سيرة حياة

04 مارس 2015
هل كانت الفاتورة التي دفعتها صحيحة؟!
+ الخط -

في البداية إحساسٌ طفوليٌ يجذبك لتيار مصبوغ بلون الوطنية أو الدين أو فكرة ما.. تسير فى هذا التيار بروحك وجسدك معاً.. تنتشي فرحاً بين أقرانك؛ فأنت المختلف والمصطفى من الله لتصبح من شعبه المختار.. في تلك المرحلة كل شيء مبرر.. وإن ارتبكت الأمور فسيمنحونك جلسة لتوضيح الرؤيا!

"ليس هناك أقوى من فكرة حان وقتها".. أنت الآن في مرحلة اليقين بالفكرة حد الموت.. تعادي الكون بأسره إن تعارض مع ما تؤمن به.. وتقطع على نفسك أي خطة للعودة.. ﻻ مجال للوقوف لمراجعةٍ حقيقيةٍ لما آمنت به.. الوقوف معناه المساحة الرمادية.. سيهاجمك بشدة الأبيض والأسود.. كلاهما لن يراعي حقك في تقييم نفسك وتقويمها..

سيقال لك: أكمل السير.. وعندما تهدأ العاصفة يحق لك المراجعة.. لكنها "لن تهدأ.. أبداً". "عفواً لم أطلب جميع الأصناف التي في الفاتورة".. ثم ينهكك السير وتتعاقب عليك الأحداث.. تنحرف نفسك عن الفطرة التي ولدت بها.. تدخل أرض التيه وتلمع في ذهنك آلاف الأسئلة.. تكتئب وتفقد الثقة في الناس.. وتصاب بصدمةٍ وليدةِ تناقضاتٍ تعصف بك.. أنت الآن تشاهد أعواماً من حياتك مرّت في شيء ﻻ تعرف جدواه.. أحداث عظيمة شاركت بها وأخرى صنعتها.. قدّمت تضيحات ﻻ تمنُّ بها.. ولكنك تتساءل: هل كانت الفاتورة التي دفعتها صحيحة؟!

"أضف قلبك إلى قائمة التضحيات"..

قد يصادفك نصفك الآخر في الطريق، وقد يحرمك القدر منه لعلّة في أحدكما.. أو على الأرجح لعلّة في الطريق.. فأنت ﻻ ترى إﻻ مَن يشاطرك أفكارك.. وكل من خارج هذا الإطار مجموعة من العاديين الجاهلين ببواطن الأمور..

"الحياة إما مغامرة جريئة تحبس الأنفاس أو ﻻ شيء".. إن خسرت حياتك وعمرك.. عملك وأهلك.. ﻻ تلتفت، فلكل الدعوات ثمنها.. ولقد اخترت هذا الطريق وتعرف نهايته فلا تندم على شيء بذلته ﻷجل طريق اخترته أو فكرة آمنت بها.. ﻻ تندم أبداً.. هنِّئ نفسك أنك اختبرت نفسك فاجتازت الاختبار..

"ماذا يفيدك إن ربحت العالم وخسرت نفسك"..

إذا حاولت تدارك الأمور والدفاع عن المنهج والصورة المثالية، أو المدينة المثالية التي رسمتها في ذهنك.. فاعلم أنك ستخضع للتشريد والتشويه وسينالون منك ومن عرضك ومن سمعتك.. ﻻ تُلْقِ لهم بالاً وأكمل الطريق!

"طوبى لمَن علّم قلبه احتمال السكاكين.. ومن طعنته التجربة"..

سيتاح لك عرض فكرتك وسترتقي إلى أعلى المراتب وتقبل عليك الدنيا من كل اتجاه.. هنا الاختبار الحق.. وهنا تُلقي ما آمنت به في يمِّ التجربة..

أقسى ما في التجربة أن تقتل إنسانيتك وتُفقدك حقك في الدهشة والإحساس.. أن تتحوّل إلى آلة تحصي الموتى والمفقودين.. أن ترحل عن أهلك وديارك وتنغمس في صراع الحياة من أجل أن تكفي نفسك حاجتها.. والأقسى أن يصبح وطنك ذكرى أليمة كلما تردّد اسمه تتوارد على مخيلتك مئات الصور للشهداء والمعتقلين..

أن تحنّ لكل ما تصنعه أمك.. وأن تفتقد كل كلمة تسمعها من أبيك.. أن تتوق إلى مشاغبة أخواتك.. أن تفقد جزءاً منك وتتوه في متاهة الاغتراب..

تتشابه الدروب في حكايتها وأوصافها وتختلف التجارب.. وكلٌّ سمى نفسه باسمٍ لامع يجذب أصحاب الهمم..

اختلفت المسميات لكن تتشابه القصص.. وعلى أبواب المتاهة ﻻ تبخل على ذاتك بمراجعة لعلّها تهديك باباً للخروج، ولتتبع خُطى موسى.. حتى وإن لم تجد الخضر، كما يقول عز الدين شكري: "قد أكون موسى، الغرّ، المتعجّل، لكن سيدنا الخضر مات، ولا أنبياء بيننا ليخبرونا عن عواقب أفعالنا البعيدة: إن رأيت رجلاً يقتل غلاماً فامنعه، وإن رأيت أحداً يخرق سفينة فقِفْهُ، وإن رأيت ظالماً يبنى سوراً فلا تساعده. لا أحد غير الله يرى النِّعَم المتنكرة في صورة نقمات، فامنع النقمة، ودع البقية للخالق".


(مصر)

المساهمون