03 نوفمبر 2024
سورية ومبعوث أممي جديد
غير بيدرسون هو المبعوث الرابع الذي تعيّنه الأمم المتحدة في سورية. ومن ضمن مهمات هذا المبعوث العمل بدوام كامل في البحث مع "الجهات المهتمة" لحل الكارثة السورية، وتقديم تقارير دورية بالمستجدات إلى مجلس الأمن، عبر الأمين العام.
بدأ عهد المبعوثين بكوفي عنان، ولم تكمل الثورة عامها الأول، حتى قدّم عنان خطة من ست نقاط، تقضي إحداها بسحب القطع العسكرية التابعة للنظام من التجمعات السكنية، والإفراج عن المعتقلين، والسماح لمنظمات الإغاثة بالعمل. توحي هذه المطالب بمقدار عربدة النظام في ذلك الوقت المبكر، وتغوّله العسكري القارح. بعد ستة أشهر، نفض عنان يده من الوضع، متهماً كل الأطراف بعدم الجدّية، ومنهم مجلس الأمن.
جاء الأخضر الإبراهيمي مكانه وبمهمةٍ مطابقة، لكنه اعتمد التنقل بين العواصم، مشدّداً على أنه لا يملك خطة، ثم قدم استقالته بعد عامين، مع اعتذار للشعب السوري، لأن أحداً لا يبدو مهتماً بوضع هذا الشعب. وهذه خلاصة مطابقة للخلاصة التي خرج بها عنان بعد مهمته القصيرة. بعد الإبراهيمي، جاء ستيفان دي ميستورا الذي واجه تغيراً طفيفاً، فقد كان المسمى الوظيفي لكل من عنان والإبراهيمي مبعوثاً مزدوجاً لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، فيما اقتصرت مهمة دي ميستورا على منصب المبعوث الأممي. وهو الذي أمضى أربع سنوات في المنصب، عاصر خلالها أمينين عامّين للأمم المتحدة، وكان شاهداً على دخول القوات الجوية الروسية إلى سورية، ومعارك حلب وغوطة دمشق والجنوب، وشهد جانباً من المواقف الفيتوية الروسية. وها هو يغادر من الباب نفسه الذي دخل منه، ولكن "لأسباب عائلية"، فخرج متأبطاً ملفاتٍ ازدادت سماكتُها، ومن المتوقع أن يسلّمها، بحجمها الجديد، إلى المبعوث الجديد، وتحوي عنواناً ديمقراطياً ملحِّاً هو "اللجنة الدستورية" التي أكد عليها اجتماع رباعي، ضم روسيا وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى تركيا. ولا يحتاج هذا الملف مبعوثين، بخبرةٍ دوليةٍ عريضة، فهو مجرد مناقشة داخلية، تجري بين مجموعة أعضاء محليين، لإقرار بضعة بنود تحدّد هيكل الدولة، وخطوط شخصيتها الرئيسية. وقد تبدو استحقاقا حقوقيا بسيطا، يمكن إنجازه بسرعة في حال توفرت الرغبة بذلك، وهذه الرغبة هي العامل الذي نوّه به اثنان من المبعوثين الدوليين إلى سورية.
في حال غض النظر عن البَدَلات النقدية الضخمة وأذونات السفر ورحلات السياحة المبطنة، يبدو منصب المبعوث الأممي مدعاةً للرثاء، فهو ظرفي، يتوقف نجاحه على عوامل لا يستطيع هذا المنتدب التحكم بها، ولا حتى معرفتها أحياناً، فمقرّرات جنيف الأول التي عُقدت برعاية كوفي عنان لم يعد يذكرها أحد، وجنيف 2 الذي عقد بحضور الإبراهيمي أصبح في مهب الريح. وخلال السنوات الأربع التي قضاها دي ميستورا راكضاً بين جنيف وسوتشي ودمشق وطهران تأزمت أوضاعه العائلية، حتى اضطر إلى الاستقالة، وجيء مكانه بمندوبٍ جديد، وقبل أن يبدأ هذا الجديد بتقليب أوراق الملف، يمكن التنبؤ بما سيحدث بعد وقتٍ، يطول أو يقصر.
لم يعترف العالم، خصوصاً جانبه الديمقراطي، بحقيقة ما يحدث في سورية، وبأن هناك شعباً يحاول التخلص من كابوسه الديكتاتوري الطويل، والالتفات إلى بناء نفسه من جديد، وأن مسألة التطرّف التي كانت من الأعراض الجانبية لما حدث يمكن معالجتها بالتوازي مع معالجة المشكلة الأساسية التي أحدثت هذا الركام من المشكلات، وأن المسائل الإنسانية الأخرى عَرَضٌ جانبي آخر لما حدث، وهذه يمكن حلها بعد تصفية المشكلة الأساسية، وعشرات من المشكلات الجانبية التي نبتت على مستنقع المشكلة الأم. وحتى مسألة المبعوث الأممي لا تعدو كونها منصباً له شكل الأعراض الجانبية للمشكلة الأساسية، ويمكن توفير دولاراتٍ كثيرة على صندوق المنظمة الدولية، في حال كانت هناك رغبة حقيقية في إرساء الحلول التي تبدو حالياً بعيدة المنال.
