سوريو باريس.. إعادة إنتاج الحلم

11 مارس 2015
المبادرات الشعبية الفرنسية لمساعدة الشعب السوري في تصاعد (أ.ف.ب)
+ الخط -

تختلف أشكال نضال الشباب السوري اللاجئ إلى فرنسا من أجل بلده وثورته، على بعد أربع سنوات من انطلاق الحراك السوري. تغيير كان ضروريا لتعقد التشابكات السياسية الفرنسية، وتراكم الأحداث على الأرض السورية. شبابٌ يخوضون كل المحافل الفرنسية من أجل المتابعة والدعم والمرافعة لصالح مستقبل بلدهم، رغم حاضرها المُر.

تخبرنا معطيات المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين، أن عدد السوريين الذين طلبوا اللجوء في فرنسا منذ سنة 2011، يصل إلى عشرة آلاف فرد. تمت الاستجابة لأغلبهم، سواء عبر قبول اللجوء، أو منح تأشيرات إقامة مختلفة الأنواع في البلد المضيف. وهي أرقام قياسية مقارنة بالسنوات السابقة، في إطار رغبة الدولة الفرنسية في التأكيد على أنها "صديقة للشعب السوري".


لحظة العبور

محمد أمجد الديك، مُعتقل سابق في سجون الأسد منذ 2011، من مدينة دوما. قدم قبل شهرين فقط إلى فرنسا، "بعد أربع سنوات من القلق المستمر، أنا أستعيد الآن إحساسي بالأمن. في بلد قانون كفرنسا أحس بالأمن، ما لم أحسسه في بلدي طيلة سنوات. وهو إحساس يعوضني عن تعقد الإجراءات لاستكمال اللجوء".

شارك محمد أمجد في عدة مجموعات حقوقية، تعنى بتوثيق جرائم النظام السوري، في مدينته والمدن المجاورة، ومن بينها آثار الدمار والموت الذي خلفه قصف قوات النظام لعدة مناطق بالأسلحة الكيماوية. كما عمل متعاونا كمُصور مع وكالة الأنباء الفرنسية واليونسيف، وعن اختياره لفرنسا بلدا للجوء دون غيرها "خرجت من السجن، ثم ساعة أحسست بالخطر الشديد، قررت مغادرة دوما المحاصرة، ثم من سورية، ثم باتجاه لبنان، لأصل مؤخرا إلى فرنسا. قدمت لفرنسا تحديدا لأني طالب قانون، وأردت أن أستأنف دراستي، وأنا الآن أعمل على تحسين مستواي في اللغة بغية ذلك".


الشباب بدءاً

خرجت في مارس/آذار 2011 مجموعة من خمسة وعشرين شابا، تضامنا مع الشعب السوري، وهو الرقم الذي صار يكبر تدريجيا، إلى أن قُرر عقد اعتصام يوميا طيلة صيف 2011، وهو ما تبعته وقفة أسبوعية ما تزال مستمرة، في باريس، عشية كل يوم سبت، في ساحة الليهال قرب نافورة الأبرياء.

ووصلت المسيرات إلى الآلاف من المتظاهرين، أمام تراكم جرائم النظام السوري، واستفاد الشباب من حماسة جزء من أحزاب اليسار، والجاليات المغاربية قوية الحضور في فرنسا، وأسندتهم في ذلك مجموعة من الجمعيات والهيئات المدنية من بينها بلدية باريس، التي قبلت السنة الماضية كتابة عبارة "مع السوريين" ضوئيا على برج إيفل.


نكسة كيماوية

وقع التراجع الأكبر في عدد المشاركين في المظاهرات سنة 2013، وتحديدا بعد التهديد الأميركي بتوجيه ضربات للأسد وإرسال فرنسا وأميركا لبارجة حربية. إذ امتنع الحزبان الشيوعي والاشتراكي الفرنسيان عن توقيع البيانات ودعوات التظاهر منذ ذلك التاريخ، على الرغم من أنهما كانا متحمسين للمساعدة بمختلف الأشكال قبل ذلك. كما تقلص حضور الشباب العرب والمغاربيين في الأنشطة التضامنية مع الثورة السورية. الطرفان اللذان كانا يشكلان ركائز للوقفات والمسيرات والأنشطة السابقة.

يعيدنا لتلك اللحظة الشاب مجد عيد، وهو أحد الناشطين السوريين في فرنسا، "للأسف التهديد الأميركي أخاف مجموعة من الفرنسيين وجعلهم يعودون للاقتناع بأساطير أن هذا النظام الإجرامي هو نظام ممانع. قتل النظام الأسدي 1500 ضحية في صبيحة أحد الأيام، عبر براميل الكيماوي. وتم التهديد الفارغ من أميركا وبقية الغرب. لكنهم عادوا عنه بعد أن أخافوا الناس، فلا هم ضربوه وخلصونا من إجرامه، ولا هم امتنعوا عن إعطائه مبررات لتغطية جرائمه عبر الشعارات الجوفاء".

ويعتبر مجد أن النظام الأسدي يستفيد من شبكة علاقات، بناها تاريخيا عبر جزء واسع من الشباب الذين يمنحهم منحا دراسة، ويكونون غالبا من المنتمين لحزب البعث وتتحكم فيهم أجهزة المخابرات. هذه المجموعات التي تخترق قطاعا واسعا من الإعلام الفرنسي وتساهم في التعتيم وتزوير الحقائق. والآن يتم استغلال فزاعة داعش وبقية الإرهابيين لإخافة الفرنسيين، خاصة بعد أحداث شارلي إيبدو الإجرامية.


سُبل عدة

ويلاحظ على الرغم من تقلص أعداد المبادرات الاستعراضية، كالمسيرات الحاشدة، فالمبادرات المختلفة تتزايد، لمساعدة الشعب السوري، من بينها الجهد الإغاثي والطبي وجمع التبرعات ومساعدة اللاجئين. كما يتم تنظيم مزادات لمنتجات مخيمات اللاجئين السوريين يعود ربحها للاجئين أنفسهم. وتنظيم الندوات والدراسات والأنشطة في التعريف بالقضية وأسماء ضحاياها ومعتقليها وشهدائها وأعدادهم، "تلك الأعداد التي تشكل الشيء الوحيد الذي لا يتوقف عن التكاثر كل يوم" حسب مجد.


(المغرب)

المساهمون