شكّل رحيل الممثل الهندي الشاب سوشانت سينغ راجبوت (1986 ـ 2020)، انتكاسة حقيقية للصناعة السينمائية الهندية، المهتمّة ـ منذ الألفية الجديدة ـ بجيلٍ جديد قادمٍ من المسلسلات الدرامية الهندية إلى السينما. وذلك بسبب الإنتاجات الكثيرة للدراما، رغم هشاشة صُوَرِها وفقرها الإبداعي، مقارنة مع أفلامٍ صنعت مجد التاريخ الهندي وذاكرته في مخيال شعوب عربيّة كثيرة.
الدراما الهندية لم تنجح في صنعِ مغايرٍ وغير مألوف، فباتت الساحة الفنية كأنّها مُسلسل دراميّ واحد، أُنجز منذ سبعينيات القرن الـ20، وكأنّ آلاف العناوين والمسلسلات الدرامية أجزاء مسلسل واحد، لتشابه القصص والحكايات والقوالب الفنية والمؤثّرات البصرية وأساليب التصوير والمعالجة الفنية.
في المقابل، يتوفّر لهذه الدراما ممثلون شباب مهمّون، كسوشانت سينغ راجبوت، أحد مجدّدي الدراما، الذين فتحوا لها آفاقاً جديدة، تجسيداً وحركة. لكنّه اختفى سريعاً بسبب رتابة العمل فيها، منتقلاً إلى السينما، بحكم جودة العمل فيها وتنوّعه وانتشاره، ما يُتيح للمرء إمكانية أكبر للتعبير عن موهبته الفنية عبر أفلام سينمائية عدّة يُشارك فيها خلال عامٍ واحد، لغزارة التصوير الذي تشهده السينما البوليوودية. هذا جعل راجبوت يتفرّغ لها بعد نجاح باهر له في المسلسلات.
رغم نجاحه الدرامي، ظلّت السينما تستهويه، فالدراما مرحلة تجريبٍ في حياته صقلت موهبته وحركاته ورقصاته، خاصّة أنّه ينتمي إلى جيلٍ دَرَسَ الفنّ السينمائيّ وغذى وجدانه الفني بتيارات فنية معاصرة، بدأت ملامحها تبرز في الأفلام الهندية الأخيرة، على مستوى الإكسسوارات والموضة والغناء والرقص والعزف، قياساً إلى أجيالٍ سابقة وجدت نفسها صدفة في مجال التمثيل.
يُذكر أنّ راجبوت عانى مظاهر استبدادٍ فنيّ أثرت على السينما أيضاً في الأعوام الأخيرة. وتجسّد هذا الاستبداد باحتكار العائلات السينمائية الهندية العريقة لها. فالعائلات تدفع أبناءها إلى التمثيل بدعم أفلامهم وإنتاجها، ما ساهم في بروز أسماء عدّة من دون موهبة فنية. هكذا غدت أعمالهم فولكلوراً سينمائيّاً، يكتسح العالم الأيقوني في المجتمع الهندي، من أفلام ومسلسلات وإشهارات وسهرات وبرامج فنية، فقط بسبب الانتماء إلى عائلات خان أو كابور أو كومار أو شوبرا. أسماء ذات أداء استعراضي وعضلي أثّرت، بشكل كبير، على الصناعة السينمائية الهندية الجديدة، وجعلتها ترفيهية وعائمة في الاستهلاك والصخب والتصحّر.
ومع تهافت هذه العائلات العريقة على السينما، استطاع سوشانت سينغ راجبوت، مع شباب آخرين كشَاهد كابور، ورانبير كابور، ورانفير سينغ، وأرجون كابور، انتزاع اعتراف مخرجين عديدين، لقدرته على تأدية أدوارٍ مختلفة، شكلاً ومضموناً، تبدأ بالسهل والتلقائيّ ذات الطابع الرومانسي، وتنتهي بالأكثر تركيباً، وبما يتطلّب تماهياً كلّياً مع الشخصية، كما في Sonchiriya لأبهيشيك شاوبي (2019).
ففيه، تفاعل رادبوت بشكل أقوى مع الدور، على صعيد قوّة الحركة والتوغل أكثر في فهم سيكولوجية شخصيته تلك، المنضوية في عصابة "مان سينغ"، التي اشتهرت بطرد القبائل الهندية في القرن الـ20، ونشر الرعب في صفوفها، وسرقة ممتلكاتها؛ إذْ صوّر شاوبي الحكايات بطريقة درامية، تُبرز حرص العصابة على التمرّد على السلطة التقليدية في تلك القبائل، وعلى أعرافها وقوانينها، بشكل يُظهر براءة قائد عصابة مان سينغ، وشعوره بالذنب والعار جرّاء ما يفعل أمام شبح طفلة صغيرة، يُطارده أينما ارتحل. لكنّ عناصر الشرطة تؤجّج الفيلم بفضل المُطاردات.
أدّى راجبوت في هذا الفيلم دور صديق زعيم العصابة (مانوج باجباي)، ومع هذا برز بشكل أقوى بفضل حركاته ومطارداته وقدرته المُذهلة على التسلّل إلى وجدان المُشاهد. شخصيته الهادئة وطريقته في التمثيل وعدم تصنّعه في تأدية أدوارٍ رومانسية، ميّزته في جيله، فهو لا يُغلّب الاستعراض الفني في أدواره ولا يستعرض عضلاته.
حنكته تتبدّى جيداً في الرقص بوصفه عنصراً جمالياً مُكمِّلاً، والممثل الناجح في السينما الهندية الجديدة هو من يُجيد الرقص والغناء إلى جانب التمثيل، وفهم المستجدّات الجمالية والقوالب الموسيقية العالمية ورقصاتها المعاصرة، التي بدأت تكتسح السينما الهندية، وتجعلها في تشابك كلّي مع التيارات المعاصرة. هذا ما فَطِنَ إليه سوشانت سينغ راجبوت واشتغل عليه في أدواره الرومانسية، محرّراً غالبية أفلامه من سُلطة الأجيال السابقة ونجومها، بطريقة التمثيل والتمجيد الأعمى لكلّ ما استحدثوه في السينما الهندية، وإنْ كان مُتواضعاً، منذ ستينيات القرن الـ20 إلى الآن.