سورية: ميثاق "مجلس قيادة الثورة" غير قابل للتطبيق

07 أكتوبر 2014
يضم المجلس فصائل عسكرية بخلفيات أيديولوجية مختلفة (فرانس برس)
+ الخط -

بعد مشاورات استمرت أكثر من شهر، أنهت اللجنة التحضيرية، المكوّنة من ممثلي معظم فصائل الثوار في سورية، ميثاق "مجلس قيادة الثورة في سورية"، ويتضمّن تحديد المبادئ والآليات والرؤى التي تحكم عمل المجلس والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.

ويؤكد الميثاق سعي الفصائل التسعين الموقعة عليه، إلى إسقاط النظام السوري وإدارة البلاد في مرحلة انتقاليّة، تسبق تسليم مجلس قيادة الثورة السلطة إلى حكومة شرعيّة يختارها الشعب،. كما يشدّد على رفض فصائل الثوار لجميع مشاريع التقسيم، وتأكيدهم وحدة الأرض السورية والشعب السوري، ورفضهم الإملاءات الخارجية، في موازاة سعي المجلس إلى تعزيز وبناء العلاقات الدولية التي تخدم مصلحة الشعب السوري.

وكانت مجموعة من رجال الدين في الشمال السوري، أطلقت مبادرة في مطلع شهر آب/أغسطس الماضي، دعوا فيها فصائل الثوار العاملة على الأرض السورية، إلى الاتحاد في مجلس عسكري واحد، بهدف إيقاف النزيف الحاصل في معسكر الثورة، وتلافي الأخطاء السابقة التي أدّت إلى تشتّت القوى العسكريّة الثوريّة. لكنّ الاجتماعات التي جرت في المرحلة التالية لإطلاق المبادرة في مدينة الريحانية على الحدود السورية ـ التركية، والتي حضرها ممثلو أكبر فصائل الثوار، شهدت تجاذبات وخلافات بين ممثلي هذه الفصائل، أدت في النهاية إلى إصدار ميثاق يبدو في ظاهره أنه يتضمّن اتفاقاً على مبادئ تحكم عمل "مجلس قيادة الثورة"، لكنّها تغضّ النظر عن مسائل الخلاف الأساسية بين الفصائل.

يضمّ المجلس فصائل ذات مرجعيات مختلفة، فـ"حركة حزم" التي تعمل في الشمال السوري، تتلقى الدعم العسكري بشكل مباشر من حكومة الولايات المتحدة الأميركيّة. وبث المكتب الإعلامي التابع لها، في الأشهر الأخيرة، عشرات تسجيلات الفيديو، التي تظهر تدمير الحركة دبابات ومدرعات النظام السوري بصواريخ "تاو" المضادة للدروع والأميركية الصنع. ويخضع عناصر الحركة لتدريب مسبق على استعمال هذا النوع من مضادات الدروع. ويضمّ المجلس أيضاً فصائل أخرى تصنّفها حكومة الولايات المتحدة كفصائل معتدلة، وقد دخلت هذه الفصائل في برنامج التدريب الذي أعلنته الولايات المتحدة، والذي بدأ منذ أيام قليلة على أراضي المملكة العربية السعوديّة، بهدف تدريب خمسة آلاف من مقاتلي فصائل المعارضة المعتدلة، التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية". ويأتي على رأس هذه الفصائل "جبهة ثوار سورية"، التي يقودها جمال معروف، و"حركة نور الدين الزنكي"، أحد الفصائل السبّاقة في محاربة التنظيم.

في المقابل، يضمّ المجلس فصائل وقوى عسكرية كبيرة، ذات مرجعية إسلاميّة، لا تخفي سعيها الى بناء دولة إسلامية في سورية، وهي بالأساس عموم الفصائل المنضوية تحت تشكيل "الجبهة الإسلامية"، وأكبرها "حركة أحرار الشام الإسلامية" التي تملك ثقلاً كبيراً شمالي سورية، و"جيش الإسلام" الذي يسيطر بشكل شبه كامل على غوطة دمشق الشرقية.

