16 نوفمبر 2024
سورية ... وطن على حبل
مثل صبي صغير، يمارس بشار الأسد السياسة. إنها، بالنسبة له، ليست عملية موازنة بين خيارات وقدرات، وليست، بالتالي، فن الممكن، بقدر ما هي مغامرة دائمة، أشبه بلعبة روليت روسية، يطبقها ليس على نفسه، بل على ضحاياه، وكل من يستطيع دفعهم إلى الحلبة، في حين يمارس هو دور الكونترول الذي يتحكم بتحركات اللاعبين، ويحدد مصائرهم، يدفعهم إلى الموت المجاني، الخاضع دائماً لتقديراته، والتي، غالباً، ما يتحكم نزقه بطبيعتها. من هنا، كان الموت الغزير السمة الأساسية الدائمة لألعابه، موت يشمل كل المشاركين باللعبة، بمن فيهم عناصر فريقه بالذات.
تاريخ ممارسة بشار الأسد السياسة يكشف بجلاء عن هذا البعد الخطير في شخصيته، وكثيراً ما تسببت هذه الظاهرة في إرباك توصيفات أصحاب الاختصاص، بين من يرى في نمط ممارسته السياسة شكلأ من اشكال الحكم الديكتاتوري المتطرف، وبين من يراها تعبيراً عن ضعف شخصي، ينعكس ارتباكاً في الأداء وإدارة العملية السياسية عموماً. من هنا، ثمة من وصفه بالانفصام عن الواقع، وثمة من أحال المسألة إلى نقص في الخبرة السياسية، حتى بعد أربعة عشر عاماً في الحكم.
ليس عن منطق ديكتاتوري واضح، تصدر عنه سياسات بشار الأسد، حتى الديكتاتورية، في النهاية، شكل من أشكال الحكم، له قواعده وأصوله، وله غاياته وأهدافه، وحتى المجتمعات التي جربت هذا النمط من الحكم، استطاعت التعايش معه، واستبطانه لما يطرحه بالموازاة من مشاريع قومية وتنموية وتحررية وطنية. في الغالب، كانت الديكتاتوريات تنطوي على مشاريع بعينها، تشكل حاجة ومطلباً اجتماعياً في حينه. لذا، كانت تجد فئات اجتماعية حاملة لمشاريعها ومؤيدة لها.
الوصفة التي يستخدمها بشار الأسد في إدارته الحكم خليط من سلوك عصبي ممزوج بسياسة الابن المدلل الذي تعود أن يحصل على الأشياء بأي ثمن، بغض النظر عن أي نتائج قد تحصل على الأرض، واستطاع أن يجد فلسفة وسياقاً لنمط سياساته تلك، وبلغة أدق، استطاع التلطي، وإخفاء سياساته خلف مشاريع الآخرين، واستلحاق سورية وشعبها في إطار مشاريعهم، لذا، لم يكن مستغرباً أن تتحول سورية، بتاريخها النضالي، إلى مجرد جسر عبور لسلاح حزب الله، فيما كانت تشكل سابقا الدينامو المحرك في كل قضايا المنطقة ومشاربعها.
بالتطبيق العملي لنمط سياسات بشار، نلحظ أنه ليس مشكلة، بالنسبة له، أن يصل عدد اللاجئيين خارج سورية إلى ملايين، على الخارج أن يتكفل بهم، يرميهم في البحر إن أراد، تلك ليست مشكلته، ولم تعد كذلك، مشكلته أن هؤلاء كانوا يشكلون بيئة للثوار المعادين له، وتخلص منهم، فقط تلك حدود واجباته تجاههم. وليست مشكلة بشار الأسد أن سورية أصبح أكثر من ثلثيها مدمر، مشكلته كانت مع الناس الذين يعترضون على سياساته، ويقطنون هذه المناطق، هو حلّ مشكلته مع تلك المناطق بالبراميل والصواريخ وقصف الطيران، ليس مهماً النمط الذي اتبعه، المهم أن مشكلته كشخص انتهت.
