سجلت أسعار السلع الغذائية في سورية ارتفاعاً جنونياً في الآونة الأخيرة، فيما اضطر الكثير من السوريين إلى التقشف حتى في الغذاء، وقصر الشراء على السلع الأساسية، وسط تبادل للاتهامات بين السلطات والتجار حول التسبّب في تصاعد الأسعار.
ويعتبر السوريون أن تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية، أصبح عبئاً ثقيلاً، في وقت تشهد مداخيلهم تآكلاً وانكماشاً بشكل يومي، مع انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية.
تلتقط "أم محمد" حبة خضار من هنا وهناك، بين طرقات أحد أسواق دمشق، قائلة: "ارتفعت أسعار الخضار بشكل كبير، ولم أعد قادرة على أن أؤمّن ما يُسكت جوع أولادي، فالوجبة التي كانت تكلّفنا 250 ليرة يومياً، باتت تكلّف 1000 ليرة، على أقل تقدير".
تعيش أم محمد، التي فقدت معيلها منذ نحو العام، مع ابنها المتزوج وحفيديها وبناتها الثلاث، في منزل لا تتجاوز مساحته خمسين متراً مربعاً في إحدى ضواحي العاصمة.
وقالت: "ابني وابنتي يعملان، لكن معظم أجرهما ندفعه إيجاراً للمنزل، ونأكل ممّا أستطيع الحصول عليه من بيع ما أجمعه من خبز يابس وبلاستيك، إضافة إلى هذه الخضار، التي تسقط في السوق خلال تحميل وتفريغ الخضار".
الحياة بالحدود الدنيا
وقال أبو عادل، موظف في دمشق، لمراسل "العربي الجديد"، إن أسعار بعض المواد الغذائية، تضاعفت نحو 300%، في حين ارتفع راتبه 50% فقط.
وأضاف أنه لو لم تكن زوجته تعمل وإياه، منذ نحو 30 عاماً، لما استطاعوا أن يؤمّنوا أساسيات معيشتهم بحدودها الدنيا.
وأشار إلى أن أسرته، المكوّنة من أربعة أفراد، بحاجة إلى نحو 60 ألف ليرة سورية شهرياً (375 دولاراً، على أساس سعر صرف الدولار بـ160 ليرة)، لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها المعيشية.
وحسب آخر مسح أجراه المكتب المركزي للإحصاء الحكومي، في عام 2009، فإن متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً بلغ نحو 30 ألف ليرة، في حين كان متوسط الدخل بحدود 12 ألف ليرة.
وحسب خبراء اقتصاد، يمكن تقدير معدل الإنفاق الشهري حالياً بنحو 90 ألف ليرة، في ظل قفزات الأسعار بنسبة 300%، في حين لا يزيد متوسط الدخل الشهري لمعظم السوريين، عن 15 ألف ليرة.
وكان تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا)، صدر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أفاد بأن "18 مليون سوري يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وأن سوريا تواجه احتمالات المجاعة لأول مرة في التاريخ الحديث".
ووفق آخر بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء حول التضخم الذي يقيس أسعار المستهلكين، فقد ارتفعت الأسعار في سبتمبر/ أيلول 2013 بنسبة 121% عن الشهر نفسه من العام 2012.
ويعيش السوريون في ظل أوضاع إنسانية سيئة، حيث قتل منهم أكثر من 150 ألف شخص، بحسب منظمات حقوقية، في وقت نزح فيه أكثر من 9 ملايين آخرين داخل البلاد وخارجها، معظمهم من النساء والأطفال، وذلك خلال السنوات الثلاث الماضية.
اتهامات متبادلة
وتبادل المسؤولون في النظام السوري والتجار الاتهامات حول التسبّب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وقال تاجر كبير في دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد": "ماذا يفعل التاجر أمام تدهور الأوضاع الأمنية، وتذبذب سعر صرف الليرة، وتخبّط الحكومة بقراراتها الاقتصادية، وشلل العملية الإنتاجية في الداخل، والعقوبات المفروضة من عدة دول؟".
وأضاف أن من أهم عوامل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هو خروج مساحات كبيرة من الأراضي من العملية الإنتاجية، وشبه شلل الصناعة التحويلية الزراعية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وعلى رأسها النقل، وانخفاض القيمة الشرائية للعملة السورية.
وقال: "في ظل العقوبات الاقتصادية والمقاطعات، التاجر يتحمّل تكاليف تأمين المواد المستوردة، عبر نقلها بسفن تحمل أعلاماً متعددة، وعبر نقلها من نقاط عدة، وهذا مُكلف، أما في الداخل فإيجار نقل حمولة شاحنة من اللاذقية إلى دمشق يكلّف 200 ألف ليرة، وإذا كانت القافلة من خمس شاحنات وفقدت إحداها لسبب ما، فلا تعوّض شركة التأمين أي خسائر، بداعي أنها ناتجة عن الحرب الدائرة في البلاد. وبالطبع كل ذلك يتحمل المواطن الفقير أعباءه في النهاية".
رقابة شكلية
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك، عدنان دخاخني، إن هناك انفلات في الأسعار وفوضى عارمة تجتاح الأسوق، بينما الرقابة عليها شكلية.
وأضاف الدخاخني، في تصريح خاص: "تمنينا أن تعمل الحكومة على خفض الأسعار، وأن تلحظ في قراراتها هذا الجانب، لكننا لم نلمس استجابة منها، بل إنها رفعت أخيراً سعر البنزين، الذي سينعكس سلباً على حياة أغلب المواطنين البسطاء".
وقال إنه بينما تشهد البلاد ارتفاعات كبيرة في الأسعار، فإن هناك ثبات وتآكل في المداخيل مع تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية.
وأضاف أن ارتفاع أسعار السلع المستورة بسبب انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي سبب رئيسي أيضاً في قفزات الأسعار.
ضبط الأسواق
وقال قيس خضر، أستاذ التحليل الاقتصادي في جامعة دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن هناك فجوة حقيقية بين الدخول الحقيقية والأسعار.
وأضاف أن "الدخل الاسمي يبلغ اليوم 20 ألف ليرة، لكن هذا يعادل نحو 6 آلاف ليرة كدخل حقيقي، قياساً بكمية السلع التي يمكنه الحصول عليها".
وقال إن "السوق السورية غير منضبطة ولا تعرف حداً في ارتفاع الأسعار، لذلك فإن مستوى معيشة المواطن السوري آخذة في التراجع تدريجياً مع ارتفاعات الأسعار".
وقال: "للأسف، شكلت الأزمة الحالية فرصة للبعض (التجار) لزيادة دخولهم بشكل كبير وغير عادل".
وأضاف أنه بدلاً من زيادة دخول السوريين، لا بد من خفض الأسعار، وضبط الأسواق.