يدشّن "متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر" في الرباط، موسم أنشطته الجديد باحتضان معرض استعادي ضخم لعدد من أعمال النحات الفرنسي الراحل سيزار بالداتشيني (1921 - 1998)، المعروف اختصاراً باسم "سيزار".
ارتبط الفنّان بما يُسمّى في تاريخ الفن الحديث بـ "الواقعية الجديدة"، وهو اتجاه فني تأسّس في فرنسا بداية الستينيات، مع الناقد الفني الفرنسي بيير روستاني، وفنانين مثل ميموروتيلا ونيكي دو سان فال وجيرار ديشومب، في سياق إعادة النظر في عدد من المقوّمات التي تأسّست عليها المدرسة الواقعية في الفن، وارتباط ذلك بالقيم والمفاهيم والرؤى والأفكار الجديدة، التي أصبحت تؤسّس لملامح العالم الحديث.
كانت سنة 1947، قد شهدت بدايات سيزار النحتية على الجبس والحديد، قبل أن ينجز سنة 1952، وبسبب محدودية إمكانياته المادية، التي لم تكن تسعفه لتجريب الاشتغال على الرخام، أولى أعماله المعالَجة بتقنية تلحيم الخردوات والمتلاشيات المهمَلة، وهو ما وضعه في سياق تجربة "الواقعية الجديدة" وفكرتها بإعطاء العمل الفني بعداً أكثر التصاقاً بالقضايا الراهنة، السياسية والاقتصادية والفكرية، وعلاقة ذلك بتمثّل العمل الفني، بما يمنحه هامشاً أكبر من الحرية والمبادرة الخلاّقة، دون أدنى اعتبار للتقاليد الجمالية التاريخية، أو التزام بالمدارس والاتجاهات الفنية المكرّسة.
من داخل هذه المجموعة، اهتدى سيزار إلى تقنية "الضغط الموجّه"، التي أصبحت علامته المميّزة في مجال نحت الأجسام الصلبة. وكانت البداية مع سيارة من نوع "زيل" سوفييتية الصنع، أُهديت له خصّيصاً لهذا الغرض، حيث قام بإخضاعها لهذه التقنية، ما أفقدها 90% من حجمها الطبيعي، الأمر الذي اعتبره نقّاد الفن تعبيراً مبتكراً عن رفضه لطبيعة المجتمع الصناعي الاستهلاكي.
بتطوير هذه التقنية، ضاعف سيزار من حجم منحوتاته الحديدية، وقد أنجز مثلاً في "بينالي البندقية" جبلاً من أجسام السيارات المضغوطة، التي بلغ وزنها 520 طناً. هذه الفكرة بوّأته، في السبعينيات مكانةً دولية، إضافة إلى عمله الشهير على موضوعة اليد، حيث اهتدى إلى تقنية وضع أحجام عملاقة للأصبع، جسّدتها تحفته الشهيرة المسمّاة "الإبهام الكبير"، وهي عبارة على نصب يجسّد إبهامه يصل ارتفاعه إلى مترين. وبعد سنوات، أنجز ستة نماذج لثدي أنثى صنعها من مادة البوليستر السائل، على مقاس كبير (82 × 266 × 193 سم).
قام سيزار أيضاً بإبداع منحوتة أخرى، وصل وزنها إلى سبعة أطنان، وهي عبارة عن قبضة يد من الفولاذ المصقول المقاوم للصدأ، والتي تمّ تثبيتها بساحة "مدرسة سان سير العسكرية" في صيف سنة 1970، قبل أن يعود، سنة 1983، وفي التفاتة تكريمية للفنان بابلو بيكاسو، بإبداع منحوتة عملاقة، استغرقت منه سنتين من العمل، تجسّد كائن الكانتور الأسطوري.