما إلى الضغط على الزناد لقتل أناس عزل؟ أي منطق وعقل يبرر مثل هذه الوحشية التي تفجرت على نطاق واسع، وتمددت من سورية إلى الكويت إلى تونس وفرنسا؟ 
أسئلة كثيرة أخرى تطرح، بينما الأخبار تتلاحق عن الضحايا الذين يسقطون بفعل عمليات إجرامية متنقلة، ومتنوعة في الأساليب، من تفجير انتحاري في الكويت إلى هجوم مسلح في تونس وفرنسا، إلى إعدامات بدم بارد في عين العرب. هي سيكولوجية الوحشية التي باتت منتشرة في ربوع المنطقة العربية، وفي عقول العرب والمسلمين المنتشرين في أصقاع الأرض. سيكولوجية ليست وليدة يوم أمس. هي حصيلة سنوات من الحقن الفكري، خرجت أخيراً من قمقمها إلى فضاء التطبيق الوحشي بأشكال لم تكن تخطر على بال.
تفجير انتحاري في مسجد بالكويت، اعتداء مسلح على منتجع سياحي في تونس، مجزرة بحق العرب والأكراد في عين العرب، واعتداء على مصنع في فرنسا. أربع عمليات في يوم واحد تحمل البصمات نفسها. بصمات التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي وجدت في شهر رمضان ويوم الجمعة مدخلاً لـ "التوجه مباشرة إلى الجنة من دون حساب"، بحسب المنطق الذي تقوم عليه هذه الجماعات، وفي مقدمتها تنظيم "داعش" الذي لا ينفك يبتدع وسائل إجرام تلهم أفراده ومناصريه الذين باتوا منتشرين بشكل مخيف يهدد الوجود الإنساني. هؤلاء أخذوا على عاتقهم تنفيذ "حساب الآخرة" في الأولى، ممنين النفس بثواب وأجر كبيرين، وأسطول من حور العين ينتظرن ذلك الذي فجر نفسه أو قتل أثناء القتل على باب الجنة. هذا منطق لم يعد محل تندر، بل بات واقعاً يمشي على الأرض، وله مفاعيل تطبيقية لم يكن أحد يتخيل أنها ستصل إلى هذا الحد وبهذا التوسع الجغرافي، مع ابتداع صنوف غير قليلة من وسائل القتل.
قبل عمليات يوم أمس، كنا على موعد من "أحدث إنتاجات" داعش، وهو تسجيل مصور لعمليات قتل من قال التنظيم إنهم "جواسيس" في الموصل. تسجيل يحتوي على ابتكارات إجرامية جديدة، يحاول فيها التنظيم أن ينافس نفسه، فبعد قطع الرقاب والإحراق، قدم "داعش" ثلاثة أساليب جديدة دفعة واحدة، أبرزها كان الإغراق، حين وضع ضحاياه في قفص وأسقطهم في الماء. وسيلة مبتكرة تفوق بها على الأفلام الهوليوودية التي استعملت هذه الأداة للتعذيب وانتزاع اعترافات، غير أنها لم تصل بها إلى الخواتيم، وهو ما فعله التنظيم بدم بارد. وإضافة إلى الإغراق، كان النسف داخل السيارة وقطع الرقاب بالديناميت، ليستمر مسلسل الوحشية الداعشية الذي بات يتفوق على الخيال السينمائي.
وحشية تفجرت فجأة وعلى نطاق واسع، وضمن تبريرات لاهوتية وما ورائية، واستقطبت عدداً كبيراً من الشباب والشيوخ إليها طمعاً في "المدينة الفاضلة" التي، وبحسب هذا المنطق، لا يمكن أن تقوم من دون تفجير الآمنين وقطع الرقاب، حتى لو تم الأمر في داخل المساجد نفسها التي تحولت إلى مسالخ، فيما بات القتل جزءاً من العبادات، أو أصل العبادات.
هو عنف كامن مخزون، كان ينتظر اللحظة المناسبة، أو الإطار المناسب للخروج إلى العلن. إطار ولحظة أمنهما "داعش" بتعاليمه، ونبشه في تراث منسي أو تأويله ووجد من يصدقه ويمشي على هديه، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل على امتداد الوجود الإسلامي، ما خلق وحوشاً تسير بيننا، ربما تنتظر اللحظة المناسبة لـ "تطبيق الشرع" والانتقال إلى الجنة على دمائنا.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".