سيرة طويلة لـ"إسقاط جنسية"

22 أكتوبر 2014
+ الخط -

يبدو أن الانقلاب في مصر ومؤيديه وحوارييه ومنظريه، قد سيطرت عليهم فكرة تشبيه عبد الفتاح السيسي بجمال عبد الناصر، فعملوا جاهدين على استنساخ التجربة الناصرية، بكل مكوناتها في مجال القمع والاستبداد، والسير على الكتالوج الذي وضعه عبد الناصر، في هذا الصدد، وإن كان بصورةٍ تفوق تجربة عبد الناصر، كماً وكيفاً.
ضرب الانقلاب الرقم القياسي في القمع والمذابح التي ارتكبها، والتي لن يتورع عن ارتكاب المزيد منها، في محاولاته اليائسة لتثبيت أركانه، على الرغم من أن تجربة الشهور الثمانية الماضية أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن منطق وغطرسة القوة المادية التي يمتلكها لم تحقق له الاستقرار المنشود، ولم توهن من عزيمة مناهضي الانقلاب، أو تفت في عضدهم، أو تدفع بهم إلى اليأس والإحباط.
 
وبما أن الانقلاب يسير على "كتالوج" عبد الناصر بحذافيره، وبما أن "الكتالوج" يتضمن إسقاط الجنسية، فقد انهالت دعاوى إسقاط الجنسية أمام القضاء الإداري، مع الأخذ فى الاعتبار تغير الأحوال والظروف والإخراج. وإذا كان عبد الناصر قد لجأ إلى المحاكم الخاصة والاستثنائية، بعيداً عن القضاء العادي، وكذلك إصدار قرار من مجلس قيادة الثورة بإسقاط الجنسية، فإن الانقلاب لم يكن يحتاج لهذه الوسائل، المباشرة والسافرة، فقد تكفل القضاء والمواطنون الشرفاء بالأمر، وفقا لمقولة أنور السادات الشهيرة "كله بالقانون"، ووفقا لنظريته الأشهر "للديمقراطية أنياب".

ونتوقف تحديدًا عند موضوع إسقاط الجنسية، فقد اتخذ مجلس قيادة ثورة يوليو قراراً وحيداً في 23 سبتمبر/أيلول 1954، بإسقاط الجنسية عن ستة مصريين، هم محمود أبو الفتوح وعبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان وسعد الدين الوليلي ومحمد جويفيل وكامل شريف، وقد اتهمهم القرار بخيانة الوطن، بالدأب على الإساءة إلى سمعة البلاد واقتصادها، والحط من كرامتها، ومحاولة إيجاد شقاق بين مصر وشقيقاتها العربية.
 
وجميع الذين أسقطت عنهم الجنسية من جماعة الإخوان المسلمين، ما عدا محمود أبو الفتوح، الوفدي صاحب جريدة المصري، وكلهم كانوا خارج مصر، عندما أُسقطت عنهم الجنسية. وقد رفض محمد نجيب التوقيع على القرار، وطالب بعقد مجلس قيادة الثورة، للنظر فيه، نظرا لتغيب ستة من أعضاء المجلس، يشكلون الأغلبية في وقت صدور القرار، ولأن قرار الحرمان من الجنسية يعادل الموت، وما دام لم يصدر من محكمة، فلا أقل من عقد المجلس كاملا للفصل فيه. ولكن اعتراض محمد نجيب لم يكن له قيمة، حيث لم يكن يملك من الأمر شيئاً في ذلك الوقت.
    
جاء القرار بعد أن تمكن عبد الناصر من التخلص من جميع معارضيه، باستثناء "الإخوان المسلمين"، بعد أزمة مارس/آذار 1954، وبعد أن ساد له الأمر، وأصبح محمد نجيب رئيسا للجمهورية بدون أي صلاحيات، ولم يتبق له لفرض سلطته المطلقة إلا التخلص من "الإخوان" الذين دخل معهم في صدام مكشوف، خصوصاً بعد توقيع عبد الناصر على اتفاقية الجلاء مع الإنجليز، ومعارضة "الإخوان" لها. وقد دفع هذا الصدام إلى خروج بعض كبار الإخوان المصريين إلى الخارج، وبصفة خاصة سورية التي كانت ملاذا للإخوان، حيث كان فيها أقوى تنظيم لهم خارج مصر، بالإضافة إلى ما كانت تتمتع به سورية من حريات في تلك الفترة، ورفض الشعب السوري الحكم العسكري، بعدما عانت سورية منه نتيجة انقلابات عسكرية عديدة شهدتها.
 
لذلك، كان إخوان سورية هم من قادوا المعارضة ضد عبد الناصر، وأدى نشاطهم إلى توتر العلاقات بين مصر وسورية. وعلى الرغم من إسقاط الجنسية عن خمسة من "الإخوان"، لم تتوقف السلطات المصرية عن مطارداتهم في الخارج، ومارست ضغوطاً على الحكومة السورية، حيث كان ثلاثة من الإخوان الذين أُسقطت جنسياتهم فيها، هم سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين وسعد الدين الوليلي، لعدم منحهم حق اللجوء السياسي. وعلى الرغم من أن سورية لم تستجب للطلب المصري، واعتبرتهم لاجئين سياسيين، ومنحتهم حق الإقامة، إلا أن السلطات المصرية تدخلت لدى سورية، عقب مظاهرات صاخبة نظمها إخوان سورية عقب حادث المنشية، وما أعقبه من اعتقال ومطاردات للإخوان، لتطالبها بطرد اللاجئين الثلاثة الذين اتهمتهم بتنظيم المظاهرات، حفاظا على العلاقات بين البلدين، وهو ما نفاه مصطفى السباعي، المراقب العام للإخوان في سورية، والذي أبدى اندهاشه من موقف الحكومة المصرية التي أسقطت عنهم الجنسية، ثم لاحقتهم، بعد أن اعتبرتهم غير مصريين، وأسقطت كل حق لها في مطاردتهم.

ومثل هذه القضايا، مما يحدث، اليوم، لا يجب التعامل معها باستخفافٍ، أو لامبالاة، خصوصاً في ظل الانقلاب والسرعة الصاروخية لبلاغات وقضايا المواطنين الشرفاء، وراغبي الشهرة، والأحكام السريعة التى يحصلون عليها، وآخرها اعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، بناء على قضية رفعها أحد المحامين الشرفاء الذي لا يتوقف عن تقديم البلاغات ورفع القضايا ليل نهار!

من العبث الحديث عن الإجراءات القانونية، أو السؤال عن المصلحة المباشرة لرافعي الدعوى، أو عدم تقدمهم بطلب إلى وزارة الداخلية، قبل الشروع في رفع الدعوى، لأن كل هذه الدفوع وغيرها لا مجال لها في ظل الانقلاب، خصوصاً في ظل الأحكام الصادمة التي تلاحقنا من حين إلى آخر، والتي تؤكد عبثية المشهد، وتنبئ عما قد يحدث غداً.

avata
avata
صفوت حسين (مصر)
صفوت حسين (مصر)