على خطى الشباب الأتراك الذين راحوا يلجؤون إلى الأعراس الجماعية، يتجّه السوريون في تركيا إلى الأمر نفسه هرباً من العنوسة المتزايدة. وتتكفّل جمعيات أهلية بالنفقات
رفعت الظروف المعيشية في تركيا سنّ الزواج بين اللاجئين السوريين، وصار يُحكى عن عنوسة الرجال بين ما يزيد عن 510 آلاف سوري تتراوح أعمارهم ما بين 20 و25 عاماً. وهو ما دفع جمعيات سورية وتركية إلى البحث عن طرق تشجّع السوريين على الزواج، من قبيل تحمّل تكاليف الزفاف وتقديم أثاث المنزل. بالنسبة إلى تلك الجمعيات، فإنّه لا بدّ من التحرّك للحد من عزوف الشباب السوريين عن الزواج وتقليل المخاطر والانزلاقات الناجمة عن العزوبية بحسب رأيها.
وتحت عنوان "بشرى سارة للسوريين"، تعلن جمعيات عن تغطيتها كل تكاليف الزفاف للراغبين في الزواج وإقامة عرس جماعي في مدينة إسطنبول من دون فرض أيّ شروط، باستثناء أن يكون العريس دون الأربعين من عمره وغير متزوج سابقاً، بالإضافة إلى موافقة العروسَين على الظهور إعلامياً.
"اللمة السورية" هي المعنية بمشروع العرس الجماعي، فيتحدث مسؤول التنظيم فيها محمد نزار عن أسباب سعي جمعيتهم إلى تزويج السوريين. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة أسباباً عدّة وراء هذا المشروع، لعلّ أوّلها توصّلنا بعد البحث والاستطلاعات والتقصي إلى أنّ سنّ الزواج ارتفع بين السوريين نتيجة غلاء المعيشة بتركيا وتدني أجور معظم الشباب السوريين، وهذا ما يجعلهم بمعظمهم يعزفون عن الزواج أو يؤجلونه". يضيف نزار أنّ "الوضع النفسي للسوريين من جرّاء الحرب، والأوضاع الاجتماعية، وتشتت الأسر، أسباب أخرى تؤخّر الزواج. ومن هنا، أتت فكرة اللمة السورية التي دعمتها جمعيات تركية ودعمتها، بهدف تزويج السوريين ومساعدتهم في تكوين أسر".
وإعلان الجمعية يتضمّن كذلك تغطية تكاليف "العرسان الجدد"، فيوضح نزار أنّهم سوف يضمّون في العرس الجماعي عرساناً متزوجين حديثاً ويتكفّلون بالأعباء المادية الخاصة بهم من أثاث منزلي وبالإضافة إلى لباس العرس، لأنّهم مقصّرون بحسب ما يقول، "فنحن تأخّرنا في تحديد موعد العرس الجماعي لأسباب تتعلّق بالتمويل". إلى ذلك، يؤكد نزار أنّ "لا علاقة لهذا المشروع بانتقاء الشركاء. فشرط المساعدة هو أن يكون العروسان متفقين على الزواج وعمرهما دون الأربعين ويحملان بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) أو جواز سفر سوريا أو أيّ وثيقة سورية أخرى".
وفكرة عرس جماعي للعرب في تركيا ليست جديدة، فقد شهد العام الماضي في الشطر الآسيوي من مدينة إسطنبول وللمرة الأولى، عرساً جماعياً للفلسطينيين في تركيا، أقامته منظمات تركية وعربية لمصلحة من هم غير قادرين على تحمّل أعباء الزواج. وتخلل ذلك العرس الجماعي، بحسب رئيس الجمعية العربية التركية التي نظمته، متين توران، زواج نحو 70 شاباً فلسطينياً. وهذه دفعة أولى في إطار خطة تسعى إلى تزويج نحو ألف شاب عربي في إسطنبول، فكان دور السوريين هذا العام.
