أصيبت الشابة السورية فاطمة القاسم بالشلل جراء طلقة نارية من بندقية "كلاشينكوف" اشتراها زوجها لتوه من أحد متاجر بيع السلاح المنتشرة في محافظة إدلب (شمال سورية)، إذ اخترقت الرصاصة جسد الزوجة العشرينية وكسرت فقرة من عمودها الفقري، فيما استأصل الأطباء فقرة أخرى وإحدى كليتيها والطحال جراء إصابتها، وفق ما قاله والدها، قبل أن يتابع بأسى "إدلب تعيش فوضى جرّاء سهولة بيع السلاح، والذي أصبحت أسعاره في متناول الجميع".
وتعد فاطمة واحدة من بين 33 ضحية لجرائم شروع في القتل جرت خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى إبريل/ نيسان من عام 2017، فيما وقعت 25 جريمة قتل خلال الفترة ذاتها، وفق ما يؤكد الرائد حسين حسيّان، رئيس قسم الإعلام في شرطة إدلب الحرّة لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن تزايد نسبة ارتكاب الجرائم يرجع إلى سهولة اقتناء الأهالي للسلاح، ما أدى إلى وقوع 5218 جريمة تم ضبطها خلال تلك الفترة، بحسب إحصاء موثق لعدد ونوعية الجرائم المرتكبة في محافظة إدلب وحدها.
ويكشف الإحصاء أن 1142 جريمة مرتكبة في المنطقة جرت باستخدام السلاح، وعلى رأسها جرائم السرقة والسلب، والتي بلغت 571 جريمة، والإيذاء 156 حالة والمشاجرة باستخدام السلاح 272 حالة، والخطف 15 حالة، والإخفاء القسري 16 حالة، وتخريب الممتلكات 112 حالة.
اقــرأ أيضاً
سوق مفتوح للسلاح الخفيف والثقيل
تنتشر متاجر السلاح في محافظة إدلب وعموم المناطق المحررة في الشمال السوري، وتبيع تلك المتاجر الأسلحة الخفيفة والبيضاء والذخائر المتنوعة وأسلحة الصيد، إضافة إلى الألبسة العسكرية والشعارات وأعلام الجهات المقاتلة وأجهزة اللاسلكي، "حتى أصبح عدد محال بيع السلاح يقارب عدد محال البقالة"، وفق إفادة الناشط الحقوقي في مدينة إدلب أحمد سرميني، والذي تابع موضحاً أن عدد هذه المحال يصل إلى 200 متجر في محافظة إدلب وأريافها، تتفاوت فيما بينها من حيث الأنواع وتطوّر السلاح الذي تبيعه، إذ يعرض بعض تلك المحال مناظير ليلية وحرارية، وحتى وصل الأمر إلى قيام بعضها ببيع الأسلحة المتوسّطة ويمكنه حتى تأمين الأسلحة الثقيلة"، وهو ما يؤكده كذلك الرائد حسين حسيّان، والذي لفت إلى أن صفقات بيع السلاح الثقيل مثل صواريخ كونكورس الموجهة، والصواريخ المضادة للدروع وصواريخ "أرض-أرض"، لا تتم بشكل علني في المحلّات العادية كما هو الحال في الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة.
وبسبب وقوع صفقات من هذا النوع، أصدرت هيئة تحرير الشام (تشكيل عسكري يتكوّن من فصائل مسلحة عدة منتشرة في شمال سورية)، تعميماً إدارياً موجهاً إلى حواجزها العسكرية المنتشرة في الشمال السوري في السابع من مايو/ أيار الماضي، يمنع الاتجار وحمل الصواريخ الثقيلة، وتنصّ الوثيقة الممهورة بختم "هيئة تحرير الشام" والصادرة عن القيادة العسكرية، على "منع حمل وتجارة صواريخ "م. د" (سلاح موجّه مضاد للدروع) وصواريخ "غراد" في مناطق الشمال المحرّر، وفي حال التجاوز يُحال الأمر إلى القضاء".
ووفقاً لمصادر عسكرية مطلعة في ريف إدلب الغربي، فإن عدداً من عناصر المعارضة المسلحة قاموا بالتوسط في عمليات المتاجرة بالصواريخ وبيعها، من دون أن تتم معرفة الجهة التي اشترت أو باعت، وهو ما يؤكده مقاتل سابق في المعارضة السورية، مشيراً إلى أن هذا التعميم ليس الأول من نوعه، وإنما الثاني.
