سيرة الحركة الإسلامية المغربية

17 سبتمبر 2014
+ الخط -

أعادت قناة "ميدي1 تي في" موضوع "تاريخ الحركة الإسلامية المغربية" إلى الواجهة من جديد، بعد تراجعها في آخر لحظة عن بث حلقة من برنامج "المحققون"، وكانت ستخصصها لهذه القضية الشائكة التي أسالت مداداً كثيراً، ولا زالت، بفعل طغيان النظرة الحزبية والتنظيمية الضيقة عند تناول ومعالجة تاريخ يعتبره بعضهم أنه لم يكتب بعد، في ما ينتقد آخرون المحاولات التي جرت في هذا الاتجاه، ولم تكن موفقة لاعتبارات عديدة.

وكانت أبرز معالجة لتاريخ الحركة الإسلامية المغربية، وأحدثت ردود أفعال، بعضها كان قاسياً جداً، هي التي قدمتها جريدة "التجديد"، لسان حال حركة التوحيد والإصلاح، عبر سلسلة أعدها بلال التليدي، قبل طبعها في كتاب عبر أجزاء، وهو ما أغضب أطرافاً عديدة، خصوصاً التي لم تشارك، والتي بدأت في التفكير في إعادة هذا الموضوع إلى نقطة الصفر، بتقديم قراءة جديدة ومعطيات وأحداث لم تسلط عليها الأضواء كما يجب، في الرواية التي قدمتها جريدة "التجديد"، والأمر يتعلق ليس فقط بشخصيات تاريخية، بل، أيضاً، بتنظيمات لعبت أدواراً طليعية في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية، وخصوصاً جماعة العدل والإحسان، وحركة الاختيار الإسلامي، التي تم الإشارة إليها بشكل لم يكن في مستوى ما قدمته للدعوة وللمغرب، فاجأ مراقبين وفاعلين عديدين.

وأول ملاحظة يمكن تسجيلها بخصوص ما أنجزته "التجديد" أن مبادرة التليدي لقيت ترحيباً  ودعماً هائلين من قيادة حركة التوحيد والإصلاح، على اعتبار أن الجريدة لسان حال الحركة، ووضعت لهذا الهدف كل الإمكانات لإنجاحها، على مستوى العلاقة والمستوى المادي، خصوصاً وأن الأمر تطلب أسفاراً إلى المدن المعنية للقاء الشخصيات المستهدفة، وهي نقطة إيجابية، تسجل لفائدة القيادة في تسهيلها مأمورية بلال التليدي.

ثاني ملاحظة تتعلق بالشخصيات التي تم استجوابها وإجراء مقابلات معها، وهي في مجملها تنتمي لحركة الإصلاح والتجديد، أو التنظيمات الصغيرة التي توحدت تحت راية "رابطة المستقبل الإسلامي"، إلا بعض الاستثناءات، وكان واضحاً من أجوبتها والمعطيات المقدمة محاولتها تمجيد التجربة المعنونة بـ"التوحيد والإصلاح"، ساعدتها في ذلك طريقة صياغة وطرح الأسئلة من المحاور، حتى أن القارئ العادي يعتقد أن تاريخ الحركة الإسلامية المغربية مجمل في هذه التجربة، وبدا الأمر واضحاً من أسماء مستجوبة شكلت النسبة الطاغية المنتمية إلى التوحيد والإصلاح.

ثالث ملاحظة تتمثل في التهميش الواضح والبين لتنظيمات لعبت أدواراً مهمة في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية، وكان لها تأثير مشهود في المسيرة الدعوية في المغرب، وإذا كانت مبادرة "التجديد" قد أشارت إلى عناوين بخصوص جماعة العدل والإحسان، فإنها مارست تضييقاً بيناً على حركة الاختيار الإسلامي، والتي على الرغم من أنها قضت مدة طويلة في "السرية التنظيمية"، إلا أنها كانت تعد في فترة الثمانينات كبرى الحركات الإسلامية المغربية، وكانت تضم في صفوفها آلاف الشباب، على الرغم من الوضع السري، ويعود هذا التضييق إلى سببين:

أولهما أن "حركة الاختيار الإسلامي" تعتبر الحركة الإسلامية الوحيدة القادمة من حركة "الشبيبة الإسلامية"، والتي بقيت خارج "الدائرة" التي جمعت بين حركة الإصلاح والتجديد والجمعيات والتنظيمات المنضوية تحت لواء "رابطة المستقبل الإسلامي" سنة 1996، وهو أمر ما زال فيه غموض كثير، ولم تتطرق إليه بالشكل الكافي حوارات "التجديد" بشأن تاريخ الحركة الإسلامية، على اعتبار أن مصادر تتحدث عن تدخل جهة ما لإبعاد حركة الاختيار الإسلامي، وإن كان بعضهم يشير، أساساً، إلى اختلاف واضح على مستوى المواقف، خصوصاً على مستوى الأولويات.
 
الأمر الثاني مرده إلى سياسة الصمت الذي لا زالت تنهجها قياداتٌ عديدة، صنعت تاريخ الحركة الإسلامية منذ نهاية الستينات، والمنتمية لحركة الاختيار الإسلامي، ومعظمها موجود أو قريب من الحركة من أجل الأمة التي يقودها، الآن، قيادي من الجيل الثاني، وهو صمت شجع جريدة "التجديد" على المضي في نهجها، القائم أساساً، على إبراز تجربة "التوحيد والإصلاح" على المستوى التاريخي، وتقديمها للرأي العام على أنها التجربة البارزة في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية، والواقع بخلاف هذا.

لذلك، المطلوب اليوم من القيادات المعنية الخروج إلى العلن، وتقديم رأيها من جهة في ما أنجزته صحيفة "التجديد"، أو بالأحرى حركة التوحيد والإصلاح، وتقديم الرواية القريبة من التاريخ الحقيقي للإسلاميين المغاربة، عوض ترك الأمر تتحكم فيه أهواء سياسية وتنظيمية ضيقة، قد تفسد المغزى من التأريخ من جهة ثانية، وما يدعو إلى التعجيل بهذا الخروج أن القيادات المعنية بعضها مريض، وآخر بلغ من الكبر عتيا، ما قد يحرم في أية لحظة الرأي العام المغربي عموماً، والمتتبع خصوصاً، من  تكوين صورة حقيقية عن هذا التاريخ الذي على ما يبدو عملت "التجديد" على تحويل وجهته إلى اتجاه معين، مستثمرة الصمت الذي لم يتجاوز، إلى الآن، انتقادات بقيت وراء الأبواب.

B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)