وتنضوي في عضويّة المجلس أيضاً، القوى العسكرية التابعة لـ"مجلس أركان الجيش السوري الحر"، والممثّل في "الائتلاف السوري" المعارض، الذي ساءت علاقاته في الأشهر الأخيرة بمعظم القوى العسكرية، ومن القوى التي تتبع لـ"مجلس أركان الجيش الحر"، الفرقة 101 مشاة والفرقة 13 وغيرها.

هذا التباين في مرجعيّة وتبعيّة الفصائل الموقّعة على ميثاق "مجلس قيادة الثورة"، يطرح تساؤلات حول إمكانيّة توحّدها فعليّاً وعملها معاً، خصوصاً مع عدم تطرّق الميثاق الذي أُعلنه، أمس الأحد، لآليات دمج هذه القوى العسكريّة تحت قيادة واحدة، أو على الأقل آليات توحيد مرجعيّة هذه القوى وتشاركها في قنوات التمويل والدعم.

من جانب آخر، تحدّث الميثاق عن سعي المجلس الى تشكيل سلطة قضائيّة مستقلة وموحّدة في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل الثوار، بهدف الحدّ من فوضى المحاكم العسكريّة والميدانيّة والشرعيّة التي تعمل على الأراضي الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل. لكنّ الميثاق لم يتناول المرجعيّة التشريعيّة التي ستستند إليها السلطة القضائيّة في عملها، ذلك أنّ إشارة الميثاق إلى مرجعيّة الشريعة الإسلاميّة في عمل جميع الهيئات والمؤسّسات المنبثقة عن المجلس، لا يعني اعتماد نظام قانوني يضبط عمل السلطة القضائيّة المزمع تشكيلها. كما أن الميثاق لم يشر إلى سعي المجلس الى تشكيل سلطة تشريعيّة، تضع نظاماً قانونيّاً تطبّقه الهيئات والمؤسّسات المنبثقة عنه، أو عن اعتماد المجلس مرجعيّة تشريعيّة معينة، لتطبيق القوانين والنظم الصادرة عنها على هذه الهيئات والمؤسّسات.

وتجنّب ميثاق "مجلس قيادة الثورة" الحديث عن شكل الدولة السوريّة، التي يسعى المجلس الى بنائها بعد إسقاط النظام السوري، إذ اكتفى بعبارات عامة عن سعي المجلس الى بناء دولة العدل والقانون، من دون التطرق إلى شكل النظام الدستوري والقانوني الذي يحكمها. وتسرّبت أنباء عن خلافات كبيرة بين ممثلي الفصائل حول هذه النقطة، دفعت اللجنة إلى تلافي ذكر هذا الموضوع في الميثاق المعلن، إذ طرح البعض اعتماد دستور 1950 كدستور يحكم عمل "مجلس قيادة الثورة"، لكنّ الفصائل المحسوبة على الإسلاميين رفضت هذا الدستور الذي يعرف الدولة السورية في مادته الأولى بأنها "جمهورية عربية ديمقراطية نيابية، ذات سيادة تامة، ليعتمد الميثاق في النهاية عبارة "الشورى المنظمة" كأسلوب لتنظيم عمل المجلس، مع عدم وضوح هذا المفهوم، وعدم وجود مرجعيّة لشرحه وتفصيله.

في السياق نفسه، يؤكّد الميثاق المعلن سعي المجلس إلى المحافظة على الممتلكات الخاصة والعامة في سورية وعلى ملكية الشعب لها، وكذلك لإعادة تأهيل ما تلف منها، من دون أن يتطرق إلى ذكر أية آليات أو مؤسّسات أو نظم، يتم من خلالها تنفيذ هذه الأهداف. ولا يغفل الميثاق ذاته تأكيد سعي المجلس الى إعادة هيكلة المؤسّسات العسكريّة والمدنيّة المنبثقة من الثورة، وتشكيل قوة عسكريّة مركزيّة تحمي الشعب السوري، من دون ذكر آليات تنفيذ هذه الأهداف، الأمر الذي يطرح مزيداً من علامات الاستفهام عن مدى إمكانية تطبيق هذه الأهداف في ظل الفوضى العارمة التي تميّز المؤسّسات العسكريّة والمدنيّة.

المساهمون