المقاتل السابق، والذي رفض الكشف عن هويته، أبلغ معدّ التحقيق أن المرّة الأولى التي تم تداول هذا التعميم بها، كانت قبل عام، بعد نقص حاد في الأسلحة الثقيلة، تحديداً الصواريخ، خلال المعارك التي كانت تشهدها مدن ريف حلب الجنوبي، ما اضطر المعارضة إلى شراء هذه الصواريخ من التجّار بأسعارٍ باهظة، وهو ما أثار ضجّة كبيرة بين المقاتلين.
البيع عبر الإنترنت
انتشرت ظاهرة الاتجار بالسلاح عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ومجموعات خاصة على تطبيقي "واتساب" و"تليغرام" للتواصل بين البائعين والمشترين، ورصد معد التحقيق عشر صفحات من بينها "سوق الشمال الأول لتجارة الأسلحة" و"سوق إدلب"، و"سوق سرمدا"، وبسبب تزايد عمليات التجارة، وما نتج عنها من انفلات وجرائم، أصدرت المؤسسة الأمنية التابعة للجبهة الشامية (كيان مسلح ينشط في الشمال السوري) بياناً بفتح باب الترخيص للمدنيين لضبط انتشار السلاح، بعد وقوع حوادث كثيرة راح ضحيتها العديد من الأرواح، في ظل تزايد مبيعات السلاح وعمل أطفال في محال البيع، كما يقول الناشط الإعلامي عبد اللطيف إدلبي (اسم مستعار حفاظاً على أمنه الشخصي)، والذي قال لـ"العربي الجديد" إنه لاحظ خلال الفترة الماضية ظهور متاجر صغيرة كثيرة للأسلحة يوجد فيها ما بين 10 و20 قطعة سلاح وسط الأحياء السكنية، لكن المؤسسة لم تتابع تنفيذ ذلك الأمر.
ويقر الرائد حسيان بتفاقم الظاهرة حتى وصل الأمر إلى رصد عمليات بيع لرشاشات "بي كي سي" (سلاح متوسط)، عبر الإنترنت، ومن بين من يعملون في تجارة هذا النوع من السلاح التاجر أبو أحمد، والذي بدأ تجارته قبل اندلاع الثورة السورية، على الرغم من المخاطر العالية وقتها، إذ يعاقب القانون السوريّ بالسجن من خمس سنواتٍ إلى خمس عشرة سنةً، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ثلاثة أمثال قيمة الأسلحة أو الذخائر المضبوطة ولا تزيد على عشرة أمثالها، لكل من هرّب أو شرع في تهريب أسلحةٍ أو ذخائر بقصد الاتجار فيها، وكلّ من حاز أسلحةً أو ذخائر وهو عالمٌ بأنها مهرّبةٌ بقصد الاتجار أو الاستخدام ويحكم على الشريك والمتدخل بعقوبة الفاعل الأصليّ.
ويحصل أبو أحمد على السلاح من مناطق النظام عبر عسكريين كانوا يبيعونه قطعة أو اثنتين قبل الثورة، لكنهم الآن باتوا قادرين على توفير احتياجاته من مختلف الأنواع عبر نهب السلاح المخصص لما يسمى بلجان الدفاع الوطني، حتى ازدهرت تجارته وزاد المعروض، ما خفّض سعر الكلاشينكوف إلى 450 دولاراً بدلاً من 1800 دولار، بينما انخفض سعر أسلحة القنص الخفيفة من طراز "درغانوف" إلى ألف دولار، بعد أن كان ثمنها لا يقل عن 2300 دولار، فيما انخفض سعر طلقة الكلاشينكوف إلى نصف دولار بدلاً من دولارين.
الشرطة الحرة عاجزة عن مواجهة الظاهرة
على الرغم من وجود 32 مركزاً للشرطة الحرة في أرياف محافظة إدلب الشمالية والجنوبية وخمسة مراكز في المخيّمات الشمالية، إلا أن قدرتها محدودة في التعامل مع الفوضى الناتجة عن تجارة السلاح، بسبب عدم امتلاك هذه المراكز السلاح اللازم لمواجهة الظاهرة المستفحلة، كما يقول الرائد حسيان، مشيراً إلى أنه في حال طُلب منهم التعامل مع أحد المطلوبين المسلّحين، فإنهم يطلبون مؤازرة من عناصر المعارضة المسلّحة لتساعدهم في القبض عليه، وتابع قائلاً "الكلاشينكوف والمسدسات المباعة عبر تلك المحال تستخدم في الجرائم الجنائية بكثرة، ما رفع من معدلات جرائم السرقة والسلب والقتل والشروع في القتل".
