"بطبوطة"، بهذا اللقب تنادي مدرّسة لينا تلك الفتاة التونسيّة البالغة من العمر 11 عاماً. هي تعاني من السمنة، وكذلك أزمة نفسيّة بسبب ذلك اللقب، ونظرات المحيطين بها وتهكّم زملائها في المدرسة. وقد أثّر ذلك سلباً على دراستها، فصارت نتائجها تتراجع، ولم تعد ترغب في الذهاب إلى المدرسة ولا في الخروج إلى الشارع.
بدورها، تعاني آمنة البالغة من العمر 10 أعوام، ولا سيّما بعدما طلب منها مدرّب السباحة إنقاص وزنها الذي ازداد بصورة كبيرة، حتى تتمكّن من المشاركة في المسابقات الرياضية. وأنذرها بأنه في حال لم تفعل ذلك في خلال شهرَين، فسوف تضطر إلى التخلي عن السباحة نهائياً، الأمر الذي جعلها تشعر باستياء كبير، إذ إنّ السباحة رياضتها المفضلة.
في حين تؤزم السمنة أطفال تونس المصابين بها، تثير قلق أهلهم والمختصّين على حدّ سواء. وهذا ما دفع المعنيّين إلى التحذير من المخاطر الصحّية التي تهدد الأطفال نتيجة زيادة وزنهم. ويقول مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية لـ"العربي الجديد"، إنّ "نسبة سمنة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة أعوام وخمسة، قفزت من 4.5 في المئة عام 1996 إلى ثمانية في المئة عام 2006، أيّ بزيادة 95 في المئة تقريباً في خلال 10 أعوام، لتصل عام 2016 إلى 15.3 في المئة". ويوضح بن جازية أنّ "المعهد (مؤسسة حكومية) انخرط في استراتيجية وطنية لمقاومة السمنة لدى الأطفال، التي تشمل تدخّلات مع وزارة الصحة ومعهد التغذية ووزارة التربية، بهدف توعية الصغار حول مخاطرها من جهة.. ومن أخرى، بهدف حثّ مصانع الموادّ الغذائية على تخفيف السكّر من منتجاتها". ويدعو بن جازية إلى "مزيد من تنسيق الجهود والعمل مع الجهات الحكومية المعنية والمجتمع المدني، لإعداد خطط وبرامج تواصل من أجل إرشاد المستهلكين، وخصوصاً الأطفال، على كيفية تفادي السمنة وتشجيعهم على ممارسة الرياضة".
وفي آخر دراسة أعدّها المعهد الوطني للاستهلاك حول السمنة، تَبيّن أنّ 87 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام وتسعة، يميلون إلى الوجبات السريعة، فيما سبعة في المئة فقط منهم يرغبون في تناول المأكولات الشعبية التي تُعَدّ صحّية. وفي سياق متصل، أظهر المعهد أن 10.3 في المئة من المراهقين يستخدمون تقنيات الاتصال الحديثة ويقضون أكثر من خمس ساعات يومياً أمام الشاشات، ما يمثّل خطراً على صحتهم، كذلك فإنّ 87 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 و18 عاماً يملكون هواتف جوّالة.
تعيد المتخصصة في التغذية من المعهد الوطني للتغذية، ليلى علوان، أسباب سمنة الأطفال إلى "تقلّص مدّة الرضاعة الطبيعية وإدخال أطعمة عاديّة على غذاء الرضيع خلال أشهره الأولى، ما يمثّل عامل خطر، ولا سيّما أنه يشجّع على إقبال الأطفال على المنتجات الغنية بالدهون". تضيف علوان لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأطفال اليوم صاروا أقلّ حركة من أطفال الماضي، بسبب الألعاب الإلكترونية والجلوس المطوّل أمام الشاشات باختلافها (حواسيب، أجهزة لوحية، تلفزيون، هواتف ذكية...) الأمر الذي يرفع نسب السمنة لدى الأطفال. فنحن لم نعد نشاهد أطفالاً يتحرّكون ويلعبون ويركبون دراجات هوائية ويقفزون على الحبل، وذلك من الألعاب المفيدة للجسم". وتتابع أنّ "قلة نوم الأطفال تساهم في زيادة السمنة، علماً أنّ المعدّل اليومي الذي يُنصَح به للأطفال هو 10 ساعات".
وترى علوان أنّه "لا بدّ من تشجيع تلاميذ المدارس على تناول وجبة الفطور صباحاً، واستهلاك أطعمة صحّية"، مشيرة إلى أنه "يصار العمل مع رياض الأطفال على تعويض اللمجة (تصبيرة أو وجبة خفيفة) المعلّبة وغير الصحّية، بأخرى تقوم على الخضروات والفواكه، إلى جانب تطبيق مزيد من الإجراءات الصحّية وإرشاد الأهل حتى يقدّموا لأطفالهم أطعمة لا تكون غنيّة بالدهون والسكّر. كذلك، فإنّ ترويج وجبات وموادّ غذائية غير صحّية أمام المدارس أمر سلبيّ جداً".
وتشدّد علوان على "وجوب أن يكون الأهل قدوة لأولادهم، وأن يتناولوا فطورهم معهم، وألا يسمحوا بإدخال مشروبات غنيّة بالسكّر وأخرى غازيّة إلى بيوتهم، وأن يعوّدوهم على استهلاك الخضروات والفواكه. كذلك لا بدّ من حسن اختيار المنتجات الغذائية عند التسوق، وعدم شراء ما هو غنيّ بالسكّر والدهون إلا موسمياً وفي بعض المناسبات". وتشير علوان إلى "مغريات كثيرة في المتاجر الكبرى، حيث تُعرَض منتجات غير صحّية بطريقة تلفت انتباه الأطفال، فلا بدّ من التشجيع على الثقافة الاستهلاكية السليمة".
من جهتها، تقول المتخصصة في علاج السمنة وإنقاص الوزن، أمل فضلي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بغضّ النظر عن السمنة المرضيّة التي قد يعاني منها بعض الأطفال، فإنّ ثمة مسؤولية تقع على عاتق الأهل. فالطفل الذي يشكو من السمنة هو نتيجة تخلّي أهله عن اهتمامه به. وهم إما يقدّمون له الأطعمة غير الصحّية أو يفرطون في تدليله بدعوى عدم حرمانه، وفي كلّ ذلك ضرر كبير على الصغير". تضيف أنّ "كثيرين هم الأهل الذين يزوّدون أولادهم بالمال لشراء وجبات وأطعمة جاهزة وغير صحّية. وفي بعض الأحيان يعانون هم أنفسهم من السمنة ويكون نظامهم الغذائي غير سليم، فيؤثّرون من ثم على أولادهم".
وتوضح فضلي أنّ "السمنة المفرطة تعرّض الأطفال إلى أمراض من قبيل السكّري وارتفاع ضغط الدم، وإلى مشكلات نفسية بسبب تهكّم المحيطين بهم". لكنها تؤكّد أنّ "علاج سمنة الأطفال ممكن، ولا بدّ من البدء بالأهل أوّلاً قبل أولادهم، لأنّ الأخيرين غير مسؤولين عن الوجبات التي تقدّم لهم".