08 نوفمبر 2024
سياسة واشنطن في 2016، تكرار أم جديد؟
تميز العام 2015 باستمرار غياب الاستراتيجية لدى الإدارة الأميركية حيال بعض قضايا دول الشرق الأوسط، وخصوصاً سورية والعراق، وهو غياب لم يُعرف إن كان فعلياً أم أنه اتباع استراتيجية جديدة، خصوصاً أن الولايات المتحدة عوّدتنا على ألا يكون هنالك نقطة ساخنة في الكوكب، إلا ولها يد أو ضلع فيها، إيقاداً أو إذكاءً للنار، فكيف والأمر يتعلق بمنطقة تصنفها في أولى أولوياتها، لما تتمتع به من احتياطي ثروات طبيعية، ومن جيرة لكيانها الأثير على قلبها "إسرائيل". ومع ذلك، لسنا في وارد تناول سوى الظاهر من تلك الاستراتيجية، وليس المخبوء منها، في إطار الحديث عن تحدياتٍ تواجه المنطقة، وخصوصاً في سورية والعراق.
توافق كثيرون على أنه ليس لواشنطن استراتيجية حيال الحرب والموقف في سورية، وتجلى ذلك وتكلل في اللامبالاة الأميركية، أو حتى التسليم، بالتدخل الروسي المفاجئ في سورية بالضربات الجوية التي أعلنت موسكو أنها بدأتها في 30 من سبتمبر/أيلول الماضي. وإن سُجِّلَ لها حضور في المؤتمرات الدولية حول سورية، خصوصاً مؤتمر فيينا، فهو دور المكمل وليس الفاعل، كما كان يأمل منها قسم من السوريين، حيث كان بعضهم يتوقع منها التدخل لصالح المعارضة، من أجل ترجيح كفتها في مقابل كفة النظام، وتوقع منها آخرون أن تضغط في جمع فرقاء النزاع لإيجاد حل للمسألة السورية، يتضمن إيقافاً فورياً للحرب الدائرة، كما أن دورها الذي كان يفترض أن يكون حاسماً في محاربة داعش في العراق وسورية، من خلال التحالف الدولي الذي تقوده، لم يكن على المستوى المطلوب، بدليل استمرار تمتع التنظيم بالقوة، بعد حوالي العام ونصف العام من إعلان الحرب عليه.
فهمت أوروبا أن الحرب في سورية أصبحت تشكل تهديداً للأمن الدولي وللحريات المدنية في الغرب، بسبب حالة عدم الاستقرار التي تشكلها، وبسبب اجتذاب حربها الإرهابيين، والقدرة على إعادة إنتاجهم وتوجيههم باتجاه الدول الأوروبية. لكن الولايات المتحدة، البعيدة عن منطقة الصراع، ترى أنها في مأمن عن تداعياته الأمنية، وحتى عن موجات الهجرة التي يسببها. لكنها لا يمكنها أن تبقى على هذه الحال من عدم المبالاة تجاه هذه الحرب، سواء ما يخص وقفها، أو خوض حرب حقيقية ضد داعش، فقد تبين أن موجات العنف والهجرة لا ترى في البحار الفاصلة بين القارات مصداً أمام تقدمها. وعلى عكس الأوروبيين، رأى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في خطاب "حالة الاتحاد"، الثلاثاء الماضي، أن داعش لا يشكل خطراً وجودياً، ما يظهر استمرار عدم جدية واشنطن في التعامل مع هذا التنظيم.
وبشأن العراق، قد ظهر أن الجيش العراقي الذي أسسته واشنطن، وصرفت عشرات المليارات
من أموال الشعب العراقي على تسليحه، وإخراجه بشكل عصري وقوي، ليس سوى هيكل سقيم، فرّ منه خمسون ألف مقاتل أمام مئات من مقاتلي داعش في معركة الموصل. وإن كان سَقمه يُعزى إلى حالة الفساد التي تعم البلاد، فيبقى أن المسؤولية الأساسية عن حالته تلك تقع على عاتق الولايات المتحدة التي أعادت تأسيسه، كما أعادت تأسيس كل شيء في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والتشريعية العراقية. وكان لها يد في بَذرِ بُذور الفساد، لتمرير عقود إعادة البناء على مقاسها، فنتج التردّي في الجيش وفي البنية التحتية من كهرباء وغيرها، على الرغم من المليارات التي جنتها شركاتها العابرة للقارات، من أجل النهوض بها. كما يمكن تحميل التشريعات التي ساهمت في سنها المسؤولية عن الحالة الطائفية التي قوضت قدرة البلاد على الخروج من حالة الضياع القائمة.