ويشير رئيس قسم الإعلام في شرطة إدلب الحرة إلى أن بعض هذه المحال تبيع السلاح للأطفال، ما أدى إلى ارتكاب عدد منهم لجرائم القتل والنهب، من بينهم حالة لطفل قتل والده وشقيقه بعد شجار بينهما في جسر الشغور، معترفاً بصعوبة ضبط متاجر بيع السلاح في المحافظة والشمال السوري، لعدّة أسبابٍ أبرزها كما يقول "إن هذه المحال لا تعمل وفقا لقانون أو ترخيص ولا يوجد أي ضابط على عملها أو قوانين منظمة"، لافتاً إلى أنه حتّى لو جرت مكافحة المحال، فإن أصحابها من الممكن أن يقوموا بإقفالها والبيع في منازلهم.
ويقر الرائد حسيان بصعوبة التعامل مع هذا الموضوع الكبير في ظل الفوضى القائمة، مضيفاً أن حلّ هذه الإشكالية مرتبطٌ بحل الأزمة السورية ونزع المظاهر المسلّحة بشكلٍ عام، أو قيام الكيانات المسلحة الناشطة في المنطقة بمتابعة هذه المحال ووضع ضوابط لعملها والحد من سهولة بيع السلاح للمدنيين.
وتعد فاطمة واحدة من بين 33 ضحية لجرائم شروع في القتل جرت خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى إبريل/ نيسان من عام 2017، فيما وقعت 25 جريمة قتل خلال الفترة ذاتها، وفق ما يؤكد الرائد حسين حسيّان، رئيس قسم الإعلام في شرطة إدلب الحرّة لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن تزايد نسبة ارتكاب الجرائم يرجع إلى سهولة اقتناء الأهالي للسلاح، ما أدى إلى وقوع 5218 جريمة تم ضبطها خلال تلك الفترة، بحسب إحصاء موثق لعدد ونوعية الجرائم المرتكبة في محافظة إدلب وحدها.
ويكشف الإحصاء أن 1142 جريمة مرتكبة في المنطقة جرت باستخدام السلاح، وعلى رأسها جرائم السرقة والسلب، والتي بلغت 571 جريمة، والإيذاء 156 حالة والمشاجرة باستخدام السلاح 272 حالة، والخطف 15 حالة، والإخفاء القسري 16 حالة، وتخريب الممتلكات 112 حالة.
سوق مفتوح للسلاح الخفيف والثقيل
تنتشر متاجر السلاح في محافظة إدلب وعموم المناطق المحررة في الشمال السوري، وتبيع تلك المتاجر الأسلحة الخفيفة والبيضاء والذخائر المتنوعة وأسلحة الصيد، إضافة إلى الألبسة العسكرية والشعارات وأعلام الجهات المقاتلة وأجهزة اللاسلكي، "حتى أصبح عدد محال بيع السلاح يقارب عدد محال البقالة"، وفق إفادة الناشط الحقوقي في مدينة إدلب أحمد سرميني، والذي تابع موضحاً أن عدد هذه المحال يصل إلى 200 متجر في محافظة إدلب وأريافها، تتفاوت فيما بينها من حيث الأنواع وتطوّر السلاح الذي تبيعه، إذ يعرض بعض تلك المحال مناظير ليلية وحرارية، وحتى وصل الأمر إلى قيام بعضها ببيع الأسلحة المتوسّطة ويمكنه حتى تأمين الأسلحة الثقيلة"، وهو ما يؤكده كذلك الرائد حسين حسيّان، والذي لفت إلى أن صفقات بيع السلاح الثقيل مثل صواريخ كونكورس الموجهة، والصواريخ المضادة للدروع وصواريخ "أرض-أرض"، لا تتم بشكل علني في المحلّات العادية كما هو الحال في الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة.
وبسبب وقوع صفقات من هذا النوع، أصدرت هيئة تحرير الشام (تشكيل عسكري يتكوّن من فصائل مسلحة عدة منتشرة في شمال سورية)، تعميماً إدارياً موجهاً إلى حواجزها العسكرية المنتشرة في الشمال السوري في السابع من مايو/ أيار الماضي، يمنع الاتجار وحمل الصواريخ الثقيلة، وتنصّ الوثيقة الممهورة بختم "هيئة تحرير الشام" والصادرة عن القيادة العسكرية، على "منع حمل وتجارة صواريخ "م. د" (سلاح موجّه مضاد للدروع) وصواريخ "غراد" في مناطق الشمال المحرّر، وفي حال التجاوز يُحال الأمر إلى القضاء".
المقاتل السابق، والذي رفض الكشف عن هويته، أبلغ معدّ التحقيق أن المرّة الأولى التي تم تداول هذا التعميم بها، كانت قبل عام، بعد نقص حاد في الأسلحة الثقيلة، تحديداً الصواريخ، خلال المعارك التي كانت تشهدها مدن ريف حلب الجنوبي، ما اضطر المعارضة إلى شراء هذه الصواريخ من التجّار بأسعارٍ باهظة، وهو ما أثار ضجّة كبيرة بين المقاتلين.
