تحاول محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سورية، الخروج من نفق الصدمة عقب الأحداث التي عصفت بها أواخر الشهر الماضي، حين هاجمها تنظيم "داعش وارتكب مجزرة راح ضحيتها نحو 250 شخصاً من أهالي القرى الشرقية في السويداء، بعدما هاجم مسلحوه قرى عدة، يوم 25 يوليو/تموز الماضي، ما عُرف بـ"الأربعاء الدامي"، وخطفوا نحو ثلاثين مدنياً، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، لا يزال مصيرهم مجهولاً، ولم يقدم النظام تنازلات كافية للتنظيم لإطلاق سراحهم. واعتُبرت الواقعة مريبة، خصوصاً في سياق محاولة النظام تطويع السويداء وكسر حالة الحياد التي تبناها أهلها طيلة سنوات الصراع في سورية. ولا يزال ملف المختطفات لدى "داعش" مفتوحاً، إذ لم تفضِ المفاوضات معه إلى نتيجة حتى اللحظة، فبدأ النظام يطالب بمبالغ مالية كبيرة، في وقت رفض ذوو المختطفات محاولاته التنصّل من مسؤوليته من اعتبار المختطفات "شهيدات"، فيما باشر الروس السعي لتمرير مشروع فصل ديمغرافي بين السويداء ودرعا.
في الأيام الأخيرة، لم يعد لتنظيم "داعش" وجود فعلي به ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وأكدت وسائل إعلام تابعة للنظام أن "قوات الأخير تحاصر فلول التنظيم في منطقة تلول الصفا"، مشيرة إلى أن "هذه المنطقة ذات طبيعة وعرة، ومعقدة، والقوات لا تزال تبحث عن خلايا نائمة، أو متوارين عن الأنظار". ولم تنته مشاكل السويداء عند هذا الحد في ظل بقاء ملف المختطفين لدى تنظيم "داعش" مفتوحاً، ومن الواضح أنه ربما أمام تطورات سلبية، وفق أحد المكلفين بالتفاوض حول الملف. ونقلت وسائل إعلام عن عضو لجنة التفاوض نجيب أبو فجر قوله إن "المفاوضات مع التنظيم مهددة بالانهيار، إذا لم يلتزم التنظيم بتسليم المختطفات دفعة واحدة". وتابع أنه "إذا قبلوا بالشرط، فيكون لدينا أمل في إطلاق سراحهن خلال 48 ساعة"، مشيراً إلى أن "التنظيم بدأ يطلب 50 مليون دولار بعد تداول دخول الروس في التفاوض"، مؤكداً رفض ذلك.
ومن الواضح أن التنظيم يحاول استغلال ورقة المختطفات إلى الحد الأقصى، إذ أكدت مصادر محلية أن التنظيم يقدم طلبات وصفتها بـ "التعجيزية" من قبيل إطلاق سراح جميع سجنائه لدى النظام، وانسحاب الأخير من البادية السورية وهو ما يرفضه النظام رغم الاستياء الشعبي المتزايد في السويداء.
وأشار مصدر في السويداء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "موضوع المختطفات يشكل هاجساً كبيراً لدى أهل المحافظة"، مؤكداً أنه "مشروع فتنة مؤجلة، خصوصاً أن النظام يروّج أن المختطفات شهيدات في محاولة للتنصل من مسؤوليته تجاههن. كما أعلن ذوو المختطفين لدى داعش رفضهم هذا الطرح، معتبرين في بيان أنّ حياة المختطفين وسلامتهم قضية الجبل الأولى".
وأكد المصدر أن "النظام يحاول كسر هذا الحياد"، مضيفاً أنه "يريد تطويع جبل العرب، خصوصاً أن المحافظة تتمتع منذ سنوات بما يشبه الحكم الذاتي لدرجة أن هناك مناطق ممنوع على النظام دخولها، تحديداً معاقل حركة شيوخ الكرامة، كما أن هناك لجان حماية ذاتية".
من جانبه، رأى المحلل السياسي حافظ قرقوط وهو ابن السويداء، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النظام لم يكسب بالسويداء"، معرباً عن قناعته بأن "الأحداث الأخيرة وحّدت أهالي المحافظة بأطيافهم كافة بمن فيهم الموالون"، مضيفاً أنه "كان واضحاً أن النظام مسؤول بشكل مباشر عما حدث في الأربعاء الدامي من تفجيرات وعمليات قتل واختطاف لمدنيين أغلبهم نساء". وأوضح أن "النظام لم يعد قادراً على القول إنه حامٍ للمحافظة"، مضيفاً أن "النظام خاض معركة ضد أهالي محافظة السويداء من خلال تنظيم داعش، ولكنها جاءت بنتائج عكسية عليه". وأشار إلى أنه "تبيّن لأهالي محافظة السويداء عقب الأحداث الأخيرة، أن الجانب الروسي هو المتحكم في النظام، واللاعب الأساسي في مشهد جنوب سورية"، مضيفاً أن "هناك دعوات لمحاورة المحتل الروسي بشكل مباشر وتجاوز هذا النظام الذي يتاجر بنا، ويبتزنا".
وأكد قرقوط أن "هناك موقفاً عاماً في السويداء ضد مسألة إرسال نحو 40 ألف شاب من المحافظة للخدمة في قوات النظام، الذي يطالب بهذا العدد من الفارين من الخدمة في محاولة لسد ثغرة النقص الكبير في عديد قواته".
إلى ذلك، رفضت حركة "شيوخ الكرامة" وهو تجمّع لعدد من رجال الدين في السويداء، مساعيَ روسية لنقل عائلات بدوية من شمال شرقي السويداء إلى داخل محافظة درعا، فيما بدا أنه مشروع "فصل ديمغرافي" باشر به الروس لتلافي أي احتكاك طائفي في المستقبل.
وذكرت شبكة "السويداء 24" أن "الحركة رفضت للمرة الثانية على التوالي المطالب الروسية بنقل العالقين من عشائر البادية في ريف السويداء الشرقي إلى محافظة درعا"، مشيرة إلى أن "وفداً من الجيش الروسي، زار الإثنين منزل قائد حركة رجال الكرامة الشيخ، يحيى الحجار، في قرية شنيرة جنوب السويداء". وأوضحت أن "الحجار أصرّ على موقفه في رفض المطلب الروسي، تخوفاً من أي إجراءات قد تؤثر في مصير المختطفين من النساء والأطفال لدى تنظيم داعش".
ونقلت الشبكة عن مصدر قوله إن "الحجار أكد للوفد الروسي رفض الحركة أي مشروع يهدف إلى تقسيم سورية"، مشيراً إلى أن "حركة رجال الكرامة متمسكة بسوريتها، وستواجه أي مشروع طائفي يهدف إلى تفتيت النسيج السوري". ولفت إلى أن "ليس هناك أي خلافات جوهرية أو طائفية بيننا وبين العشائر فنحن أبناء بلد واحد، ونرفض سياسة التعميم عليهم"، مضيفاً: "نتخوف من استغلال المتعاونين مع داعش من بعض أبناء العشائر للصفقة، وانتقالهم إلى محافظة درعا عبر السويداء التي لا تزال تعاني من مأساة هجوم تنظيم داعش على المحافظة الذي راح ضحيته أكثر 550 شهيداً وجريحاً، فضلاً عن اختطاف نساء وأطفال نعتبر قضيتهم الأولوية القصوى بالنسبة إلينا".