تجدر الإشارة إلى أنّ بلدية إسطنبول الكبرى بحسب ما يكشف توران، شاركت في مبادرة العام الماضي إلى جانب منظمات مجتمع مدني تركية وجمعية الهلال الأحمر التركي وبعض رجال الأعمال. أمّا هذا العام، وبحسب ما علمت "العربي الجديد"، فالمشروع لم يلقَ حتى اليوم أيّ دعم يذكر، وهو ما تسبّب في تأجيله مرّتَين. وتقول رئيسة "اللمة السورية" هند عقيل لـ"العربي الجديد" إنّه "للأسف، لم نلقَ داعمين مثلما كنّا نتوقع، لكنّ الباب ما زال مفتوحاً للمساهمة في تحقيق الهدف وتزويج مائة سوري".
وعن احتمال تأجيل موعد الزواج الجماعي المحدد في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل في حال لم يتوفّر داعمون، تقول عقيل: "لدينا حتى اليوم شركة تركية للأثاث المنزلي تتكفل بمعظم النفقات، ولن يتمّ التأجيل تحت أيّ ظرف كان. ونحن ما زلنا نستقبل طلبات تسجيل للعرسان ونرحّب بالجميع، فالعدد لم يصل إلى المائة بعد، وسوف نعدّ حملة إعلامية خلال أيام للإعلان عن ذلك والردّ على كل استفسارات الراغبين في الدعم أو الزواج". وتشير عقيل إلى أنّ "الحرب في سورية أثّرت على سنّ الزواج، إذ ارتفعت من 26 عاماً قبل الحرب إلى 35 بالنسبة إلى الشاب، أمّا الشابة فقد ارتفعت سنّ الزواج بالنسبة إليها من 23 عاماً إلى 30، بحسب باحثين اجتماعيين. لذا نحاول مساعدة الشباب على تأسيس حياة جديدة والتغلب على المعوّقات المالية".
وتأتي الأعراس الجماعية للعرب والسوريين، تقليداً لما تقوم به تركيا. فقد عمدت بلدية بيكوز التابعة إلى ولاية إسطنبول في العام الماضي إلى إقامة عرس جماعي شمل 23 زوجاً تركياً بحضور مئات من شهود. وقد أوضح رئيس بلدية بيكوز، يوجيل تشيليك بيليك، أنّ البلدية تعمد في كل عام إلى تنظيم عرس جماعي، وقد زوّجت أكثر من 250 عريساً منذ عام 2009، لافتاً إلى أنّ الأسرة تُعدّ واحدة من أهمّ القيم الموروثة.
والشباب الأتراك يتعرّضون إلى الظروف ذاتها التي يتعرّض لها العرب في تركيا والتي تؤخّر الزواج، من قبيل ارتفاع بدلات إيجار المنازل وغلاء أسعار الأثاث المنزلي ومستلزمات الزواج، بالإضافة إلى هجرة الشابات التركيات من الأرياف والمدن الصغيرة إلى المدن الكبرى وخصوصاً إسطنبول. وفي السياق، نظّم شبان في حيّ أزوملو في ريف إيرديملي التابعة إلى ولاية مرسين التركية، تظاهرة في العام الماضي احتجوا خلالها على عدم وجود شابات في المنطقة ليتزوّجوا منهنّ. وقد رفع الشبان خلال التظاهرة لافتات من قبيل "كيفما كان حالك فأنا راض... المهم أن تأتي" و"منذ 9 سنوات لم تأتِ عروس إلى الحيّ" وغيرها، في حين أطلقوا على أنفسهم "الرجال العوانس" بعد انقطاع أملهم بالزواج. وعبّروا عن قلقهم، إذ إنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى انخفاض في عدد سكان القرية. تجدر الإشارة إلى أنّ التظاهرة أتت بنتائج أفرحت قلوب الشبان. فقد أفاد مختار المنطقة حينها مصطفى باش بيلين بأنّه ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات، بدأت ترده اتصالات من شابات يرغبنَ في الزواج من الشبان.
وتعاني تركيا من تراجع في نسبة الزواج وارتفاع في نسبة الطلاق. فقد انخفض عدد الزيجات المسجّلة في تركيا خلال العام الماضي بنسبة 4.2 في المائة بالمقارنة مع العام الذي سبق، في حين ارتفع عدد حالات الطلاق بنسبة 1.8 في المائة، وفقاً للبيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي. وتُظهر البيانات أنّ عدد الأزواج الجدد في العام الماضي وصل إلى 569 ألفاً و459 زيجة، بينما وصل عدد حالات الطلاق إلى 128 ألفاً و411 طلاقاً.