سورية: التهريب وتدهور الثروة الحيوانية يرفعان الأسعار خلال الأضحى

10 اغسطس 2019
التجارة تتواصل رغم الحرب (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
وسط تدهور معيشة السوريين، وتراجع سعر صرف العملة المحلية أخيراً إلى أكثر من 600 ليرة مقابل الدولار بالسوق السوداء، وتثبيت الأجور عند عتبة 45 ألف ليرة وارتفاع الأسعار، تأتي أضحية العيد التي يزيد سعرها عن 150 ألف ليرة، بمثابة حلم صعب المنال، حسب ما يقول العامل بالشؤون الإغاثية بريف إدلب، محمود عبد الرحمن.

وفي اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أكد عبد الرحمن أن أسعار اللحوم ارتفعت بالمناطق المحررة بأكثر من 20% خلال العام الجاري، ليصل سعر كيلوغرام لحم الخروف إلى 4 آلاف ليرة ونحو ألفي ليرة لكيلو غرام من الخروف الحي.

ولفت العامل الإغاثي إلى أنه خلال "الأعوام السابقة، كان المغتربون يتكفلون بإرسال ثمن الأضاحي لذويهم كما كانت المنظمات الدولية والجهات الإغاثية تتبرع بالمال أو حتى تذبح الأضاحي وتوزع اللحوم على سكان المناطق المحررة الذين يعانون الفقر والبطالة"، مضيفاً أن "هذا العام، وبالتوازي مع ارتفاع الأسعار، لا مؤشرات على استمرار ذلك الدعم، ما يعني وعلى الأرجح، تراجع نسبة الأضاحي بأرياف إدلب وحلب وحماة، لأن سكان إدلب، أصليون ونازحون، بالكاد يتدبرون معيشتهم اليومية".


من جانبها، توقعت "جمعية اللحامين في دمشق"، ارتفاع عدد الأضاحي خلال العيد هذا العام، بأكثر من 15 ألف أضحية مقارنة بالعيد الماضي، ليصل عدد الأضاحي إلى 100 ألف أضحية من الأغنام و10 آلاف أضحية من الأبقار بالمناطق التي يسيطر عليها النظام. ويرى تاجر الأغنام بريف دمشق، رضوان محمد أن "موسم الخير وكثرة الأمطار والمراعي" هو السبب الأهم بزيادة الأسعار، لأن المربين يتريثون بالبيع بواقع توفر العلف المجاني "المراعي" ما يقلل العرض بالأسواق وبالتالي ترتفع الأسعار.

ويشير محمد لـ"العربي الجديد" إلى أنه خلال الأعوام السابقة كانت قطعان الماشية تعرض بساحات ريف دمشق، خاصة قبل عيد الأضحى، في حين هذا العام "تتم التوصية للتجار قبل فترة لتأمين الأضاحي وبأسعار وصلت إلى 2300 ليرة لكيلوغرام لحم الأضحية، أي بزيادة أكثر من 15% عن سعر العام الماضي".

من جهته، يؤكد تاجر الأغنام بمنطقة حرستا بدمشق، ناصر اللوزة لـ"العربي الجديد" أن "استمرار التهريب إلى لبنان والعراق وحتى الأردن، هو السبب الرئيس لارتفاع الأسعار"، مضيفا أن "الحكومة لم تصدر قرار تصدير الأغنام قبل العيد، كما كل عام، لكن التهريب ازداد بواقع الطلب على الخروف السوري وارتفاع سعره بالدول المجاورة".

كشفت مصادر خاصة من دمشق، لـ"العربي الجديد" أن وزارة الاقتصاد بحكومة بشار الأسد "لم تصدر حتى الآن قرار تصدير الأغنام، علماً أن التصدير يبدأ كل عام منذ شهر إبريل/نيسان".

كما من المستبعد، بحسب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن يتم إصدار قرار بتصدير الأغنام هذا العام، خاصة بواقع "عدم تلقي الوزارة أي طلب من المربين بخصوص رغبتهم في التصدير، ويبدو أنه لا فائض هذا العام بحسب مراسلات وزارة الزراعة لوزارة الاقتصاد".

بدوره، استبعد مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة هيثم حيدر، إصدار قرار بفتح تصدير الأغنام حالياً، وذلك بسبب صعوبة تقدير أعداد القطعان الحقيقية والتي تعتمد عليها وزارة الاقتصاد عند اتخاذ قرار التصدير.

وكشف حيدر خلال تصريحات صحافية، أنه لم يجر منذ بداية الأزمة أي إحصاء مبني على أسس علمية، وذلك بسبب كلفته العالية، وعدم توافر مستلزمات الحصر الشامل والإمكانات اللوجستية وعدم القدرة على الوصول، مبيناً أن الإحصائيات الموجودة غير موثوق فيها ولا يعتد بها، لأنها مكتبية، ناتجة من الجولات الإحصائية لمديري الزراعة.

تشهد الثروة الحيوانية في سورية، فضلاً عن تراجعها إلى نحو نصف ما كانت عليه قبل الثورة، حالات تهريب إلى الدول المجاورة تجنبا لمخاطر تربية الحيوانات والاستفادة من فارق السعر المرتفع بالدول المجاورة. وحسب تقرير صادر عن مديرية دعم القرار التابعة لحكومة نظام الأسد، فإن هناك مؤشرات تؤكد فقدان سورية حوالي 50 في المائة من ثروتها الحيوانية خلال الفترة 2011– 2016. وأشار التقرير إلى انخفاض أعداد الأبقار والأغنام بنسبة 40 في المائة، وتقلص أعداد الدواجن بنسبة 60 في المائة، وارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية بنسبة 168 في المائة خلال الفترة ذاتها.

يقول المهندس الزراعي يحيى تناري إن عدد قطعان الأغنام بسورية تراجع من نحو 23 مليون رأس عام 2011 إلى أقل من 13 مليوناً هذا العام، وكذا كان الأثر على بقية القطعان، من أبقار وماعز وحتى دواجن.

وحول الأسباب، يضيف تناري من ريف إدلب المحرر لـ"العربي الجديد" أن الأسباب تتنوع بين آثار الحرب وخاصة ما شهدتها مدن الجزيرة السورية "الرقة، الحسكة ودير الزور" والتي تعتبر خزان البلاد المائي والنفطي والحيواني، وكما إن ارتفاع أسعار الأعلاف كان له دور بعزوف كثير من المربين الذين منوا بخسائر خلال انحسار الأمطار خلال الأعوام السابقة.

واعتبر المهندس السوري أن فتح باب التصدير كل عام لأكثر من 150 ألف رأس غنم، بعد موسم ولادات الأغنام بشهر مارس/آذار، أثر بشكل كبير على الثروة الحيوانية، وخاصة على الأصناف النادرة كالماعز الشامي، ناهيك بالتهريب المستمر وخاصة بواقع زيادة الطلب على اللحوم السورية، بدول الخليج والجوار.

يذكر أن الإنتاج الحيواني كان يشكل بين 35– 40 في المائة من إجمالي الإنتاج الزراعي قبل اندلاع الثورة، وضم نحو 20 في المائة من القوى العاملة في المناطق الريفية، وكانت قيمة صادرات لحم الضأن وحدها حوالي 450 مليون دولار سنوياً. وحذرت منظمة الأغذية والزراعية بالأمم المتحدة "الفاو" من أن الفشل في توفير الدعم الكافي للقطاع الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأمن الغذائي بشكل لا رجعة فيه، ويؤثر على سبل عيش المواطنين والمزارعين على حد سواء.
المساهمون