قبل عشر سنوات، تُرك سمير قصير وحيداً في سيارة تحترق تحت شرفة منزله في بيروت. ثم تُرك وحيداً أيضاً في جنازته في مقابر "مار متر" في الأشرفية، من دون حشود ولا نواب ولا فرق تعزف أناشيد الموت والحزن. لم تكن هذه الشكليات، أساساً، لتلوّن أو تخفّف من حقيقة أنّ سمير قصير ترك قبل الاغتيال وبعده، وحيداً مع بعض رفاقه. تركوا وحيدين في ساحة الشهداء، ولاحقاً في مكاتبهم يخوضون مشروعاً سياسياً يتيماً يتحدث عن ربيع قادم إلى بلاد الشام.
وقع سمير قصير في الثاني من يونيو/حزيران 2005، في فخّ الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية. واليوم قتَلَتُه، الأوصياء السابقون عليه وعلى مدينته ومجتمعه، يقعون تباعاً في الفخ نفسه. واحد بـ "مرض نادر"، وآخر بتفجير في دمشق، وثالث برصاصة في الرأس في دير الزور. وعمر آلة القتل هذه سيطول، ربما إلى يوم لا يتبقى فيه غيرها على الساحة، فتغتال نفسها في أسوأ السيناريوهات الممكنة وأكثرها عبثية. وتجدّد هذه الآلة إنتاجاتها من خلال موجة التهديدات القديمة الجديدة لصحافيين وكتاب لبنانيين، برزت قبل أيام إثر "تسريبات" صحافية أو حتى بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي. فيتكرّر المشهد اليوم من جديد، وسط ترهيب وتهديد صادرين عن النظام السوري وحلفائه.
قبل عشر سنوات لم يكن يساوي سمير قصير، بالنسبة للقاتل، أكثر من مئات غرامات من المتفجرات التي زرعت تحت سيارته. بعد التفجير سكت القتلة وأصدقاؤهم، أما حلفاء الضحية في قوى 14 آذار، فاستنكروا لساعات وعادوا بعدها لمتابعة نشاطاتهم السياسية. استكملوا مثلاً انتخاباتهم النيابية، في السابع من يونيو/حزيران، في إطار الحلف الرباعي الذي جمعهم بحزب الله، رمز الوصاية السورية على لبنان واحتلاله. أي رمز القاتل في بيروت. قتل هذا التحالف سمير قصير ورفاقه الصادقين والمؤمنين بأنّ "ثورة" انطلقت في بيروت في آذار/مارس 2005 أخرجت النظام السوري من لبنان وباتت تمهّد لإزاحته عن صدور السوريين أيضاً. ومنذ تلك اللحظة أصبح قصير وحيداً.
لم يعش سمير قصير أبعد من هذه اللحظات. توقف به الزمن عند أولى نكسات "ثورة الأرز" أو "انتفاضة الاستقلال". كان يمكن للقاتل أن يمدّد حياته أشهر أو سنوات، إلى أحداث 7 مايو/أيار 2008 واجتياح بيروت من قبل مليشيات حزب الله والممانعة وغيرها من حلفاء النظام السوري. أو ربما حتى أحد أيام مارس/آذار من عام 2011، يوم انطلاق الثورة في سورية و"الربيع" الذي بشّر هو به أبناء دمشق. لكن اغتياله تمّ في وقت سديد ومحكم، في لحظة التراجع السياسي وموعد تخلّي مدّعي الثورة عن الحراك الشعبي، لأنه كان سيجد نفسه مضطراً لخوض معركة متجدّدة مع الجميع وبوجه الجميع، أو لقيادة "انتفاضة في الانتفاضة" كما كتب ودعا قبل أسابيع من اغتياله. وهو ما أزعج الحليف المستجدّ للحليف المفترض. لو أجّل القاتل جريمته، كان لا بد أن يرى قصير نفسه خارج هذه التكتلات، ولو تقاطع معها في لحظات أساسية وبديهية. وكان سيلقى المصير نفسه متقوقعاً في الوحدة والتصدّع الشخصي والجماعي، تماماً كما هي حال من تبقى من رفاقه الصامتين والعاجزين عن أي حركة.
