أثار بيان الرياض 2 الصادر، يوم الأربعاء الماضي، عن 140 معارضاً سورياً في العاصمة السعودية، تحت شعار توحيد صفوف قوى الثورة والمعارضة السورية، الكثير من الآراء المتباينة لأسباب عديدة. ومن هذه الأسباب، ما يتعلق بظروف انعقاد المؤتمر، في ظل ضغوط، لتوسيع صفوف الهيئة العليا للتفاوض وإعادة تشكيل صفوفها. كما أن جزءاً آخر من أسباب السجال الذي أثاره البيان الختامي يعود إلى اللغة الملتبسة التي تعمد صانعوه الكتابة بها، ما فتح المجال أمام كثيرين لإجراء مقارنات ما بين بياني الرياض 1 قبل عامين، والرياض 2 الأخير.
وبدت المفارقة بين المؤتمرين واضحة، فقد صدر بيان الرياض 1 (15ديسمبر/ كانون الأول 2015) في ظل محاولة روسيا أداء دور جديد عبر مجموعة العمل من أجل سورية، بعد أكثر من شهرين من تدخلها العسكري الجوي لدعم قوات الأسد التي كانت على وشك الانهيار بموافقة أميركية، فجاء المؤتمر والبيان كانعكاس لتوافقات دول مجموعة العمل، والذي بني عليه لاحقاً القرار 2254.
ومن الفوارق بين البيانين، بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، إذ نصّ بيان الرياض 1 على أنه "لا مكان لبشار الأسد وزمرته" في النظام السياسي الناشئ عن عملية الانتقال السياسي. أما بيان الرياض 2 فحوّل بقاء بشار الأسد إلى مسألة تفاوضية فعلياً، عندما يقول إنه يجب أن يرحل في بداية المرحلة الانتقالية.
ونصّ بيان الرياض 1 بوضوح على أن "هدف التسوية السياسية هو تأسيس نظام سياسي جديد، مبني على البنود الواردة في بيان جنيف (30 يونيو/حزيران 2012)، في إطار ضمانات دولية مدعومة بقوة الشرعية الدولية"، من دون الإتيان على ذكر "هيئة الحكم الانتقالي" صراحة. أما بيان الرياض 2 فتحدث عن ضرورة المحافظة على "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية". إلا أن البيان أشار بوضوح إلى أن "المشاركين اتفقوا على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، بما يمكّن السوريين من صياغة دستورهم من دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة". أما بيان الرياض 1 فلفت إلى أن "هدف التسوية السياسية هو الانتقال السياسي"، لكن بيان الرياض 2 اختصرها بـ"صياغة دستور" و"انتخابات". وهو ما عنى التحوّل من مبدأ "الانتقال السياسي" إلى "التحول السياسي"، في تطابق مع تفسير موسكو ومشروعها في سوتشي، المكوّن من نقطتين: صياغة دستور أو تعديل دستوري ثم انتخابات.
وفي سياق عمل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، ذكر بيان الرياض 1 أن "المؤتمرين تعهدوا بالحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية"، في إشارة إلى أن هاتين المؤسستين ستتعرضان لعمل جذري يغير بنيتهما. أما بيان الرياض 2 فكشف أن "المؤتمرين تعهّدوا بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإصلاحها، مع وجوب إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وضمان حقوق العاملين فيها". أي أن الذين خدموا في أجهزة الأمن والمؤسسات العسكرية التي انخرطت كلياً في مواجهة الشعب السوري، سيكون لهم حقوق الرواتب التقاعدية والرعاية وامتيازات نهاية الخدمة بدلاً من التأكيد على المحاسبة والعدالة الانتقالية، وهو في واقع الأمر يمنزلة تكريم لم يكن من الممكن التصريح به على الإطلاق قبل هذا البيان.
وبالنسبة للبنود فوق التفاوضية، فقد ذكر بيان الرياض 1، أن "المؤتمرين يطالبون الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإجبار النظام على تنفيذ إجراءات تؤكد حسن النوايا قبل البدء بالعملية التفاوضية"، بينما حذف تعبير "إجبار" في بيان الرياض 2، وتم الاكتفاء بالقول إن "المشاركين يطالبون الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتنفيذ بنود قرارات مجلس الأمن، والعمل القوي والجاد لتطبيق القرارات الخاصة"، من دون أية إشارة إلى أنها جزء من إجراءات حسن النوايا، ومن دون أي إشارة إلى القرارات الأممية، خصوصاً القرار 2254. وذهب بيان الرياض 2 أبعد من ذلك، حين أدرج مع هذه البنود "تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد بشكل فعلي وحازم"، في تشويش على مرجعية المطالبة بتلك البنود المفترض أنها كانت فوق تفاوضية على الرغم من أنه ذكر أن "المطالبة بتنفيذ ما ورد في القرارات الدولية ليس شرطاً مسبقاً"، ولكن في ظلّ عدم الإشارة إلى مرجعية إجراءات حسن النوايا، فقد تحول الأمر كلياً إلى التفاوض.
أما بالنسبة إلى وقف إطلاق النار، فاعتبر بيان الرياض 1 أن "تنفيذ وقف إطلاق النار يتم بناء على الشروط التي يتم الاتفاق عليها حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي وفي إطار الحصول على ضمانات دولية مدعومة بقوة الشرعية الدولية"، أي أن ذلك لا يحصل قبل اتفاق التسوية. غير أن بيان الرياض 2 طالب بـ"تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد بشكل فعلي وحازم"، بما معناه أنه قبل بوقف إطلاق النار قبل التسوية السياسية، وخلافاً لجميع القرارات الدولية وبشكل خاص بيان جنيف والقرار 2118 وما هو معروف بخطة المبعوث الأممي السابق كوفي عنان للبنود الستة التي تمثل أحد أعمدة القرار.
وفي مرجعية الوفد التفاوضي، ذكر بيان الرياض 1 أن "الهيئة التفاوضية ستكون هي مرجع الوفد التفاوضي"، من دون الإشارة إلى مرجعيتها، أما بيان الرياض 2، فاعتبر أن "البيان الصادر عن المؤتمرين هو المرجعية الوحيدة للهيئة من دون الإشارة إلى مرجعية الوفد التفاوضي، وهو ما يترك الباب مفتوحاً لإنشاء مرجعية جديدة". لا شك أن الالتباس في البيان الجديد والفراغات الموجودة فيه كانت متعمدة لتلائم الظروف التي عقد فيها المؤتمر وتحقق المخرجات التي كانت متوقعة سلفاً، ومن الممكن المجادلة في حدود تأثير تلك التغييرات ومدى تأثيرها على الحل السياسي إلا أن العامل الأساس الذي يحسم هذا الجدل هو تركيبة الوفد التفاوضي والسياق الذي ولد فيه.