بدا مفاجئاً للكثيرين حول العالم كيف استطاع الروس والأتراك تجاوز حادثة مقتل السفير الروسي في العاصمة التركية أنقرة، أندريه كارلوف، بسهولة عالية، على الرغم من أن وقوع مثل هكذا حادثة، مع معرفة هوية المنفذ، من الممكن أن تؤدي إلى أزمة دبلوماسية كبيرة في حال حصلت بين أي دولتين أخريين.
تشير المعلومات الأولية حول تفاصيل عملية الاغتيال، إلى أن المنفذ شرطي تركي من قوات مكافحة الشغب التي تعتبر إحدى أهم قطاعات وزارة الداخلية التركية، بل وأكثر من ذلك كان في طاقم حماية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ثماني مرات، إلا أن كل ذلك لم يكن له أي تأثير على العلاقة بين الجانبين.
يعرف الروس تماماً بأنه من غير المنطقي أن تسعى الحكومة التركية لضرب علاقاتها مع موسكو، بينما عملت جاهدة خلال الأشهر الأخيرة لتسريع عملية إعادة تطبيع العلاقات بين الطرفين بعد الأزمة التي اندلعت بينهما في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، إثر قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية على الحدود السورية ـ التركية، بكل ما كان لذلك من تبعات على الاقتصاد التركي، الذي تلقى خسائر كبيرة في عدد من القطاعات جراء العقوبات الروسية، وعلى رأسها قطاع السياحة والزراعة وقطاع الإنشاءات النشط في الأراضي الروسية.
لم يكن تجاوز الأزمة مدفوعاً فقط بالمصالح الاقتصادية بين الجانبين، ولكن السياسة الخارجية هي التي لعبت الدور الحاسم في ذلك، وبالذات المصالح المشتركة في الملف السوري. تحتاج كل من موسكو وأنقرة لبعضهما البعض في سورية للتخفيف من تأثير أعدائهما وحلفائهما الاستراتيجيين في آن معاً هناك، وبينما تجهد أنقرة لتخفيف تأثير واشنطن في دعم قوات الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لعدوها اللدود ممثلاً بالعمال الكردستاني، عبر التعاون مع الروس، تجهد موسكو أيضاً لتخفيف السطوة الإيرانية في سورية، فجاء السماح بالتدخل التركي عبر عملية درع الفرات، وبينما تسعى موسكو لتخفيف نفوذ الغرب عبر تركيا، تسعى أيضاً أنقرة لتخفيف تأثير إيران عبر روسيا.