سلّة بيض للمدرّس

11 مارس 2016
البيض البلدي قيمة مثلاً من دون أن تكون مادية(Getty)
+ الخط -
ربّما نتذكّر رجلاً يحمل سلّة فيها بيض بلدي كهدية تعدّ ذات قيمة. المشهدُ عينه اليوم قد يدلّ على رجل قرويّ لم يقصد المدينة في حياته. والوردة التي كان التلميذ يشتريها لمدرّسته، دُهِست بتلاتها تحت الأقدام. وإذا نوى أحدهم أن يشتري أزهاراً في الوقت الحالي، فسيختار ألواناً مختلفة تنتمي إلى طبقة راقية. يقولون إن الحياة كانت أبسط. البيض البلدي قيمة مثلاً من دون أن تكون مادية، وإن كان ثمنه مرتفعاً.

لا معنى لهذه الجمل إلا إذا أحصينا كمّ الهدايا التي حصلت عليها بعض المدرّسات أو المدرسين في عيد المعلّم يوم الأربعاء الماضي. استعداداً لهذه المناسبة، يتبارى الأهالي، وليس التلاميذ، على "تقدير" المدرّس أو المدرسة. والتقدير في يومنا هذا يفوق سلال البيض أو ورود قطفت من حقل، مهما كانت رائحتها ذكية. الذهب قد يكون تقديراً، أو عطراً عالمياً أو علبة من الشوكولاتة الفاخرة. وهذه الهدايا تختصر علاقة الأهل بالمدرسين وليس العلاقة بينهم وبين الأطفال، وتكاد تكون أشبه برشوة بريئة. لا خطأ مباشر أو مقصود هنا بقدر ما هو خطأ ثقافي.

على الأرجح، لن يفكّر طفل في إهداء معلمته عطراً لا يعرف عنه شيئاً. قد يرسم لها قلباً حوله أزهار، ويعطيها رسمه هذا. وإذا كان لا يحبها، ربما يتمنى ألا تحصل على أي هدية.

ذلك اليوم، لم يكن الصف صفاً، بل كان أشبه بمحل تجاري، جميع سلعه موضوعة في أكياس. لسنا أمام مشهد عاطفي، بل أمام آخرٍ مسحور بالقيم الاستهلاكية والنفاق والطبقية. لن يعرف طفل صغير الفرق بين سعر حمالة المفاتيح وسلسلة من الذهب. لن يعرف هذا اليوم وربما العام المقبل. لكن هذه الفوارق الطبقية، التي لا يجب أن تظهر في مدارس تدعي أنها تقفز دائماً قفزات نوعية في التعليم والتعامل مع الأطفال والمساواة بين الجميع، ستجد مكانها في دواخلهم.

تتواطأ إدارة المدرسة ومدرسوها حين يقبلون هدايا بعيدة عن مخيلة الأطفال. قبل كلّ شيء، يتواطؤون على رمزية عيد يسعى لتكريم المدرسين لدورهم في تنشئة الأجيال. وإذا ما حفظنا شيئاً من الماضي، نذكر أحمد شوقي في "كاد المعلّم أن يكون رسولا". ماذا حلّ بورودنا؟ لم يبق منها شيء، لكنها كانت منّا. وعاما بعد عام، ستتناسى إدارات المدارس أن العلاقات قد يؤذيها المال إذا كان في غير مكانه.

تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بيوم المعلم العالمي في 5 أكتوبر/ تشرين الأول. تسأل: لماذا ينبغي أن تقف مع المعلمين؟ لأن مهنة التعليم ما فتئت تفقد مكانتها في أنحاء عدة من العالم. هذه المهنة لا تفقد مكانتها فقط، بل رمزيتها، والعلاقة بين مدرس وتلميذ تقدّر على ورقة.

اقرأ أيضاً: "ألف باء بوباية"
دلالات
المساهمون