سورية: النظام يستخدم الغاز السام ويستغل ضعف المعارضة بانتصاراته

28 سبتمبر 2014
لا تعترف المعارضة بخسارتها (أليس مارتينز/فرانس برس)
+ الخط -
سيطرت قوات النظام السوري خلال الأيام الثلاثة الماضية على مدن عدرا البلد وعدرا الجديدة وعدرا الصناعية، بعد انسحاب كتائب المعارضة المُسلّحة منها، بينما شهد حي الدخانية كذلك تقدماً في أجزاء واسعة لجيش النظام المدعوم بمليشيات تابعة له، وقوات من "حزب الله" اللبناني.

اضطر النظام في البداية إلى اتّباع السيناريو ذاته، خصوصاً في المدن القريبة من العاصمة دمشق، والذي يتجلّى في استخدام غازات سامة لإجبار الثوار على الانسحاب، وله في هذا السياق تجارب كثيرة، أبرزها قصف مدن الغوطة الشرقية العام الفائت، والذي أودى بحياة أكثر من 1400 مدني، كما اعتمد هذا السلاح في مدينة عدرا العمالية، الواقعة في الريف الشرقي لمدينة دوما، والتي تبعد 35 كيلومتراً شمال شرق العاصمة، ناهيك عن إشراك جيش "التحرير الفلسطيني"، واستخدام الأسلحة المتنوعة.

من جهتها، برّرت المعارضة الانسحاب بأنّه "عُرفٌ عسكري" يعتمد على عمليات الكرّ والفر، والنصر والهزيمة، في حربها مع النظام، واصفة إيّاها بـ"أنّها طويلة الأمد، والعبرة في النهايات".

لكن يبقى العامل الأبرز الذي كشفت عنه المعارضة، أنّ المعارك التي خاضتها ضد قوات نظام بشار الأسد في جبهة عدرا العمالية أدّت إلى استنزاف قوات الأخير وإشغاله، وصرف أنظاره على مواقع أخرى، استطاعت قوات "الجيش الحر" السيطرة عليها، وانسحبت بعدما حققت الأهداف التي دخلت من أجلها إلى المدينة.

وعقب ذلك بيومين، سيطرت قوات النظام بمشاركة قوات الدفاع الوطني على مدينتي عدرا البلد وعدرا الجديدة، بعد إحكام القبضة على عدرا العمالية، فيما انسحبت الفصائل المقاتلة إلى تلّ كردي الذي تقع فيه المدينة الصناعية، ومدينة دوما معقل "جيش الإسلام"، أحد أبرز فصائل "الجبهة الإسلامية".

 وبررت المعارضة الانسحاب بأن المنطقة لم تعد تشكل أهمية إستراتيجية لها، عقب التقدم الحاصل على جبهة دمشق لا سيما في الدخانية، مع أن منطقة عدرا البلد تعد بوابة القلمون الشرقي، ونقطة الوصل بين الغوطة الشرقية والقلمون، إضافة إلى وقوعها على أوتوستراد دمشق حمص، ودورها في كسر الحصار في الغوطة الشرقية، لوقوعها على محور دوما عدرا البلد، عدرا العمالية، عدرا الصناعية، الضمير، فضلاً عن كونها مركزاً اقتصادياً للعاصمة دمشق، كونها تحوي عشرات المصانع والمعامل، ويهدد هذا التقدم كذلك، مدينة دوما، أهم معقل لقوات المعارضة في الغوطة الشرقية.

وعلى الرغم من أن انتصارات النظام جاءت بعد يومين على غارات التحالف الدولي في سورية، والتي استهدفت عشرات المواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، و"جبهة النصرة" في دير الزور والرقة وحلب وإدلب، غير أنّه من اللافت حدوثها بعد مرور نحو أسبوع على غارات التحالف، لم تشهد منطقة الغوطة الشرقية أي استهداف، ويعود ذلك ربما إلى عدم وجود مقاتلين لـ"داعش" والذين انحصروا في مدينة الحجر الأسود، وكذلك لا توجد مقرات ثابتة لـ"النصرة"، حتى أنّ "جيش الإسلام" لم يسمح لـ"النصرة" بمساندته في رد هجوم القوات النظامية على مدينة عدرا البلد، وهذا يؤكد بدوره أن غارات التحالف الدولي، لم يكن لها فضل بشكل أو بآخر، في تقدم قوات النظام هناك.

وبالنظر إلى ربط المعارضة المسلحة انسحابها من عدرا البلد والجديدة والعمالية، بتقدمها الحاصل في جبهة دمشق، خصوصاً في الدخانية، وهو تجمع سكني كثيف يقع بين مناطق جرمانا ودويلعة والكباس وعين ترما، ومنطقة أمنية ومقر أساسي لـ"قوات الدفاع الوطني"، فإن المعلومات تشير إلى أن هذا التبرير في غير مكانه، خصوصاً في ظل تقدم قوات النظام والمليشيات التابعة له، والسيطرة على أجزاء واسعة من الدخانية، والتي تُعدّ خاصرة رخوة لكتائب المعارضة التي سيطرت عليها قبل ثلاثة أسابيع فقط، ومن غير المتوقع أن تصمد طويلاً هناك.

ويبقى السبب الرئيس في تراجع كتائب المعارضة المسلحة، إذا ما تجاوزنا مسألة استخدام النظام للغازات السامة في هجومه على عدرا العمالية، هو ضعف التنسيق بين الكتائب العاملة في ريف دمشق عامة، والغوطة الشرقية خاصة، إذ شهدت المنطقة على مدار الشهر الماضي، سلسلة من خطوات الاندماج فيما بينها، لكن بقيت هذه الخطوات شكلية، وأفرغت من مضمونها المتفق عليه بين جميع الفصائل.

وكانت الخطوة الأبرز تأسيس قيادة عسكرية موحدة برئاسة قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، إذ انضم إليها أبرز الفصائل كـ"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" وحركة "أحرار الشام"، وقالت القيادة إنّها تهدف إلى توحيد الجهود العسكرية لإسقاط النظام وفك الحصار عن الغوطة، ليتبعها تشكيل "فيلق عمر"، بهدف الدفاع عن المظلومين والمستضعفين.

وجاء الاندماج الأخير باسم "جيش الأمة" قبل نحو أسبوع من خسارة المعارضة مواقعها في عدرا، وأعلن التشكيل أنّه يأتي ضمن نظام سياسي عسكري تنظيمي، ويهدف إلى تنسيق العمل العسكري ضمن جسد واحد، يخلصون به إلى قيادة عامة، موحدة على أرض سورية، ليتبين أن هذه الخطوات التوحيدية، كانت بمثابة نقمة، أكثر منها نعمة على الثورة السورية، والتي شهدت خسارة المعارضة لكثير من مناطقها، خصوصاً شرق مدينة دوما وخسارتها مواقع إستراتيجية سيطرت عليها لأشهر طويلة.

وبدلاً من التنسيق ووضع إستراتيجية موحدة لإضعاف النظام عبر جبهات متعددة، جاء إعلان التوحيد في معظمه، حسب ما تبين، بهدف البحث عن تمويل خاص للفصائل، يتبع أجندة معينة تضرب استقرار القرار الوطني، ما فرّق الصف، وأضعف المحاور، وشتّت الجبهات مع قوات النظام، ومنح الأخيرة أحقية استعادة السيطرة عليها.

المساهمون