تميّزت تجربة معركة الرمادي التي قادها الجيش العراقي، وأعطت الآمال للعراقيين في قدرة جيشهم على تحقيق الانتصارات، بخلوّها من تجاوزات كان يرتكبها الحشد الشعبي بحق أهالي المناطق التي يحرّرها من سيطرة داعش. وأعاد الثقة للعراقيين أن جيشهم يمكن أن يكون مثالاً للوحدة التي تبين أن المليشيات الطائفية المهدد الحقيقي لها. فإذا استطاع هذا الجيش تحرير الموصل، وباقي المناطق من قبضة داعش، على الولايات المتحدة، إن كانت صادقة في محاربة التنظيم، أن تدعم هذا الجيش، لأنه بعد تحرير البلاد من داعش لن يكون سواه ضامناً لوحدتها في وجه المليشيات والأحزاب الطائفية التي تتقاسمه الآن. وفي هذا المجال، هنالك مهمتان عليها الاضطلاع بهما، أولاهما العمل على وقف التدخل الإيراني في شؤون العراق، وتخريب النسيج الاجتماعي فيه، وإقناع الإيرانيين أن ممارساتهم هذه لن تجلب سوى عدم الاستقرار لبلادهم. وثانيتهما التوقف عن التفكير في العراق الضعيف ذي المجتمع المتنازع طائفياً كسبيل للفوز بالصفقات والعقود الرخيصة، لأن ذلك الضعف لن يكرّسه سوى أفغانستان ثانية مهددة للأمن الدولي.
على الرغم من تاريخها الحافل بالانحياز ضد مصالح شعوب المنطقة، يعول كثيرون على دورٍ أكثر شعبية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، لما تشكله من قوةٍ تؤهلها للعب دور كهذا، ولما يمكن أن يحمله عدم الاستقرار فيها للأمن الدولي. فعلى الرغم من انحيازها التام لصالح إسرائيل، وتزويدها بالأسلحة التي تقتل أبناء الشعب الفلسطيني في حروبها الدورية عليه، بقي من بين أبناء هذا الشعب من يأمل بدور لها يكون أكثر توازناً، ويساعد في حل قضيته. وهو أمر ينطبق على السوريين، وعلى العراقيين، وعلى غيرهم من الشعوب، لكن السياسيين الأميركيين المتعاقبين على البيت الأبيض، والذين رفعوا بعد أحداث "11 سبتمبر" 2001 سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، يستمرون في تجاهل مطالب شعوب هذه المنطقة التي تعرف مدى مسؤولية واشنطن عن مآسيها. وبدل أن يجدوا جواباً على السؤال، يأتي مرشحون لانتخابات الرئاسة الأميركية ليزيدوا، في تصريحاتهم أخيراً، من عوامل الفرقة بين واشنطن وشعوب المنطقة، فمعطيات كهذه تؤكد لهذه الشعوب أن لا تغيير يمكن أن يحصل في سياسة واشنطن تجاه قضايا بلدانهم.
توافق كثيرون على أنه ليس لواشنطن استراتيجية حيال الحرب والموقف في سورية، وتجلى ذلك وتكلل في اللامبالاة الأميركية، أو حتى التسليم، بالتدخل الروسي المفاجئ في سورية بالضربات الجوية التي أعلنت موسكو أنها بدأتها في 30 من سبتمبر/أيلول الماضي. وإن سُجِّلَ لها حضور في المؤتمرات الدولية حول سورية، خصوصاً مؤتمر فيينا، فهو دور المكمل وليس الفاعل، كما كان يأمل منها قسم من السوريين، حيث كان بعضهم يتوقع منها التدخل لصالح المعارضة، من أجل ترجيح كفتها في مقابل كفة النظام، وتوقع منها آخرون أن تضغط في جمع فرقاء النزاع لإيجاد حل للمسألة السورية، يتضمن إيقافاً فورياً للحرب الدائرة، كما أن دورها الذي كان يفترض أن يكون حاسماً في محاربة داعش في العراق وسورية، من خلال التحالف الدولي الذي تقوده، لم يكن على المستوى المطلوب، بدليل استمرار تمتع التنظيم بالقوة، بعد حوالي العام ونصف العام من إعلان الحرب عليه.