ليس مهما أن يستدعي بسياساته كل فصائل التطرف. المهم أن يتخلص من الثورة السورية، وليس مهماً أن يرهن سورية لإيران وروسيا، باعتقاده أنه حين يتخلص من خصومه، سيكتفي الروس والإيرانيون بتقديم الشكر لهم وينتهي الأمر. المستقبل بالنسبة له يحل عقده بنفسه، المهم عنده التخلص من المشكلات الآنية. ليس مهماً أن تخسر سورية أسلحتها الاستراتيجية التي كلفتها مجهود أجيال، المهم أن يرضي رغبته بتجريب استخدامها على معارضيه، وبعدها ليس مهما مصيرها.
وفق هذه الطريقة الحسابية، أدار بشار الأسد سياسة سورية وأزمتها، وهي، في الواقع، طريقة سهلة، حيث تتيح له دائما اختيار البدائل الأكثر مناسبة له، وهي طريقة لا سياسية أبدا، إذ في السياسة لا خيارات جيدة، إنما أقل سوءاً، جزء كبير من حزمة تلك السياسات كان متوفراً لكل الديكتاتوريين الذين أطاحتهم الثورات، لكن فهمهم السياسي جعلهم لا يفكرون وفق هذه النمطية، ويستبعدونها من دائرة خياراتهم، نظراً لأكلافٍ كبيرة تترتب عنها وتستدعيها.
اليوم، وبإعلانه ترشحه للانتخابات، يمارس بشار الأسد لعبته، بأدواته الذهنية ذاتها، ليست مشكلته أن دمشق، وكل سورية ستحترق في الفترة المقبلة، وستصلى على نيران اللهب، خصومه أيضاً لن يدعوه يمرر سياساته هكذا بسلام، وإن كان بطريقة تفكيره تلك يعتقد أن من واجب العالم تركه ينجز سياساته بهدوء وروية، ويعلن انتصاره على المؤامرة، وذلك بأن يسمح له المتآمرون عليه أن يفضحهم، ويكشف أوراقهم وتآمرهم عليه.
اليوم تستدعي اللعبة أن يمنح بشار الأسد، فجأة، شعبه حق اختيار قائده، هو ذاته القائد الذي حرمه حق الاعتراض على موظف إداري بسيط في نظامه، ومنحه سلطة إذلال مدينة كاملة، لأن أطفالها خربشوا على حيطان مدارسهم. هو ذاته هذا الديمقراطي أعاد صياغة جغرافية وديمغرافية سورية بالكامل، يوم طالبت بوقف دعس أبنائها بالبسطار العسكري. فجأة يخرج من تحت أظافره انتخابات ومرشحون منافسون.
ليست مسرحية تلك التي تحصل في سورية، المسرحية على الأقل يكون عدد المشاركين بها أكبر، قد يشمل جزءاً من البلد حضوراً وتمثيلاً، سورية تعيش على وقع نطوطاتٍ على الحبل.
تاريخ ممارسة بشار الأسد السياسة يكشف بجلاء عن هذا البعد الخطير في شخصيته، وكثيراً ما تسببت هذه الظاهرة في إرباك توصيفات أصحاب الاختصاص، بين من يرى في نمط ممارسته السياسة شكلأ من اشكال الحكم الديكتاتوري المتطرف، وبين من يراها تعبيراً عن ضعف شخصي، ينعكس ارتباكاً في الأداء وإدارة العملية السياسية عموماً. من هنا، ثمة من وصفه بالانفصام عن الواقع، وثمة من أحال المسألة إلى نقص في الخبرة السياسية، حتى بعد أربعة عشر عاماً في الحكم.
ليس عن منطق ديكتاتوري واضح، تصدر عنه سياسات بشار الأسد، حتى الديكتاتورية، في النهاية، شكل من أشكال الحكم، له قواعده وأصوله، وله غاياته وأهدافه، وحتى المجتمعات التي جربت هذا النمط من الحكم، استطاعت التعايش معه، واستبطانه لما يطرحه بالموازاة من مشاريع قومية وتنموية وتحررية وطنية. في الغالب، كانت الديكتاتوريات تنطوي على مشاريع بعينها، تشكل حاجة ومطلباً اجتماعياً في حينه. لذا، كانت تجد فئات اجتماعية حاملة لمشاريعها ومؤيدة لها.
