سياسات مشوّشة وهزيلة

07 فبراير 2017
+ الخط -
لا تزال الأيام العشرون التي قضاها دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة، غير كافية ليستكشف دهاليز المكتب البيضاوي، إلا أن ترامب قد أصدر، حتى الآن، بضعة قرارات أحدثت دوياً عالمياً، أهمها الأمر التنفيذي المسمى "حماية الأمة من التطرّف الخارجي الذي يَدخل إلى الولايات المتحدة"، والذي سيُمنع بموجبه دخولُ مواطني سبع دول إلى أميركا، وسيتوقف العمل بالفيزا الممنوحة لمواطني هذه الدول. كما أظهر بعض الأعضاء المهمين في إدارته مواقف لافتة، أهمها العقوبات الأميركية التي طاولت هيئات وأشخاصاً يحملون الجنسية الإيرانية، رداً على تجربة إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى، أجرتها إيران بعد أسبوع من تولي ترامب السلطة. وعلى صعيد العلاقات مع روسيا، قالت مندوبة ترامب في الأمم المتحدة، نيكي هالي، إنه يعز عليها أن تنتقد بوتين، لكن التصرفات الروسية إزاء أوكرانيا تجعل الوضع مزرياً، وتتطلب موقفاً في منتهى القوة والصرامة. كانت هذه المواقف الثلاثة المهمة التي بدرت عن ترامب وفريقه خلال المدة القصيرة السالفة.
وتهديدات ترامب بإغلاق الحدود أمام اللاجئين من السمات البارزة في حملته الرئاسية، فقد عبَّر عن مخاوف أميركية من الإرهاب الكامن على شكل لاجئين. وقوَّت الهجمات التي تعرّضت لها عواصم ومدن أوروبية من لهجته، فاستخدم أشد العبارات في رفض اللجوء، وخصوصاً من بلدان الشرق الأوسط. أما العلاقات مع إيران، فقد أبدى تصلباً حيالها، واستعداداً للمواجهة، ولم يخفِ انتقاده اللاذع للاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما، مع العلم أن الانتقاد لم يصل به إلى حدّ التهديد بإلغاء الاتفاق، لكنه عيَّن شخصاً في إدارته ذا مواقف متشدّدة تجاه إيران، هو الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، فيما كانت عبارات الود تتصاعد، كالعطور الفرنسية، من كلماته، حين كان يتكلم عن بوتين خلال حملته الرئاسية.
ترقب العالم عشية العشرين من يناير/ كانون الثاني، ليشاهد ما سيتهاوى تحت أقدام الرئيس الجديد، وتقلبت أمعاء الشوارع قليلاً، ليلة نقل السلطة بسبب حوادث شغب تمت السيطرة عليها بسهولة، وتابعنا مسيراتٍ نسائيةً ناعمة مضادّة لترامب، أجمل ما فيها كان سير وزير الخارجية السابق، جون كيري، مع كلبه مؤيداً غضب النسوة، ثم ذهب كل شيء أدراج الرياح.
أصدر ترامب أوامره المشدّدة بوقف دخول بعض البلدان، فرفضت الوزيرة المختصة التنفيذ، وعندما طردها، أصدر قاضٍ فيدرالي أمراً بوقف تدابير ترامب لعدم قانونيتها. وأطلقت إيران صاروخاً ذا مدى متوسط لتختبر جدّية ترامب، فرد الأخير عبر "تويتر" أولاً، ثم بعقوبات تقليدية ذات شكل إعلامي، ومن دون أي أثر مادي أو عسكري، كأثر الصاروخ الذي أطلقته إيران تماماً، وكأن الأمر مجرّد "نكز" متبادل كلٌ على طريقته.
وعلى الرغم من تبادل التحيات بين ترامب وبوتين، استخدمت نيكي هالي مندوبة ترامب في مجلس الأمن لكنة تقليدية متشدّدة تجاه روسيا.
توحي الأيام "الترامبية" القليلة بصعوبة تغير المسار العام في السياسة الأميركية، حيث التعامل بالقطعة، وإجراء دراسة منفردة لكل حالة سياسية على حدة، لاتخاذ الموقف المناسب، فالمؤسسات تبدو أكبر من الرئيس، والعقلية الأميركية التي سادت طوال الفترة الماضية المتآلفة مع أخلاقيات محدّدة، من الصعب كسرها بسهولة، ووجود رجل أعمال غريب الأطوار في المكتب البيضاوي، يخلط السياسة بأسواق المال، ويستخدم "تويتر" أكثر مما يستعين بوزير خارجيته، لا يعني أن أميركا ستتغير، فالمؤسسات المشيدة بعناية وتلقائية منذ مئات السنين لن تهزم أمام نتيجة انتخابات شاذة، والأهم أن القضايا السياسية المهمة التي تواجه الولايات المتحدة لا تتغير بين لحظةٍ رئاسيةٍ ولحظة تليها، والانقلاب الذي يحلم به ترامب ينفض يد أميركا من مسؤولياتها، ويبعدها عن الحليف الأوروبي، وهذا مزاج لم يظهر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإن ظهر الآن فنجاحه لا يحظى بأية فرصة، أما الرابح الأكبر فهو شركة تويتر التي يعشقها ترامب، ويرابط فيها فترات طويلة.