07 نوفمبر 2024
سوتشي سورية ولعبة الأمم
لم تُخفِ روسيا هدفها من مؤتمرها السوري في سوتشي؛ فقبل انعقاده بأشهر، قالت بوضوح إن من يحضر سيوافق على بقاء النظام، وبعد ذلك، لا بأس بكثيرٍ من الثّرثرات. مخرجات سوتشي الآن هي تشكيل لجنة دستورية من 200 سوري، من أتباع النظام و"معارضين" لم يتجاوزوا في أطروحاتهم عام 2011، أي الإصلاح السياسي، من أمثال قدري جميل وهيثم مناع ورندة قسيس وحتى أحمد الجربا وآخرين. المشكلة ليست هنا، فهؤلاء يعلنون مواقفهم وبالروحية نفسها ومن دون توقف، المشكلة في المعارضة التي أعلنت أنها ستسقط النظام بكل أركانه، فهي وافقت على صيغة الدعوة الروسية لها، والتي تتوجه إلى الأفراد باعتبارهم كذلك، أي وافقوا ليس باسم المعارضة، على الرغم من أنهم منخرطون في هيئاتها؟ انسحاب "أفراد" أحمد طعمة، وبعد إذلال روسي لهم وتركهم في المطار ساعات طويلة، لا يغير شيئاً، ولا أسباب الانسحاب تغير في ذلك. الأسوأ توكيل الأتراك متابعة "سوتشي" باسم المعارضة. ما يعني أن المعارضة لم تنسحب، بل وكلت تركيا بأمر مستقبلها ومستقبل سورية، تركيا التي تنسج سياسة جديدة بالتحالف مع روسيا وإيران والنظام، والتي تتمحور حول إصلاحات سياسيةٍ لا تتضمن تغييراً في النظام. أي هناك توافق كبير بين أطراف المعارضة على بقاء النظام على الرغم من "المناكفات" الجانبية، والتي تحاول التنصّل من مواقف يتكرّر إطلاقها. وليس موقف هيئة التفاوض بعيداً عن موقف "معارضة تركيا"، فعلى الرغم من رفضها "سوتشي"، فهي توافق على حوار مع النظام من دون شروط مسبقة، أي توافق على النظام كما حال بيان "الرياض 2". المشكلة في النظام ذاته، فهو الخاسر الأكبر مع أية مفاوضات. ولهذا لا يقدم للمعارضة أية تنازلات، ومدعوم بمواقفه هذه من إيران، ويستفيد من الخلافات الروسية الإيرانية التركية من ناحية، ومن الخلافات الروسية الأميركية من ناحية أخرى.
سهولة استجلاب النظام إيرانَ وروسيا والمليشيات الطائفية، وكذلك سهولة استدعاء المعارضة التدخل الخارجي، ساهمت في تفتيت "الهوية الوطنية"، ووضعت سورية في إطار لعبة المصالح الإقليمية والدولية. توضّح الأمر مع الارتهان المتتالي لأطراف الصراع السورية، حتى ليكاد يخرج الأمر كلياً من أيدي السوريين؛ فإيران وروسيا وأميركا وتركيا والفرنسيون والخليجيون جميعهم يتصارعون على الأرض السورية، وللجميع وكلاء محليون. وقد أشاد هؤلاء الوكلاء سلطاتٍ تماثل سلطة النظام في بطشها وقمعها وإفقارها وتهميشها الناس، وفي انعدام الوطنية. سورية التي كانت فيها ثورة من أجل واقع أفضل أصبحت فاقدةً للإرادة المستقلة، وتعمل من أجل مصالح الخارج. ممارسات السوريين في "سوتشي"، والتي تبدأ من عدم رفض الدعوات، إلى قبولها من شخصياتٍ لا علاقة لها بالسياسة، إلى قبولها من شخصياتٍ سياسيةٍ، ولكن كدعوات شخصية، إلى توكيل تركيا، إلى مخرجاتها، كلها عناصر توضح مقدار التدخل الدولي في الشأن السوري، وغياب السوريين عن تقرير مصيرهم بشكل مستقل؛ الجميع تابع لأطراف خارجية.
في خلفية رفض هيئة التفاوض مؤتمر سوتشي، هناك أطراف دولية شُكلّت بقيادة أميركا (ارتبط ذلك بسياسة أميركية جديدة) وفرنسا وبريطانية لجنةً جديدة، وأطلقت ورقة خاصة بها، وذلك لإفراغ مؤتمر سوتشي من أي فاعلية. القضية هنا بالتحديد، فكل أطراف المعارضة، بما فيها هيئة التفاوض، لا تعمل مستقلة؛ إذ يمكن القول إن الأطراف السورية تعمل وكلاء للخارج، ومحاولاتها لتحصيل مواقف لصالحها لا تفيد سورية دولة مستقلة، بل من أجل هذه الأطراف وكيلةً وتابعة.