فهمت أوروبا أن الحرب في سورية أصبحت تشكل تهديداً للأمن الدولي وللحريات المدنية في الغرب، بسبب حالة عدم الاستقرار التي تشكلها، وبسبب اجتذاب حربها الإرهابيين، والقدرة على إعادة إنتاجهم وتوجيههم باتجاه الدول الأوروبية. لكن الولايات المتحدة، البعيدة عن منطقة الصراع، ترى أنها في مأمن عن تداعياته الأمنية، وحتى عن موجات الهجرة التي يسببها. لكنها لا يمكنها أن تبقى على هذه الحال من عدم المبالاة تجاه هذه الحرب، سواء ما يخص وقفها، أو خوض حرب حقيقية ضد داعش، فقد تبين أن موجات العنف والهجرة لا ترى في البحار الفاصلة بين القارات مصداً أمام تقدمها. وعلى عكس الأوروبيين، رأى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في خطاب "حالة الاتحاد"، الثلاثاء الماضي، أن داعش لا يشكل خطراً وجودياً، ما يظهر استمرار عدم جدية واشنطن في التعامل مع هذا التنظيم.
وبشأن العراق، قد ظهر أن الجيش العراقي الذي أسسته واشنطن، وصرفت عشرات المليارات
تميّزت تجربة معركة الرمادي التي قادها الجيش العراقي، وأعطت الآمال للعراقيين في قدرة جيشهم على تحقيق الانتصارات، بخلوّها من تجاوزات كان يرتكبها الحشد الشعبي بحق أهالي المناطق التي يحرّرها من سيطرة داعش. وأعاد الثقة للعراقيين أن جيشهم يمكن أن يكون مثالاً للوحدة التي تبين أن المليشيات الطائفية المهدد الحقيقي لها. فإذا استطاع هذا الجيش تحرير الموصل، وباقي المناطق من قبضة داعش، على الولايات المتحدة، إن كانت صادقة في محاربة التنظيم، أن تدعم هذا الجيش، لأنه بعد تحرير البلاد من داعش لن يكون سواه ضامناً لوحدتها في وجه المليشيات والأحزاب الطائفية التي تتقاسمه الآن. وفي هذا المجال، هنالك مهمتان عليها الاضطلاع بهما، أولاهما العمل على وقف التدخل الإيراني في شؤون العراق، وتخريب النسيج الاجتماعي فيه، وإقناع الإيرانيين أن ممارساتهم هذه لن تجلب سوى عدم الاستقرار لبلادهم. وثانيتهما التوقف عن التفكير في العراق الضعيف ذي المجتمع المتنازع طائفياً كسبيل للفوز بالصفقات والعقود الرخيصة، لأن ذلك الضعف لن يكرّسه سوى أفغانستان ثانية مهددة للأمن الدولي.
على الرغم من تاريخها الحافل بالانحياز ضد مصالح شعوب المنطقة، يعول كثيرون على دورٍ أكثر شعبية لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، لما تشكله من قوةٍ تؤهلها للعب دور كهذا، ولما يمكن أن يحمله عدم الاستقرار فيها للأمن الدولي. فعلى الرغم من انحيازها التام لصالح إسرائيل، وتزويدها بالأسلحة التي تقتل أبناء الشعب الفلسطيني في حروبها الدورية عليه، بقي من بين أبناء هذا الشعب من يأمل بدور لها يكون أكثر توازناً، ويساعد في حل قضيته. وهو أمر ينطبق على السوريين، وعلى العراقيين، وعلى غيرهم من الشعوب، لكن السياسيين الأميركيين المتعاقبين على البيت الأبيض، والذين رفعوا بعد أحداث "11 سبتمبر" 2001 سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، يستمرون في تجاهل مطالب شعوب هذه المنطقة التي تعرف مدى مسؤولية واشنطن عن مآسيها. وبدل أن يجدوا جواباً على السؤال، يأتي مرشحون لانتخابات الرئاسة الأميركية ليزيدوا، في تصريحاتهم أخيراً، من عوامل الفرقة بين واشنطن وشعوب المنطقة، فمعطيات كهذه تؤكد لهذه الشعوب أن لا تغيير يمكن أن يحصل في سياسة واشنطن تجاه قضايا بلدانهم.