عاجلاً أم آجلاً كان سمير قصير سيُترك وحيداً، لكن شكل وحدته جاء أصعب وبثمن أكبر. وحيد وميت في القبر، بينما رفاقه أحياء يعيشون كالأموات.
وقع سمير قصير في الثاني من يونيو/حزيران 2005، في فخّ الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية. واليوم قتَلَتُه، الأوصياء السابقون عليه وعلى مدينته ومجتمعه، يقعون تباعاً في الفخ نفسه. واحد بـ "مرض نادر"، وآخر بتفجير في دمشق، وثالث برصاصة في الرأس في دير الزور. وعمر آلة القتل هذه سيطول، ربما إلى يوم لا يتبقى فيه غيرها على الساحة، فتغتال نفسها في أسوأ السيناريوهات الممكنة وأكثرها عبثية. وتجدّد هذه الآلة إنتاجاتها من خلال موجة التهديدات القديمة الجديدة لصحافيين وكتاب لبنانيين، برزت قبل أيام إثر "تسريبات" صحافية أو حتى بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي. فيتكرّر المشهد اليوم من جديد، وسط ترهيب وتهديد صادرين عن النظام السوري وحلفائه.
قبل عشر سنوات لم يكن يساوي سمير قصير، بالنسبة للقاتل، أكثر من مئات غرامات من المتفجرات التي زرعت تحت سيارته. بعد التفجير سكت القتلة وأصدقاؤهم، أما حلفاء الضحية في قوى 14 آذار، فاستنكروا لساعات وعادوا بعدها لمتابعة نشاطاتهم السياسية. استكملوا مثلاً انتخاباتهم النيابية، في السابع من يونيو/حزيران، في إطار الحلف الرباعي الذي جمعهم بحزب الله، رمز الوصاية السورية على لبنان واحتلاله. أي رمز القاتل في بيروت. قتل هذا التحالف سمير قصير ورفاقه الصادقين والمؤمنين بأنّ "ثورة" انطلقت في بيروت في آذار/مارس 2005 أخرجت النظام السوري من لبنان وباتت تمهّد لإزاحته عن صدور السوريين أيضاً. ومنذ تلك اللحظة أصبح قصير وحيداً.
لم يعش سمير قصير أبعد من هذه اللحظات. توقف به الزمن عند أولى نكسات "ثورة الأرز" أو "انتفاضة الاستقلال". كان يمكن للقاتل أن يمدّد حياته أشهر أو سنوات، إلى أحداث 7 مايو/أيار 2008 واجتياح بيروت من قبل مليشيات حزب الله والممانعة وغيرها من حلفاء النظام السوري. أو ربما حتى أحد أيام مارس/آذار من عام 2011، يوم انطلاق الثورة في سورية و"الربيع" الذي بشّر هو به أبناء دمشق. لكن اغتياله تمّ في وقت سديد ومحكم، في لحظة التراجع السياسي وموعد تخلّي مدّعي الثورة عن الحراك الشعبي، لأنه كان سيجد نفسه مضطراً لخوض معركة متجدّدة مع الجميع وبوجه الجميع، أو لقيادة "انتفاضة في الانتفاضة" كما كتب ودعا قبل أسابيع من اغتياله. وهو ما أزعج الحليف المستجدّ للحليف المفترض. لو أجّل القاتل جريمته، كان لا بد أن يرى قصير نفسه خارج هذه التكتلات، ولو تقاطع معها في لحظات أساسية وبديهية. وكان سيلقى المصير نفسه متقوقعاً في الوحدة والتصدّع الشخصي والجماعي، تماماً كما هي حال من تبقى من رفاقه الصامتين والعاجزين عن أي حركة.
عاجلاً أم آجلاً كان سمير قصير سيُترك وحيداً، لكن شكل وحدته جاء أصعب وبثمن أكبر. وحيد وميت في القبر، بينما رفاقه أحياء يعيشون كالأموات.