سورية: التحالف الدولي يكرر سيناريو الرقة "المتوحش" في السوسة

22 أكتوبر 2018
عنصر من "قسد" في معركة السوسة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


مع إظهار تنظيم "داعش" شراسةً في الدفاع عن آخر معاقله في جنوب شرق دير الزور، واستمرار هجوم "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، يدفع المدنيون في المناطق الخاضعة للتنظيم المتطرف، الثمن الأعلى لهذه المعارك، إذ يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات، بما فيها المجازر الجماعية، وآخرها يوم الجمعة الماضي في بلدة السوسة.

وارتفعت حصيلة ضحايا قصف طيران التحالف الدولي على جامع "عثمان بن عفان" في بلدة السوسة القريبة من هجين، في دير الزور الشرقي مساء الجمعة، فوصل العدد، وفق ناشطين محليين، إلى قرابة 70 مدنياً، جُلّهم من الأطفال والنساء، ذلك بعد انتشال العشرات من تحت الأنقاض. ورجح الناشطون ارتفاع عدد ضحايا المجزرة حيث لا تزال هناك جثث تحت أنقاض المنازل، بينما يعمل الأهالي على انتشال المدنيين بإمكانات متواضعة ومعدات بسيطة. وفيما صعُب التأكد تماماً من هوية كافة القتلى بقصف التحالف الدولي، على بلدة السوسة، بسبب غياب المصادر المستقلة في المناطق الخاضعة لـ"داعش"، فإن مختلف المعلومات، التي تم استقاؤها من مصادر محلية متعددة، أشارت إلى أن القصف خلف عشرات الضحايا المدنيين، وعدداً من عناصر التنظيم.

وتقع بلدة السوسة على كتف نهر الفرات، إلى الجنوب الشرقي من مدينة دير الزور بنحو 125 كيلومتراً، بينما تبعد عن مدينة البوكمال التي تسيطر عليها قوات النظام غربا نحو 10 كيلومترات. كذلك تقع البلدة في منتصف منطقة سيطرة تنظيم "داعش" شمال نهر الفرات، ما بين الباغوز ومدينة هجين (95 كيلومتراً شرقي مدينة دير الزور)، لذا تحاول قوات "قسد" انتزاعها لشطر منطقة سيطرة "داعش" من الوسط، ما قد يؤدي إلى انهيار دفاعات التنظيم في مدينة هجين وإنهائه عملياً في شمال نهر الفرات.

ومن الواضح أن التحالف الدولي يكرر سيناريو الرقة "المتوحش" الذي استخدمه قبل أكثر من عام وأدى الى تدمير شبه كامل للمدينة ومقتل مئات المدنيين، مع استمرار اكتشاف الجثث تحت أنقاض المنازل.
وأكدت مصادر محلية أن "طيران التحالف الدولي لجأ إلى اتباع سياسة الكثافة النارية، لصد عناصر التنظيم الذين استغلوا عاصفة رملية لشن هجوم كبير أدى إلى استعادة التنظيم مواقع خسرها، وطاولت حملات القصف مدنيين مقيمين في المناطق الخاضعة لتنظيم داعش".



من جهته، طالب النظام السوري بـ "إجراء تحقيق دولي مستقل" بعد مجزرتي قريتي السوسة والبو بدران في ريف محافظة دير الزور، معتبراً في رسالة للأمم المتحدة ما جرى "جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وتبرهن مرة أخرى على مدى استهتار دول هذا التحالف بأحكام القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني وتجرد هذه الدول من أي قيمة أخلاقية". لكن ناشطين سوريين سخروا من حديث النظام هذا، لكون النظام مع حلفائه، قتلوا مئات آلاف السوريين، وشردوا ملايين منهم على مدى أكثر من سبع سنوات، ووفروا البيئة المناسبة لظهور تنظيمات متطرفة كانت ذريعة لتدخل إقليمي ودولي في سورية، معتبرين أن رسالة النظام للأمم المتحدة، ذات أهداف سياسية، لا لكون التحالف قتل مواطنين سوريين.

وشهد ريف دير الزور الشرقي العديد من المجازر بحق المدنيين من قبل طيران النظام ومقاتلات روسية، خصوصاً خلال العام الماضي إبّان المعارك مع التنظيم جنوب نهر الفرات. إلى ذلك، لا يزال ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات مسرح معارك واشتباكات توصف بـ "العنيفة" بين "قسد" و"داعش"، على محاور ضمن الجيب الأخير للتنظيم في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، مع محاولة التنظيم استرجاع المناطق التي خسرها انطلاقاً من محور الباغوز إلى محور هجين، فيما تسعى قوات "قسد" للحفاظ على المناطق التي تقدمت إليها بغطاء جوي مكثف وعنيف من قبل طائرات التحالف الدولي.

وأكدت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن "بلدة السوسة لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش"، مشيرة إلى أن "الاشتباكات جارية بين الطرفين"، وموضحة أن "التنظيم يعتمد على المفخخات فيما تعتمد قسد على طيران التحالف الدولي". ولفتت المصادر إلى أن "استشراس التنظيم في القتال نابع من يقينه أنه يخوض معركة وجود، فضلاً عن معرفة عناصره بطبيعة المنطقة جغرافياً، بسبب وجودهم فيها منذ منتصف عام 2014"، مشيرة إلى أنه "يبدو أن قوات قسد لم تضع استراتيجية قتال واضحة تمكنها من انتزاع السيطرة على المنطقة التي تمتد من قرية البحرة غرباً إلى الباغوز شرقاً"، مضيفة أن "هناك توتراً عربياً كردياً داخل قوات سورية الديمقراطية وهو ما يفقد العناصر في هذه القوات الحماس للقتال".

وأكدت المصادر أن "آلاف المدنيين العالقين في منطقة الصراع يعيشون ضمن ظروف إنسانية كارثية، في ظلّ عدم محاولة التحالف الدولي فتح ممرات آمنة لهم للخروج من المنطقة، كما أن التنظيم اتخذ منهم دروعاً بشرية، ولكن مجازر السوسة أثبتت أن طيران التحالف لا يكترث بحياة المدنيين".

وبدأت قوات "قسد" في العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي بدعم جوي من طيران التحالف الدولي، معركة واسعة النطاق لطرد تنظيم "داعش" من آخر جيوبه في مدينة هجين ومحيطها. وحققت المعارك في بداياتها تقدماً للقوات المهاجمة على بعض محاور القتال، خصوصاً في محيط قرى السوسة والباغوز والشعفة ومدينة هجين، لكن التنظيم شنّ لاحقاً هجمات معاكسة شتتت شمل قوات "قسد"، وأبدى شراسة في الدفاع عن آخر معاقله في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي.

ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 2832 مدنياً، بينهم 861 طفلاً، على يد قوات التحالف الدولي الذي تأسس في عام 2014، وضمّ أكثر من عشرين دولة، منذ تدخلها العسكري في سورية، في 23 سبتمبر/ أيلول عام 2014 وحتى التاريخ نفسه من العام الحالي. وأوضحت في تقرير صادر عنها أخيراً أن "العامين الثالث والرابع (من نشاط التحالف في سورية) شهدا العدد الأكبر من الضحايا، وسقط العدد الأكبر منهم في محافظة الرقة، تلتها محافظتا حلب ودير الزور". كما بيّن أن "قوات التحالف قتلت 976 مدنياً، بينهم 194 طفلاً في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بينما قتلت 1856 مدنياً، بينهم 667 طفلاً، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب".