سوريون في ألمانيا.. مصائر يحدّدها الحظ

25 نوفمبر 2016
+ الخط -

لم تكن موجة الانتقادات التي وجهت لألمانيا مبالغًا بها، والتي حذرت من السياسة المتبعة اتجاه استقبال اللاجئين السوريين، من دون استعداد تام لتبعات هذا القرار المصيري.

فعقب تشجيع حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاجئين، وصل البلد العجوز ما يزيد عن 890 ألف لاجئ من مختلف أنحاء العالم؛ ما أدى لظهور مئات المشاكل بسبب نقص الخبرة في التعامل مع ملف اللجوء، وكثرة أعداد اللاجئين الواصلين، إضافة لوجود نزعة عنصرية لدى بعض الألمان الذين لم يُؤخذوا على محمل الجدّ، بحسب أراء بعض اللاجئين السوريين هناك.

أدهم، مراهق سوري، يبلغ من العمر 15 عامًا، قرر اللجوء إلى ألمانيا، ووصل إليها منذ ما يزيد عن عام، يروي لـ "جيل" ما حصل معه: "وصلنا وأخي إلى ألمانيا، فتم تحويلنا إلى "كامب" كبير في إحدى المدن الألمانية، ومن ثم إلى غرفة صغيرة في فندق رخيص للإقامة به حتى الحصول على حق اللجوء".

يؤكد أدهم أن المعاملة معه كانت جيدة، فهو يدرس في المدرسة، كما أنه تلقى عرضًا من مدير المدرسة لاختصار عامين دراسيين في عام واحد، إلّا أن المشكلة بحسب رأيه هي عدم الحصول على موعد المقابلة الأولى والتي تدعى "المحكمة الأولى" إلى الآن: "حاولنا وأخي التواصل مع عدة منظمات ألمانية لتحريك ملف لجوئنا، كما تواصلنا مع عشرات الأشخاص الذين قدموا لنا وعوداً بمساعدتنا، لكن إلى الآن وبعد عام من وصولنا لألمانيا، لم نحظ بعد بفرصة المقابلة للبت في قضية لجوئنا".

أدهم وأخوه ليسا الشخصين الوحيدين اللذين لم يبت في أمر لجوئهما إلى الآن، فـ سارة أيضًا تعاني من ذات المشكلة ولو كانت بشكل آخر: "وصلت ألمانيا مع أمي وأبي منذ ما يزيد عن تسعة أشهر، خلال العام الفائت، تغيرت إجراءات اللجوء هنا، فبات لكل لاجئ سوري جلستا استماع ومحاكمة، استطعت وعائلتي إجراء جلسة الاستماع الأولى بعد اعتراضنا عن المدة الطويلة التي باتت لنا في ألمانيا دون القيام بأي خطوة من خطوات اللجوء، أما الثانية، وهي الأهم، لتحديدها قبول طلب اللجوء أو رفضه، كما تحدد مدة اللجوء في حال القبول، لم يحدد موعدها بالنسبة لنا إلى الآن، فالمشكلة ليست فقط بطول فترة الانتظار، بل في حال رفض طلب اللجوء، بعد عام من الانتظار".

تعتبر سارة أن الوضع في ألمانيا بات يعتمد بالدرجة الأولى على الحظ، الأمر الذي صدم السوريين هناك: "جميعنا كنا نعتقد أن أوروبا، هي بلد الفرص، حيث يأخذ كل شخص فرصته في تكوين ذاته، إلا أن الحقيقة الآن هي أن الحظ هو من يحدد الشخص الذي يجب أن يأخذ فرصة حياته لاستغلالها، الأمر الذي شكل صدمة لنا بالفعل، فطالما ما اعتقدنا أن القانون والدوافع والأخلاقيات هي من تحدد مصير طالبي الحياة المتكافئة في ألمانيا".

تتابع سارة في حديثها لـ"جيل": "هذا البلد متطور بحق وأفضل من غيره بكثير، إلّا أنه وفي نهاية المطاف، فإن الحكومة الألمانية استقبلت السوريين لأجل الاستفادة منهم، الأمر الذي بات جليًا في الفترة الأخيرة، حيث باتت أغلب الإقامات تمنح لمدة عام واحد فقط، ومن ثم تبدأ الحكومة الألمانية باستخدام جميع وسائل الإقناع لدفع السوري للعمل بأي اختصاص كان، حتى ولو كان غير مناسب له أو لاختصاصه، فقط ليضمن بقاءه في بلد الحظوظ، كنوع من أنواع الضغط عليه للعمل".

ما يرويه فيليب يؤكد أن ألمانيا هي بلد الحظوظ فعلًا، فبالرغم من أن التعرض للعنصرية ليس شائعًا كثيرًا في جميع المقاطعات الألمانية، إلّا أن الحظ السيئ ربما كان رفيق فيليب، حيث أجبر على المكوث في مقاطعة معروفة بعنصريتها تجاه اللاجئين: "قصتي تجربة شخصية بحتة لا أستطيع تعميمها، فالعنصرية لازمتني هنا".

يعتقد فيليب أن العنصرية ليست كلمة أو تصرف فقط، بل من الممكن أن تكون نظرة، أو طريقة مخاطبة معينة: "عندما يخبرك ألماني، أن طريقة جلوسك على الكرسي خاطئة وغير مرغوبة في ألمانيا، فهذا يُدعى تصرفًا عنصريًا، وأيضًا عندما تُتهم بتغيير اسمك إلى اسم مسيحي فهذا أيضًا تصرف عنصري تجاه السوريين وليس تجاهي فقط".

لم تتوقف العنصرية تجاه السوريين، عند هذا الحدّ، فبحسب فيليب؛ هناك عشرات الألمان يرفضون تأجير منازلهم إلى سوريين، أو ربما يزيدون من سعر الإيجار المحدد في حال قبولهم بمستأجرين سوريين: "تعرضت لكثير من المواقف في بداية بحثي على منزل، ثلاثة أشخاص فقط من أصل 50 راسلتهم قبلوا برؤيتي، أحدهم رفض تأجيري المنزل بسبب مظهري الخارجي، وربما بسبب اللحية فقط، الآخر رفض طلبي لأنني لاجئ ولم أبدأ بالعمل بعد، أما الأخير فبعد قبوله بتأجيري شقة في منزل مشترك، وبسبب عدم قبول المستأجرين الألمان بالسكن معي لأنني لاجئ سوري، اضطر صاحب المنزل إلى إعطائي مهلة شهر للخروج".

يؤكد اللاجئ السوري عقب عودته إلى تركيا، أن حل مشاكل العنصرية والاندماج لن تكون بوضع جميع السوريين في "كامب" واحد، وإلحاقهم بدورة تعليم لغة واحدة، كما أن خطة منع اللاجئ من الخروج من المدينة وانتقاله لأخرى، بهدف محاربة العنصرية، هي بالتأكيد خطة فاشلة جدًّا، ولن يكون الحل أبدًا بإصدار قرارات جديدة كل ثلاثة أشهر

المساهمون