يقف مسرح المخرجة الأردنية سوسن دروزة (1962) على أرضية الظواهر اليومية، يتأمل في تصرّف الناس بالحياة، فالواقع هو الكتاب الذي تقرأ منه، وهو الورشة التي تجمع فيها ملاحظاتها، وتسجّلها لتصنع منها عملاً جديداً.
من هذا الباب يمكن تلقي وفهم مسرحيتها الجديدة، "ونحن نسامح"، التي يختتم بها مهرجان المسرح الأردني عروض دورته الحادية والعشرين اليوم.
تطرح دروزة في المسرحية، وهي من صياغة وتمثيل أحمد العمري والحاكم مسعود، مجموعة من أسئلة الراهن العربي: "محاولة لتفكيك فكرة التطرف، والعنصرية، وخطاب الكراهية، وغيرها من المفردات التي باتت تهدّد بنية المجتمع العربي"، تقول دروزة لـ "العربي الجديد". وتعتبر أن المسرحية "قراءة للحراك الاجتماعي، والظواهر الأكثر حضوراً في الوجدان الجمعي، يصار إلى صهرها في نص جديد، وبعد عصفٍ ذهني في ما يشبه ورشة مفتوحة، يتولد عمل جديد".
من خلال قصة واقعية لشخصية تتعرض لحادثة مؤلمة، بسبب اختلافها، تدفعها إلى الانتقام "تسعى المسرحية إلى الاقتراب من فكرة "مسرح العنف" بدايةً، وتفكيكه تالياً"، بتعبير دروزة.
اقتُبست "ونحن نسامح" من نص للكاتب الأسترالي توم هولواي، الذي وقع عليه اختيار المخرجة لأنه "يشتبك مع ما يمرّ به المجتمع العربي في الراهن، من حيث الشروخ الاجتماعية وفكرتي الانتقام والتطرف".
وتشير دروزة إلى أنها قامت تالياً "بتضمين المسرحية قصصاً واقعية من حياة الممثلين". وتصف العمل بأنّه "رجل واحد/ شخصيتان. مذبح وطقوس انتقام، في واقع سوريالي ينزف دماً. محاولات لرتق منظومة أخلاقية تنشطر.. وتأرجح في عالم من شظايا.. أن نسامح؟ هل يعني ذلك شيئاً؟".
يفصل دروزة عن عملها الأول ربع قرن تقريباً، إذ كانت أول مسرحية لها كمخرجة، بالتشارك مع هاني صنوبر، "مدينة بلا قلب" عام 1986. قدّمت بعدها مجموعة من الأعمال المسرحية، مثل "لا على الترتيب أو الخبز اليومي" و"ذاكرة صناديق ثلاثة" و"تراب وأرجوان"، إضافة إلى رصيد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية. أكثر من عقدين مع المسرح، تقلّب أبو الفنون خلالها بين أحداث وتغيرات كثيرة، لعلّ أبرزها دخول وسائل بصرية جديدة، أو ما يعرف بالميديا (فيديو وصور فوتوغرافية)، التي كانت المخرجة نفسها استخدمتها في "مصابة بالوضوح"، واحدة من مسرحياتها السابقة (2004).
عن هذه التجربة، تؤكد دروزة على ضرورة وجود شروط فنية لذلك الاستخدام: "أصبحت الميديا في المسرح الجديد مجرد موضة، على اعتبار أنها تعكس نوعاً من الحداثة".
وتضيف صاحبة "أضواء أريحا" أن هناك "استسهالاً في استخدام هذه الوسائل، من دون أن يكون لها علاقة فعلية بفكرة وروح المسرحية، غير أن للمسرح، قبل الميديا وبعدها، سحره الخاص".
وفي بحثها عن تفعيل أثر هذا السحر، أسست دروزة "المعمل 612 للأفكار"، متطلعةً إلى "عمل منظم ومحترف، ذي ديمومة، ويستطيع مخاطبة قاعدة عريضة من الجمهور". يتوجه "المعمل"، وفق دروزة، نحو المشاريع الجماعية ذات الطبيعة الملحّة فنياً واجتماعياً وسياسياً، ويستقطب مسرحيين من المنطقة العربية والعالم، لتطوير نواة مشاريع، بهدف الإسهام في رسم صورة جديدة إيجابية عن الإنسان العربي وعقله".
في السياق ذاته، نظّمت مخرجة مسرحية "الحادثة" - التي تناولت فيها أحداث الربيع العربي (2011) - "مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان" قبل خمسة أعوام بالتعاون مع فنانين آخرين. وبحسب دروزة، فإنه "المهرجان السينمائي الدولي الأول لأفلام حقوق الإنسان، الذي نتطلع من خلاله إلى إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي عبر إلقاء الضوء على انتهاكات الحقوق، وعلى نضال الإنسان من أجل كرامته".