سها السمان: الفروق التعليمية بين الغرب والشرق كارثية

22 مارس 2015
سها السمان (العربي الجديد)
+ الخط -
في حوارنا مع سها السمان، صاحبة ومديرة مدرسة HONEY BEE SCHOOL في إنجلترا، تحدثنا عن الفروق الجوهرية بين المدارس المخصصة للأطفال دون سن السادسة في الغرب بشكل عام وبين الدول العربية، وذلك من حيث المناهج الدراسية وطرق وأساليب التدريس وأبرز المشكلات التي تواجه الجاليات العربية في إنجلترا، كما تستفيض السمان في وصف أسلوب التعلم عن طريق اللعب المخصص لتعليم الأطفال خلال المراحل الدراسية المبكرة. 

*اشرحي لنا من واقع تجربتك، كيف يختلف التعليم في إنجلترا عن التعليم في الدول العربية؟
من واقع تجربتي الأولى في إنجلترا، وكانت منذ حوالى سبعة عشر عاماً، سافرت إلى بريطانيا وكان ابني الأكبر قد أتم عامه الثالث، فالتحق بإحدى الحضانات هناك، وبعد ستة أشهر من بدء الدراسة لاحظت أن ابني قد تعلم الكثير، ولكنني لم أكن أجد معه أية كتب أو أية واجبات ليقوم بها في المنزل، فذهبت إلى مديرة الحضانة وسألتها: لماذا لم يأخذ ابني كتبه المدرسية، ولماذا لم يعطوا له واجبات على الإطلاق؟!
بادرتني المديرة بسؤال وليس بإجابة فقالت لي: من أين أنت؟ فقلت لها: من مصر، فسألتني: وكيف الدراسة للأطفال هناك؟ فأجبتها: لديهم كتب ويأخذون واجبات. فتعجبت قائلة: يأخذون واجبات وكتب في عمر الحضانة؟!، قلت لها: نعم، وتعجبت بدوري: وكيف لهم أن يتعلموا دون الكتب والواجبات!، فضحكت وقالت: هنا ليس مثل عندكم في مصر، ثم دعتني إلى حضور يوم كامل مع ابني وكانت المفاجأة..

*كيف وجدت حضانة ابنك في إنجلترا؟
ذهبت إلى الحضانة ودخلت مع ابني فإذا بي أجد أركاناً للألعاب فقط، والأركان هي بديل للفصول، وكل ركن توجد فيه معلمة، وفي حال كان الطفل أقل من 3 سنوات، يكون كل أربعة أطفال مع مدرّسة، ولو كان الطفل أكبر من 3 سنوات يكون كل سبعة أطفال مع مدرّسة. ولا يزيد العدد عن ذلك.
وجدت ابني يتركني ببساطة ويذهب إلى المجموعة الخاصة به ليبدأ في روتينه اليومي، فجلست لأنظر كيف تتعامل المدرسات مع الأطفال في هذا العمر دون أن يعلو صوتهم أو أن يستخدموا الضرب أو العقاب، وكيف يستمع الأطفال لهم ويتبعون تعليماتهم، والأغرب من هذا هو الكيفية التي يتعلم بها الطفل، حيث أن كلها قائمة على منهج اللعب.

*كيف يستفيد الأطفال من منهج التعليم عن طريق اللعب؟
يستفيد التلاميذ بشكل كبير من هذا المنهج أكثر من أي أسلوب آخر للتعليم، فكثير من التلاميذ العرب الجدد لا يعرفون سوى العربية، إلا أنهم يتقدمون بشكل كبير في تعلم الإنجليزية، فيتم على سبيل المثال وضع كمية كبيرة من الأشكال (مربع – مثلث- دائرة) الملونة على الأرض، ويطلب من كل طفل أن يقوم ويلتقط الشكل واللون الذي تمسكه المعلمة في يديها فإذا أمسكت بمربع أحمر يقوم الأطفال بالتقاط المربع الأحمر من على الأرض، ثم تطلب منهم أن يقوموا بعدّ هذه المربعات، وهي تشاركهم في العد ثم تعطي لكل طفل منهم بطاقة عليها الرقم الذي قام بتجميعه، وفي أثناء هذا يتعلم الطفل الألوان والأشكال والأرقام وأيضاً لغة الحوار مع الغير.

*هل توجد اختلافات أخرى في طرق وأساليب التدريس في المدارس الغربية مقارنة بالمدارس الحكومية في البلاد العربية؟
نعم، فحتى الآن لم يأتِ دور الكتابة، فهنا يبدأون بتدريب عضلات يد الطفل لمدة عام كامل قبل أن يمسك القلم، فيتعلم كتابة الحروف بالغناء وكتابتها على الهواء بالطريقة الصحيحة، ثم على الرمل، ثم على النشا بالماء، ثم على العجينة اللينة، وعندما يتمكن الطفل من المعرفة الصحيحة لكتابة الحرف يتم السماح له بالإمساك بالقلم والكتابة على الورق.
ومن أهم ما يتعلمه الطفل هنا أيضاً هو القراءة، فنحن أمة اقرأ التي لا تقرأ ولا تعرف أهمية القراءة، والتي تعد من أهم وسائل التعليم في الغرب، فتبدأ الأم في القراءة للطفل منذ الشهور الأولى له، ثم يلتحق بالحضانة بعد ذلك والتي تقوم بتقوية الطفل من ناحية التخيل والإبداع عن طريق قراءة القصص وتغيير الأصوات طبقاً للشخصيات الموجودة بالقصة أو حسب الحالة إذا كان فرحا أو حزيناً، وعلى المعلمة أن تقوم بطرح الأسئلة على الأطفال حتى يكون هناك تواصل بين المدرسة والطفل.