البيع عبر الإنترنت
انتشرت ظاهرة الاتجار بالسلاح عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ومجموعات خاصة على تطبيقي "واتساب" و"تليغرام" للتواصل بين البائعين والمشترين، ورصد معد التحقيق عشر صفحات من بينها "سوق الشمال الأول لتجارة الأسلحة" و"سوق إدلب"، و"سوق سرمدا"، وبسبب تزايد عمليات التجارة، وما نتج عنها من انفلات وجرائم، أصدرت المؤسسة الأمنية التابعة للجبهة الشامية (كيان مسلح ينشط في الشمال السوري) بياناً بفتح باب الترخيص للمدنيين لضبط انتشار السلاح، بعد وقوع حوادث كثيرة راح ضحيتها العديد من الأرواح، في ظل تزايد مبيعات السلاح وعمل أطفال في محال البيع، كما يقول الناشط الإعلامي عبد اللطيف إدلبي (اسم مستعار حفاظاً على أمنه الشخصي)، والذي قال لـ"العربي الجديد" إنه لاحظ خلال الفترة الماضية ظهور متاجر صغيرة كثيرة للأسلحة يوجد فيها ما بين 10 و20 قطعة سلاح وسط الأحياء السكنية، لكن المؤسسة لم تتابع تنفيذ ذلك الأمر.
ويقر الرائد حسيان بتفاقم الظاهرة حتى وصل الأمر إلى رصد عمليات بيع لرشاشات "بي كي سي" (سلاح متوسط)، عبر الإنترنت، ومن بين من يعملون في تجارة هذا النوع من السلاح التاجر أبو أحمد، والذي بدأ تجارته قبل اندلاع الثورة السورية، على الرغم من المخاطر العالية وقتها، إذ يعاقب القانون السوريّ بالسجن من خمس سنواتٍ إلى خمس عشرة سنةً، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ثلاثة أمثال قيمة الأسلحة أو الذخائر المضبوطة ولا تزيد على عشرة أمثالها، لكل من هرّب أو شرع في تهريب أسلحةٍ أو ذخائر بقصد الاتجار فيها، وكلّ من حاز أسلحةً أو ذخائر وهو عالمٌ بأنها مهرّبةٌ بقصد الاتجار أو الاستخدام ويحكم على الشريك والمتدخل بعقوبة الفاعل الأصليّ.
ويحصل أبو أحمد على السلاح من مناطق النظام عبر عسكريين كانوا يبيعونه قطعة أو اثنتين قبل الثورة، لكنهم الآن باتوا قادرين على توفير احتياجاته من مختلف الأنواع عبر نهب السلاح المخصص لما يسمى بلجان الدفاع الوطني، حتى ازدهرت تجارته وزاد المعروض، ما خفّض سعر الكلاشينكوف إلى 450 دولاراً بدلاً من 1800 دولار، بينما انخفض سعر أسلحة القنص الخفيفة من طراز "درغانوف" إلى ألف دولار، بعد أن كان ثمنها لا يقل عن 2300 دولار، فيما انخفض سعر طلقة الكلاشينكوف إلى نصف دولار بدلاً من دولارين.
الشرطة الحرة عاجزة عن مواجهة الظاهرة
على الرغم من وجود 32 مركزاً للشرطة الحرة في أرياف محافظة إدلب الشمالية والجنوبية وخمسة مراكز في المخيّمات الشمالية، إلا أن قدرتها محدودة في التعامل مع الفوضى الناتجة عن تجارة السلاح، بسبب عدم امتلاك هذه المراكز السلاح اللازم لمواجهة الظاهرة المستفحلة، كما يقول الرائد حسيان، مشيراً إلى أنه في حال طُلب منهم التعامل مع أحد المطلوبين المسلّحين، فإنهم يطلبون مؤازرة من عناصر المعارضة المسلّحة لتساعدهم في القبض عليه، وتابع قائلاً "الكلاشينكوف والمسدسات المباعة عبر تلك المحال تستخدم في الجرائم الجنائية بكثرة، ما رفع من معدلات جرائم السرقة والسلب والقتل والشروع في القتل".
ويقر الرائد حسيان بصعوبة التعامل مع هذا الموضوع الكبير في ظل الفوضى القائمة، مضيفاً أن حلّ هذه الإشكالية مرتبطٌ بحل الأزمة السورية ونزع المظاهر المسلّحة بشكلٍ عام، أو قيام الكيانات المسلحة الناشطة في المنطقة بمتابعة هذه المحال ووضع ضوابط لعملها والحد من سهولة بيع السلاح للمدنيين.