مشكلات سورية التي تعقدت، وفي ظل ما حلّلنا أعلاه، تتوضح أنها ليست في وارد الحل، وأية حلول لها ستكون في إطار ما سبق، أي لترسيخ التبعية والاحتلالات الخارجية. وسيكون دمار أغلبية مدن سورية استثماراً جيداً لتلك الدول. وسيكون مصير اللاجئين كما مصير اللاجئين العراقيين والأفغان، وسواهم، أي لن يعودوا. شهداء الثورة أو قتلى النظام لن يطالب بهم أحد، وكذلك لن يُحاكَم المجرمون. ولن تتوقف الصراعات، وستستمر لصالح الخارج، كما يحدث في ريف إدلب وحماة وحلب والغوطة وعفرين، وقبل ذلك في الرقة ودير الزور، وكل استقرار لها يمكن أن يتفجر، حالما تحدث أي خلافات بين الدول.
الآن، يتمسّك السوريون، من غير التابعين، بجنيف1 وبهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. وقد نشر الروس والأميركان في 2012 مبادئ جنيف، حينما كان النظام والمعارضة قويين ومتعادلين، ولهما دورٌ فاعل في تقرير مصير سورية. ولكن ومع صفقة السلاح الكيميائي في 2013، انتهت إمكانية إسقاط النظام أو إنهاء المعارضة، وأصبح الخارج يقرّر بشكل كامل الوضح السوري. إذاً التمسك ببيان "جنيف 1" وقرارات مجلس الأمن الداعمة له، بالتحديد 2254 و2118، أصبح في ظل التدخل الدولي أمراً يفيد فقط التذكير بالقرارات الدولية، كما حال القرارات الدولية الخاصة بفلسطين. وبالتالي، يعود السؤال اللينيني يطرح مجدّداً: ما العمل إذاً؟
تأخذ سوداوية التحليل أعلاه شرعيتها من واقع العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وأخيراً سورية نفسها. الإشكال الآخر هو، وإجابة على السؤال، هناك غياب شبه كامل لأي تجمعات ثقافية أو سياسية أو ثورية مستقلة، وأغلبية هذه التجمعات أو الأفراد المستقلين الثوريين أصبحوا خارج سورية، وهذا تعقيدٌ إضافي، يمنع ظهور هيئات "ثورية" جديدة، ويدعم الفكرة المطروحة هنا، أن أغلبية المحاولات، ومنذ 2011، والتي عارضت الهيئات السياسية المكرّسة و"التابعة"، لم تستطع تشكيل قوى فاعلة، وتلاشت الواحدة إثر الأخرى، وما ظل منها سوى الاسم، أو هيئات هامشية للغاية.
على الرغم من تشاؤمية ذلك كله، والتي كان هدفها البحث عن البديل، فإن خيارات سورية مرهونة بها حالياً. ولو افترضنا أن الفشل سيكون مصيرها الدائم كما تكرّر، فهذا يعني أن مستقبل سورية خسرناه عقوداً مقبلة، وليس هناك إمكانية لتشكيل قوى بديلة سياسية وثورية ومسلحة مستقلة، من أجل استعادة القرار السوري.
الآن، روسيا وأميركا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية هي من تقرّر مصير سورية، وهذا سيستمر إلى حصول توافق أميركي روسي، وأيضاً يمكن افتراض عدم حصوله؛ فالخلافات بين الدولتين العظميين أصبحت تناقش مستقبل سورية واحدة من القضايا الدولية الأخرى، وهنا تتوضح كارثية الوضع السوري.
.. نعم الطغاة يجلبون الغزاة، ولكن أيضاً الخيانة ليست وجهة نظر، فهل من يَعقل قبل فوات الأوان؟
سهولة استجلاب النظام إيرانَ وروسيا والمليشيات الطائفية، وكذلك سهولة استدعاء المعارضة التدخل الخارجي، ساهمت في تفتيت "الهوية الوطنية"، ووضعت سورية في إطار لعبة المصالح الإقليمية والدولية. توضّح الأمر مع الارتهان المتتالي لأطراف الصراع السورية، حتى ليكاد يخرج الأمر كلياً من أيدي السوريين؛ فإيران وروسيا وأميركا وتركيا والفرنسيون والخليجيون جميعهم يتصارعون على الأرض السورية، وللجميع وكلاء محليون. وقد أشاد هؤلاء الوكلاء سلطاتٍ تماثل سلطة النظام في بطشها وقمعها وإفقارها وتهميشها الناس، وفي انعدام الوطنية. سورية التي كانت فيها ثورة من أجل واقع أفضل أصبحت فاقدةً للإرادة المستقلة، وتعمل من أجل مصالح الخارج. ممارسات السوريين في "سوتشي"، والتي تبدأ من عدم رفض الدعوات، إلى قبولها من شخصياتٍ لا علاقة لها بالسياسة، إلى قبولها من شخصياتٍ سياسيةٍ، ولكن كدعوات شخصية، إلى توكيل تركيا، إلى مخرجاتها، كلها عناصر توضح مقدار التدخل الدولي في الشأن السوري، وغياب السوريين عن تقرير مصيرهم بشكل مستقل؛ الجميع تابع لأطراف خارجية.
