سوريون يحلمون بمنزل

21 يناير 2019
هكذا يعيش خلال الشتاء (محمد عبدالله/ الأناضول)
+ الخط -
يعيش مئات آلاف السوريين في مخيّمات تنتشر في شمال وشمال شرق سورية. هذه الخيام لا تقيهم البرد وتسرّب الأمطار، ليتحول العيش في غرفة من الخرسانة (الباطون) إلى حلم جميل بعيد المنال. يعيش أبو فارس المبيض، وهو رجل في الخمسينيات من العمر، مع أبنائه الخمسة وزوجته داخل إحدى الخيم. لا يمكن لجميع أفراد العائلة شراء ملابس تمنحهم الدفء. وسط الخيمة موقد صغير يضعون فيه كل ما قد يشعل النار. جدران الخيمة عبارة عن شوادر من النايلون، أو بطانيات علّها تمنحهم بعض الدفء. يتحدّث لـ "العربي الجديد" عن معاناته وعائلته منذ نحو أربع سنوات، في خيمته التي صارت ملجأه الوحيد بعدما نزح من بلدته. يقول إنه يحاول منع المياه من الدخول إليها، من خلال رفع ساتر ترابي من حولها أو قنوات لتغيير مسار المياه ومنع تسلّلها إلى الداخل. حالياً، لا يعرف ماذا حل بمنزله، والمدفئة الكبيرة التي كان يملكها والفرش وإطلالة شرفته. في ما مضى، كان يستمتع بتأمل منظر الثلوج من خلف زجاج الشرفة. أما اليوم، فصار المطر والثلج بمثابة كارثة.

يحلم أبو فارس بالعودة للسكن في منزله، أو أي منزل يكون له جدران وسقف إسمنتي ونوافذ وأبواب تمنع عن عائلته المطر والثلج والبرد. ويقول إنّ الحياة في الخيمة كالعيش في العراء. "من يمر قرب الخيمة قد لا يرى وجوه الناس، لكن سيسمع صوت صرير أسنانهم من البرد".
من جهته يقول رامي جابر، وهو شاب ثلاثيني نزح من جنوب دمشق إلى أحد المخيمات في ريف حلب شمال سورية، لـ "العربي الجديد": "لم أتخيّل يوماً أن أعيش ما أعيشه اليوم. منذ ولادتي، أعيش في دمشق، أكثر المدن السورية حركة وحياة. اليوم، أسكن خيمة في منطقة معزولة بالكاد يسمع فيها صوت دراجة نارية أو سيارة. والخيمة أشبه بقبر يتلاعب فيه الهواء، والمطر يجعل أرضها موحلة. أحلم باليوم الذي أخرج فيه منها. أحلم بالانتقال للعيش في منزل كالذي كنت أعيش به في دمشق. لكن ما يجبرني على العيش في هذه الخيمة هو الفقر. أنا عاطل من العمل، وبالكاد أستطيع تدبّر أمري". يضيف: "ما يفكر فيه القاطن في الخيمة في فصل الشتاء هو كيفية تثبيتها، ومنع المياه من التسرب إليها. يومياً، يردد سكان المخيم على مسمعي: متى يمنّ علينا الله ويخلصنا من العيش في الخيم؟ الخيمة وسلّة المساعدات من أصعب أشكال القهر الذي نعانيه اليوم".



أما أبو سامي الفوال، وهو في الأربعينيات من العمر وأب لثلاثة أطفال ونازح من الغوطة الشرقية، فيقول لـ "العربي الجديد": "بعد نزوحنا من الغوطة الشرقية، انتقلنا إلى مخيّم مؤقت كان يفصل بين النساء والرجال. كانت أياماً سوداء. يكفينا تركنا منازلنا وأرضنا". يضيف: "بعد أيام، نقلنا إلى مخيّم آخر في ريف حلب، وأُعطينا خيمة بالكاد اتسعت لنا. لم أكن أستطيع النوم غالباً، مع أنني عشت فترة طويلة في الملجأ في الغوطة. لم أترك أحداً من أصدقائي من دون أن أسأله أن أنتقل إلى منزل ولو كان من دون كساء. لكن على الأقل لا طين فيه ولا ريح تلعب بجدرانه".

يتابع: "قبل فترة، انتقلت للعيش في قبو في مدينة الباب على الرغم من عدم وجود أي نافذة، وغير ذلك من المشاكل. لكن يبقى ذلك أفضل ألف مرة من الخيمة التي لا تقي الحرّ أو البرد أو المطر، ولا تحافظ على خصوصية العائلة، عدا عن مشكلة المراحيض الجماعية وعدم وجود مكان للطبخ. لكن الحمد الله، الوضع اليوم أفضل قليلاً، وهناك وعود ببناء وحدات سكنية لنا".

مصطفى الحمصي، وهو أب لطفلتين، نزح من ريف حمص إلى مخيم الركبان في عمق البادية على الحدود السورية الأردنية منذ نحو ثلاث سنوات. يحلم بأن يعيش في منزل حاله حال أي إنسان. يقول لـ "العربي الجديد": "حين وصلت إلى مخيم الركبان هارباً مع عائلتي من الأعمال العسكرية والقصف، كنت أحلم بخيمة تجمعني مع عائلتي بأمان، لكن سرعان ما اكتشفت أنني سأعيش عذاباً يومياً، خصوصاً أن الخيمة لا تحمي أطفالي من درجات الحرارة المرتفعة ولا الصقيع ليلاً ولا العواصف الرملية".



يضيف: "عشت المعاناة خلال العام الأول من وجودي في المخيم. في أحد الأيام، كان هناك رياح شديدة اقتلعت الخيمة، وقررت بناء غرفة من طين. بالفعل، أرسل لي أحد أشقائي الذي يعيش خارج البلاد مبلغاً صغيراً من المال لأبني الغرفة. لكن حتى كلفة غرفة الطين كبيرة علينا. جئنا إلى المخيم بما علينا من ملابس. ولولا المعونة التي أحصل عليها من أشقائي، والمساعدات التي توزع في المخيم لكنت متّ من الجوع". يلفت إلى أنه يحلم كثيراً بمغادرة المخيم، وغرفة الطين، ويعيش في منزل فيه مياه ساخنة ومرحاض ونوافذ زجاجية بدلاً من النايلون، وأن يتمكن طفلاه من الذهاب إلى المدرسة، وأن يعود إلى عمله في النجارة.