في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2016، أصدرت المحكمة الإدارية في مدينة ليموج الفرنسية حكماً بحق ميشال سابين، وزير المالية في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، بقضية فساد تعود إلى الفترة بين عامي 2008 و2012، إذ قام برفع راتبه، بالإضافة إلى رواتب مسؤولين محليين، بزيادة 25 في المائة عندما كان عمدة لمدينة أرجينتون سور-كروس.
وللمفارقة، الوزير الذي حكم عليه بدفع تعويضات قدرها 100 ألف يورو، هو نفسه الذي سمي باسمه "قانون سابين" لمكافحة الفساد، خلال توليه حقيبة الاقتصاد والمالية في عهد الرئيس الراحل فرانسوا متيران في 29 يناير/كانون الثاني عام 1993، قبل أن يسمى باسمه قانون "سابين 2"، الذي أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، وتضمّن تعديلات على النسخة الأولى من القانون لتحقيق أفضل المعايير الأوروبية والدولية في مكافحة الفساد، وبالتالي المساهمة في الوصول إلى صورة إيجابية لفرنسا دولياً.
حكم على باتريك بلكاني، عمدة لوفالوا بيريت، وزوجته إيزابيل، بالسجن بتهمة الاحتيال الضريبي
ويبدو أن فرنسا كانت بحاجة فعلاً إلى تحسين صورتها في نطاق مكافحة الفساد، بالنظر إلى القضايا الكثيرة التي طاولت، وما تزال، أسماء من كبار السياسيين في تاريخ البلاد، إذ حُكم على رئيس وزرائها الأسبق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2017 فرانسوا فيون، بعد إدانته وزوجته بينيلوب فيون، بقضية وظائف برلمانية وهمية استفاد منها كذلك أبناؤه. قضية الفساد هذه ليست قصة فريدة في عالم الفساد الفرنسي، فهي وإن كانت الضربة التي قضت على مستقبل فيون السياسي، في وقت كان فيه قريباً جداً من الفوز في الانتخابات الرئاسية، قبل أن يصبح الطريق أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون شبه فارغ من منافس حقيقي، إلا أنها تتشابه في وقائعها وأبطالها في قضية الزوجين بلكاني.
وفي الوقت الذي كانت فيه الأضواء مركزة على قضية فيون، حكم على باتريك بلكاني، عمدة لوفالوا بيريت، وزوجته إيزابيل، أول مساعد للمدينة، في مارس/آذار الماضي، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الاحتيال الضريبي. وبلكاني كان قد تم حبسه بعد محاكمة أولية في سبتمبر/أيلول 2019، أمضى خلالها خمسة أشهر في السجن قبل إطلاق سراحه لأسباب صحية في 27 مايو/أيار من العام الماضي، ثم حُكم عليه عند الاستئناف بخمس سنوات في السجن بتهمة غسيل أموال واحتيال ضريبي وأخذ مصالح غير قانونية. كما حكم على زوجته بالسجن 4 سنوات.
يعد شيراك أول رئيس يُدان بتهم فساد منذ بيتان الذي تعاون مع النازيين عام 1945
عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي كان مليئاً بقضايا الفساد كذلك، إذ حكمت محكمة الاستئناف في باريس على وزير الداخلية في عهده كلود غوانت، في 23 يناير/كانون الثاني 2017 بالسجن لمدة عامين، للتواطؤ في التملك غير المشروع للأموال العامة، وإخفاء أدلة مرتبطة بهذه الجريمة. ووفقاً للادعاء، فإن غوانت كان، بين عامي 2002 و2004، يدفع لنفسه 5 آلاف يورو شهرياً أكثر من راتبه البالغ 8 آلاف يورو وبدلات 2200 يورو.
ساركوزي بدوره كان قد أحيل إلى محكمة الجنح في باريس على خلفية تهم فساد واستغلال للسلطة، إضافة إلى فضيحة "تمويل غير قانوني" لحملته الانتخابية عام 2012 حصل عليها من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وساركوزي ليس أول رئيس يحاكم في تاريخ فرنسا، إذ يعد الرئيس الراحل جاك شيراك أول رئيس للبلاد يُدان بتهم فساد منذ المارشال فيليب بيتان الذي تعاون مع النازيين عام 1945. وأدين شيراك أواخر عام 2011 بتهمة إساءة استغلال الأموال العامة وتحويلها إلى وظائف وهمية لمعاونين سياسيين حين كان رئيساً لبلدية باريس بين 1977 و1995.
وفي آخر تقرير صدر عن منظمة الشفافية الدولية مطلع عام 2020، للدول الأكثر فساداً على المؤشر خلال عام 2019، تراجع ترتيب فرنسا درجتين عن عام 2018، إذ احتلت المركز 23، بعدما حققت تحسناً في أعقاب قضية وزير الميزانية السابق في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، جيروم كوزاك، الذي أدين بتهمة الاحتيال الضريبي في مايو/أيار عام 2018 بالسجن لمدة أربع سنوات. وفي أعقاب صدور التقرير، الذي سلّطت فيه المنظمة الضوء على تراجع فرنسا بالقول إنه بسبب "الديناميكية المتوقفة" في مكافحة الفساد، دعت المجموعة الأوروبية لمكافحة الفساد باريس إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة الفساد داخل السلطة التنفيذية. وأعلنت فرنسا أخيراً عن خطة مدتها ثلاث سنوات لمكافحة الفساد تهدف إلى تعزيز التدابير الوقائية داخل إداراتها. وتهدف هذه الخطة على وجه الخصوص إلى "تعزيز جمع واستغلال البيانات المرتبطة بظواهر الفساد...، وتعزيز تدريب الموظفين العموميين الأكثر تعرضاً لهذه القضايا...، وتوعية الممثلين المنتخبين والبرلمانيين المحليين بمخاطر الفساد".