في خلفية رفض هيئة التفاوض مؤتمر سوتشي، هناك أطراف دولية شُكلّت بقيادة أميركا (ارتبط ذلك بسياسة أميركية جديدة) وفرنسا وبريطانية لجنةً جديدة، وأطلقت ورقة خاصة بها، وذلك لإفراغ مؤتمر سوتشي من أي فاعلية. القضية هنا بالتحديد، فكل أطراف المعارضة، بما فيها هيئة التفاوض، لا تعمل مستقلة؛ إذ يمكن القول إن الأطراف السورية تعمل وكلاء للخارج، ومحاولاتها لتحصيل مواقف لصالحها لا تفيد سورية دولة مستقلة، بل من أجل هذه الأطراف وكيلةً وتابعة.
مشكلات سورية التي تعقدت، وفي ظل ما حلّلنا أعلاه، تتوضح أنها ليست في وارد الحل، وأية حلول لها ستكون في إطار ما سبق، أي لترسيخ التبعية والاحتلالات الخارجية. وسيكون دمار أغلبية مدن سورية استثماراً جيداً لتلك الدول. وسيكون مصير اللاجئين كما مصير اللاجئين العراقيين والأفغان، وسواهم، أي لن يعودوا. شهداء الثورة أو قتلى النظام لن يطالب بهم أحد، وكذلك لن يُحاكَم المجرمون. ولن تتوقف الصراعات، وستستمر لصالح الخارج، كما يحدث في ريف إدلب وحماة وحلب والغوطة وعفرين، وقبل ذلك في الرقة ودير الزور، وكل استقرار لها يمكن أن يتفجر، حالما تحدث أي خلافات بين الدول.
الآن، يتمسّك السوريون، من غير التابعين، بجنيف1 وبهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. وقد نشر الروس والأميركان في 2012 مبادئ جنيف، حينما كان النظام والمعارضة قويين ومتعادلين، ولهما دورٌ فاعل في تقرير مصير سورية. ولكن ومع صفقة السلاح الكيميائي في 2013، انتهت إمكانية إسقاط النظام أو إنهاء المعارضة، وأصبح الخارج يقرّر بشكل كامل الوضح السوري. إذاً التمسك ببيان "جنيف 1" وقرارات مجلس الأمن الداعمة له، بالتحديد 2254 و2118، أصبح في ظل التدخل الدولي أمراً يفيد فقط التذكير بالقرارات الدولية، كما حال القرارات الدولية الخاصة بفلسطين. وبالتالي، يعود السؤال اللينيني يطرح مجدّداً: ما العمل إذاً؟
تأخذ سوداوية التحليل أعلاه شرعيتها من واقع العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وأخيراً سورية نفسها. الإشكال الآخر هو، وإجابة على السؤال، هناك غياب شبه كامل لأي تجمعات ثقافية أو سياسية أو ثورية مستقلة، وأغلبية هذه التجمعات أو الأفراد المستقلين الثوريين أصبحوا خارج سورية، وهذا تعقيدٌ إضافي، يمنع ظهور هيئات "ثورية" جديدة، ويدعم الفكرة المطروحة هنا، أن أغلبية المحاولات، ومنذ 2011، والتي عارضت الهيئات السياسية المكرّسة و"التابعة"، لم تستطع تشكيل قوى فاعلة، وتلاشت الواحدة إثر الأخرى، وما ظل منها سوى الاسم، أو هيئات هامشية للغاية.
على الرغم من تشاؤمية ذلك كله، والتي كان هدفها البحث عن البديل، فإن خيارات سورية مرهونة بها حالياً. ولو افترضنا أن الفشل سيكون مصيرها الدائم كما تكرّر، فهذا يعني أن مستقبل سورية خسرناه عقوداً مقبلة، وليس هناك إمكانية لتشكيل قوى بديلة سياسية وثورية ومسلحة مستقلة، من أجل استعادة القرار السوري.
الآن، روسيا وأميركا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية هي من تقرّر مصير سورية، وهذا سيستمر إلى حصول توافق أميركي روسي، وأيضاً يمكن افتراض عدم حصوله؛ فالخلافات بين الدولتين العظميين أصبحت تناقش مستقبل سورية واحدة من القضايا الدولية الأخرى، وهنا تتوضح كارثية الوضع السوري.
.. نعم الطغاة يجلبون الغزاة، ولكن أيضاً الخيانة ليست وجهة نظر، فهل من يَعقل قبل فوات الأوان؟