الوصفة التي يستخدمها بشار الأسد في إدارته الحكم خليط من سلوك عصبي ممزوج بسياسة الابن المدلل الذي تعود أن يحصل على الأشياء بأي ثمن، بغض النظر عن أي نتائج قد تحصل على الأرض، واستطاع أن يجد فلسفة وسياقاً لنمط سياساته تلك، وبلغة أدق، استطاع التلطي، وإخفاء سياساته خلف مشاريع الآخرين، واستلحاق سورية وشعبها في إطار مشاريعهم، لذا، لم يكن مستغرباً أن تتحول سورية، بتاريخها النضالي، إلى مجرد جسر عبور لسلاح حزب الله، فيما كانت تشكل سابقا الدينامو المحرك في كل قضايا المنطقة ومشاربعها.
بالتطبيق العملي لنمط سياسات بشار، نلحظ أنه ليس مشكلة، بالنسبة له، أن يصل عدد اللاجئيين خارج سورية إلى ملايين، على الخارج أن يتكفل بهم، يرميهم في البحر إن أراد، تلك ليست مشكلته، ولم تعد كذلك، مشكلته أن هؤلاء كانوا يشكلون بيئة للثوار المعادين له، وتخلص منهم، فقط تلك حدود واجباته تجاههم. وليست مشكلة بشار الأسد أن سورية أصبح أكثر من ثلثيها مدمر، مشكلته كانت مع الناس الذين يعترضون على سياساته، ويقطنون هذه المناطق، هو حلّ مشكلته مع تلك المناطق بالبراميل والصواريخ وقصف الطيران، ليس مهماً النمط الذي اتبعه، المهم أن مشكلته كشخص انتهت.
ليس مهما أن يستدعي بسياساته كل فصائل التطرف. المهم أن يتخلص من الثورة السورية، وليس مهماً أن يرهن سورية لإيران وروسيا، باعتقاده أنه حين يتخلص من خصومه، سيكتفي الروس والإيرانيون بتقديم الشكر لهم وينتهي الأمر. المستقبل بالنسبة له يحل عقده بنفسه، المهم عنده التخلص من المشكلات الآنية. ليس مهماً أن تخسر سورية أسلحتها الاستراتيجية التي كلفتها مجهود أجيال، المهم أن يرضي رغبته بتجريب استخدامها على معارضيه، وبعدها ليس مهما مصيرها.
وفق هذه الطريقة الحسابية، أدار بشار الأسد سياسة سورية وأزمتها، وهي، في الواقع، طريقة سهلة، حيث تتيح له دائما اختيار البدائل الأكثر مناسبة له، وهي طريقة لا سياسية أبدا، إذ في السياسة لا خيارات جيدة، إنما أقل سوءاً، جزء كبير من حزمة تلك السياسات كان متوفراً لكل الديكتاتوريين الذين أطاحتهم الثورات، لكن فهمهم السياسي جعلهم لا يفكرون وفق هذه النمطية، ويستبعدونها من دائرة خياراتهم، نظراً لأكلافٍ كبيرة تترتب عنها وتستدعيها.
اليوم، وبإعلانه ترشحه للانتخابات، يمارس بشار الأسد لعبته، بأدواته الذهنية ذاتها، ليست مشكلته أن دمشق، وكل سورية ستحترق في الفترة المقبلة، وستصلى على نيران اللهب، خصومه أيضاً لن يدعوه يمرر سياساته هكذا بسلام، وإن كان بطريقة تفكيره تلك يعتقد أن من واجب العالم تركه ينجز سياساته بهدوء وروية، ويعلن انتصاره على المؤامرة، وذلك بأن يسمح له المتآمرون عليه أن يفضحهم، ويكشف أوراقهم وتآمرهم عليه.
اليوم تستدعي اللعبة أن يمنح بشار الأسد، فجأة، شعبه حق اختيار قائده، هو ذاته القائد الذي حرمه حق الاعتراض على موظف إداري بسيط في نظامه، ومنحه سلطة إذلال مدينة كاملة، لأن أطفالها خربشوا على حيطان مدارسهم. هو ذاته هذا الديمقراطي أعاد صياغة جغرافية وديمغرافية سورية بالكامل، يوم طالبت بوقف دعس أبنائها بالبسطار العسكري. فجأة يخرج من تحت أظافره انتخابات ومرشحون منافسون.
ليست مسرحية تلك التي تحصل في سورية، المسرحية على الأقل يكون عدد المشاركين بها أكبر، قد يشمل جزءاً من البلد حضوراً وتمثيلاً، سورية تعيش على وقع نطوطاتٍ على الحبل.