*هل يختلف المعلم في إنجلترا عن المعلم في البلاد العربية.. وكيف؟
يقوم المعلم هنا في إنجلترا باختيار مهنة التدريس لأنها مهنة سامية وليست طريقاً لكسب المال، فالمعلم هنا يجب عليه أن يقوم بمساعدة الطالب داخل المدرسة في ما يحتاجه، وإعطائه مجموعات تقوية بالمجان، ولا تجد الدروس الخصوصية طريقها إلى بيوت التلاميذ إلا نادراً، لأن كل مدرسة هدفها الارتقاء بالمستوى العلمي، وعلى المدرس أن يمكث وقتاً غير قليل في تحضير الدروس، وعليه أيضاً أن يجد طريقاً شيقة يجذب من خلالها الأطفال ويجعلهم يستمتعون بالدرس وفهمه، ومن بين هذه الطرق أنه على الطالب البحث عن المعلومة وإيجادها وليس حفظها.

*كيف تنعكس هذه الأساليب التعليمية المميزة على الطالب وشخصيته وأدائه؟
وفقاً لكل ما سبق، بالطبع سنلاحظ اختلافاً كبيراً بين الطالب في البلاد العربية والطالب الذي نشأ في بلاد الغرب، لأن من تعلم بالغرب تعلم كيفية بناء الثقة بالنفس والبحث عن المعلومة والتحدث مع الغير والتحدي أمام الصعوبات.

*كيف بدأت رحلتك في مجال التدريس في إنجلترا؟
منذ هذا اليوم الذي قضيته مع ابني في حضانته، أخذت أفكر كيف يتعلم الطفل وكيف يمكن للمعلم أن يعلم الأطفال دون اللجوء إلى العصي أو العقاب الشديد، وكيف يمكنني أن أتعلم كل هذا وهل يمكن لي التعلم والدراسة وأنا لم أتخصص في رياض الأطفال أو أي دراسة تؤهلني للتدريس، فقد كنت أعمل من قبل كمدرسة كمبيوتر، ومن ثم عرفت أنه يمكنني الالتحاق بالجامعة لدراسة رياض الأطفال، وكنت كلي أملاً أن أقوم بفتح حضانة يتم فيها تعليم المنهج البريطاني إضافة إلى القيم والأخلاق الإسلامية، وكانت الدراسة لمدة يوم واحد فقط في الأسبوع، أما الأربعة أيام الأخرى فكانت أيام عمل في إحدى الحضانات؛ لأن الدراسة كلها تعتمد على مخرجات العمل مع الأطفال، ولأن التعلم هنا يتم من خلال اللعب، وبالتالي يجب علينا فهم ومعرفة كيفية تطبيق هذا من خلال العمل مع الدراسة.

*هل من السهل إنشاء مدرسة إسلامية أو عربية في إنجلترا؟
نعم، ولكن بشروط، فبعد انتهائي من مرحلة الدراسة، بدأنا في الاتصال بالهيئة التعليمية في إنجلترا، والسؤال عن كيفية إنشاء مدرسة تعلم المنهج البريطاني إضافة إلى اللغة العربية، وتمت المقابلة بيننا وكانت الموافقة على إنشاء حضانة بشرط أن يتم تدريس المنهج البريطاني خلال ثلاث ساعات يومياً، ثم يتم تدريس ما نريد في باقي الوقت.
ومن ضمن الشروط للموافقة على الحضانة، حصول أي معلم يعمل في الحضانة على شهادة رياض الأطفال وعلى الدورات التدريبية المختلفة المقدمة من قبل هيئة التعليم.
وأيضاً قبول أي طالب يتقدم إلى الحضانة مهما اختلفت جنسيته أو ديانته، وعلى هذا الأساس تقدم الحكومة المساعدة المادية للحضانة، وتكون الحضانة متاحة مجاناً لأي طفل يتقدم لها.

*ما هي أبرز المشكلات التي تواجهكم في المدرسة مع أولياء أمور الطلبة؟
من أهم المشكلات التي تواجهنا هي أن بعضاً من الأهالي العرب لا يستطيعون التحدث باللغة الإنجليزية، وبالتالي تكون هناك صعوبة في التواصل بينهم وبين المعلمين في صفوف أبنائهم، وكذلك التواصل مع الزائرة الصحية بالمدرسة.

*من واقع حياتك وتجاربك في إنجلترا.. هل يختار الآباء مدارس أبنائهم بشكل صحيح؟
بعض الأهالي هنا يعتقدون أنهم لا يجب عليهم إرسال أبنائهم إلى المدارس الإنجليزية لأنها ليست إسلامية، وهو من وجهة نظري ليس بالاختيار الصحيح، لأن لكل شخص الحق في اختيار ما يفعله وما لا يفعله داخل المدرسة، فمثلاً مذ كان أبنائي في المدارس وأنا أرفض إشراكهم في أي احتفالات ليست مناسبة لدينهم والمدرسة لا تعترض على ذلك.


المساهمون