بدأ عهد المبعوثين بكوفي عنان، ولم تكمل الثورة عامها الأول، حتى قدّم عنان خطة من ست نقاط، تقضي إحداها بسحب القطع العسكرية التابعة للنظام من التجمعات السكنية، والإفراج عن المعتقلين، والسماح لمنظمات الإغاثة بالعمل. توحي هذه المطالب بمقدار عربدة النظام في ذلك الوقت المبكر، وتغوّله العسكري القارح. بعد ستة أشهر، نفض عنان يده من الوضع، متهماً كل الأطراف بعدم الجدّية، ومنهم مجلس الأمن.
جاء الأخضر الإبراهيمي مكانه وبمهمةٍ مطابقة، لكنه اعتمد التنقل بين العواصم، مشدّداً على أنه لا يملك خطة، ثم قدم استقالته بعد عامين، مع اعتذار للشعب السوري، لأن أحداً لا يبدو مهتماً بوضع هذا الشعب. وهذه خلاصة مطابقة للخلاصة التي خرج بها عنان بعد مهمته القصيرة. بعد الإبراهيمي، جاء ستيفان دي ميستورا الذي واجه تغيراً طفيفاً، فقد كان المسمى الوظيفي لكل من عنان والإبراهيمي مبعوثاً مزدوجاً لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، فيما اقتصرت مهمة دي ميستورا على منصب المبعوث الأممي. وهو الذي أمضى أربع سنوات في المنصب، عاصر خلالها أمينين عامّين للأمم المتحدة، وكان شاهداً على دخول القوات الجوية الروسية إلى سورية، ومعارك حلب وغوطة دمشق والجنوب، وشهد جانباً من المواقف الفيتوية الروسية. وها هو يغادر من الباب نفسه الذي دخل منه، ولكن "لأسباب عائلية"، فخرج متأبطاً ملفاتٍ ازدادت سماكتُها، ومن المتوقع أن يسلّمها، بحجمها الجديد، إلى المبعوث الجديد، وتحوي عنواناً ديمقراطياً ملحِّاً هو "اللجنة الدستورية" التي أكد عليها اجتماع رباعي، ضم روسيا وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى تركيا. ولا يحتاج هذا الملف مبعوثين، بخبرةٍ دوليةٍ عريضة، فهو مجرد مناقشة داخلية، تجري بين مجموعة أعضاء محليين، لإقرار بضعة بنود تحدّد هيكل الدولة، وخطوط شخصيتها الرئيسية. وقد تبدو استحقاقا حقوقيا بسيطا، يمكن إنجازه بسرعة في حال توفرت الرغبة بذلك، وهذه الرغبة هي العامل الذي نوّه به اثنان من المبعوثين الدوليين إلى سورية.
في حال غض النظر عن البَدَلات النقدية الضخمة وأذونات السفر ورحلات السياحة المبطنة، يبدو منصب المبعوث الأممي مدعاةً للرثاء، فهو ظرفي، يتوقف نجاحه على عوامل لا يستطيع هذا المنتدب التحكم بها، ولا حتى معرفتها أحياناً، فمقرّرات جنيف الأول التي عُقدت برعاية كوفي عنان لم يعد يذكرها أحد، وجنيف 2 الذي عقد بحضور الإبراهيمي أصبح في مهب الريح. وخلال السنوات الأربع التي قضاها دي ميستورا راكضاً بين جنيف وسوتشي ودمشق وطهران تأزمت أوضاعه العائلية، حتى اضطر إلى الاستقالة، وجيء مكانه بمندوبٍ جديد، وقبل أن يبدأ هذا الجديد بتقليب أوراق الملف، يمكن التنبؤ بما سيحدث بعد وقتٍ، يطول أو يقصر.
لم يعترف العالم، خصوصاً جانبه الديمقراطي، بحقيقة ما يحدث في سورية، وبأن هناك شعباً يحاول التخلص من كابوسه الديكتاتوري الطويل، والالتفات إلى بناء نفسه من جديد، وأن مسألة التطرّف التي كانت من الأعراض الجانبية لما حدث يمكن معالجتها بالتوازي مع معالجة المشكلة الأساسية التي أحدثت هذا الركام من المشكلات، وأن المسائل الإنسانية الأخرى عَرَضٌ جانبي آخر لما حدث، وهذه يمكن حلها بعد تصفية المشكلة الأساسية، وعشرات من المشكلات الجانبية التي نبتت على مستنقع المشكلة الأم. وحتى مسألة المبعوث الأممي لا تعدو كونها منصباً له شكل الأعراض الجانبية للمشكلة الأساسية، ويمكن توفير دولاراتٍ كثيرة على صندوق المنظمة الدولية، في حال كانت هناك رغبة حقيقية في إرساء الحلول التي تبدو حالياً بعيدة المنال.