سوريات معنَّفات في الشمال

12 يناير 2020
الحرب تزيد الأوضاع سوءاً (إبراهيم يوسف/ فرانس برس)
+ الخط -
قد يكون ازدياد العنف منطقياً في مناطق الصراع المسلح، كما هي الحال في سورية، لكن تبقى تلك الانتهاكات خطراً يهدد النساء بالذات، قبل الحرب وخلالها، ولطالما بقي طيّ كتمان المنازل بعيداً عن يد القانون، خصوصاً مع ضعف دور منظمات المجتمع المدني.

تقول "سناء ق." (18 عاماً) التي تسكن في ريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "أنا الزوجة الثالثة لزوجي، وقد تزوجت قبل ثلاث سنوات تقريباً، وأنا اليوم أم لطفلين، تعنيف المرأة أمر طبيعي في مجتمعنا، فقبل أن أتزوج كنت أتعرض للضرب من أبي وأخي، بين الحين والآخر، بالإضافة إلى التأنيب والصراخ، إذا تلكأت بالقيام بأيّ عمل يطلبانه مني". تضيف: "في المرة الأولى، ضربني زوجي ليلة زفافي. صفعني حينها بقوة، ولن أنسى هذه الصفعة طوال حياتي، وقال لي: هذه كي تتذكري أنّي لا أكرر كلامي أكثر من مرة". تتابع: "في السنوات الثلاث من زواجي، تعرضت أكثر من مرة للضرب، أما الصراخ والشتم فهذا يحدث عادة لأتفه الأسباب". تضيف أنّها لم تفكر في اللجوء إلى عائلتها أو القانون، مبررة ذلك بأنّها إن فعلت سيطلقها زوجها، ويحرمها أطفالها، وحتى عائلتها ستكون ساخطة عليها، أولاً لأنّ ابنتهم طُلّقت، وثانياً لأنّهم زوجوها ليتخلصوا من أعباء معيشتها، كذلك ستكون فرصتها بالزواج مرة ثانية ضعيفة جداً: "سأكون ذات سمعة سيئة في نظر المجتمع، لأنّي تحدثت عن العنف الذي أتعرض له".




بدورها، تقول الناشطة حبيبة العمري، من سكان ريف حلب، لـ"العربي الجديد": "تعاني نسبة كبيرة من النساء في المناطق المحررة من ممارسات عنيفة تصنّفها الأمم المتحدة على أنّها عنف قائم على النوع الاجتماعي. العنف اللفظي من سباب وكلام بذيء هو الأبرز، ثم العنف الاقتصادي القائم على حرمان الميراث والعمل. كذلك، تُحرَم الفتاة التعليم والطفولة بسبب إجبارها على الزواج المبكر". تتابع قائلة إنّ "التمييز بين الجنسين أحد أبرز الممارسات العنيفة التي تحرم الفتاة حقها في التعليم، كذلك تسمح بالوصاية عليها من الأخ، وتُعرّضها للظلم في كثير من الأحيان". تضيف: "أيضاً، تتعرض النساء للعنف الجسدي، كالضرب، سواء من الأب أو الأخ أو الزوج، وهذا الضرب لا يقابَل غالباً باستنكار من المجتمع الذي يراه ممارسة عادية تفرضها العادات والتقاليد القائمة على محو شخصية المرأة أمام معيلها". وتذكر أنّ هناك "العديد من المنظمات التي تصبّ اهتمامها بمجال حماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ تقيم هذه المنظمات جلسات توعية في المخيمات والتجمعات السكنية، وتستهدف النساء بانتماءاتهن كافة، سواء من أهل المنطقة الأصليين أو المهجرين أو حتى البدويات في خيامهن البعيدة. وتقدم فرق الحماية أمثلة حية لتوعية المرأة وتثقيفها في كيفية التصرف إزاء أيّ حادث تمرّ به، سواء كان تعنيفاً جسدياً أو جنسياً أو اقتصادياً، وهذه المنظمات وفرق الحماية الجوالة تحظى بدعم لوجستي جيد وتعمل في ظروف مشجعة، إذ تلاقي اهتماماً من المجتمع وإقبالاً لا بأس به من النساء".

من جهتها، تقول الناشطة، عضوة منظمة "سلام" في إدلب، صفاء كريدي، لـ"العربي الجديد": "ينتشر العنف ضد المرأة بنسبة كبيرة تزيد على 70 في المائة، وتتنوع أشكال العنف من العنف المنزلي والعنف الجسدي والعنف النفسي من الشريك، إلى العنف النفسي من الآخرين، وحرمانها الموارد، والعنف الجنسي، وعنف الشريك الحميمي، والاستغلال الجنسي". تعيد أسباب العنف الممارس على النساء إلى "سوء استخدام السلطة، والعادات والتقاليد، وعدم المساواة بين الجنسين". وتكشف أنّ معظم ما يقدَّم من نشاطات للمعنّفات يتمركز حول إدارة الحالة، والبرامج الوقائية، من توعية ودعم نفسي، ثم تمكين، ودمج، وتحسين سبل العيش عبر دورات مهنية، كتصفيف الشعر والخياطة والحياكة، والكومبيوتر. كذلك، الحد من المخاطر، وإنشاء شبكات مجتمعية وتكريس دعم مَن هنّ في حالتها".




تلفت كريدي إلى أنّ عوائق العمل متعددة، ومنها "عدم اعتراف كثير من الناس بوقوع العنف ضد المرأة، وذلك لاعتيادهم هذا العنف كموروث اجتماعي. تتابع قائلةً إنّ الحدّ من العنف يبدأ من توعية المجتمع، بمفهوم العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأنواعه وأسبابه وعواقبه وكيفية تصميم برامج تتناسب مع الناجيات. تضيف: "لدينا كثير من الاحتياجات، مثل الاحتياجات الطبية، والدعم النفسي والاجتماعي، والإغاثة، والتعليم، وتوفير المأوى الآمن، وتوفير المال". وتذكر أنّ "جميع منظمات الحماية تهتم بهذا الشأن، لكنّ الفجوة الواقعة أنّ احتياجات الناجيات مختلفة، ما يؤدي إلى ضعف في الدعم لها، لذلك تلجأ هذه البرامج كأولوية إلى التشبيك بين المنظمات والعمل على نهج متعدد القطاعات والإحالة على منظمات أخرى تقدم دعماً غير متوافر في المنظمة المستقبلة للحالة". توضح أنّه "لا بيئة قانونية داعمة، ونكتفي بتقديم الاستشارات القانونية". تؤكد أنّ "الموروث الاجتماعي والسياق المجتمعي والعادات والتقاليد والبيئة والجهل والحرب والنزوح، تزيد كلّها من العنف، لكنّ العنف غير مبرر بأيّ شكل".
دلالات
المساهمون