سلاح فعال لمواجهة الاستبداد

21 ابريل 2014

Neil Webb

+ الخط -

لماذا يُصعّد النظام الحاكم اليوم في مصر قبضته الأمنية على الشارع، على الرغم من أن الانقلاب (نجح) في اغتصاب السلطة ممن اختاره الشعب؟ وكيف يُصدر قاضٍ 529 حكماً بالإعدام في يوم؟ وكيف يجرّم العسكر التظاهر السلمي في الشارع؟ لماذا أعلنت الحكومة الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم العربي جماعة إرهابية، ثم سدّت أي إمكانية للوصول إلى تسويةٍ من نوعٍ ما معها، أو مع الجيل الثاني داخلها، لوضع خريطةٍ أخرى لما بعد الانقلاب؟ ولماذا تستمر عملية إهانة رموز "الإخوان المسلمين"، حتى وهم في السجن، بمن فيهم الرئيس المعزول؟ لماذا اختار الجيش المصري أن يريق أكبر كمية من الدم في تفريق اعتصام ميدان رابعة العدوية قبل تسعة أشهر، وكانت أمامه خيارات أخرى أقل دموية؟ لماذا يرفض العسكر فتح أية إمكانية للتفاوض مع "الإخوان" في الداخل، أو الخارج؟
هناك عشرات الأجوبة الممكنة على هذه الأسئلة. لكن، أقترح التفكير، هنا، في جواب واحد هو، أن العسكر يريد من هذه الإجراءات تحقيق هدف رئيس: إسقاط شعار المرشد العام للإخوان المسلمين الذي قال عقب الانقلاب: سلميتنا أقوى من الرصاص. يريد الجيش من جماعة حسن البنا، أو من جيل الشباب داخلها أن يحملوا السلاح، أو يلجأوا إلى العنف والعمل السري، وإذا لم يختاروا هذا الطريق، يستفزّهم ويدفعهم إلى العنف والانتقام. عندها يضرب عصفورين بحجر واحد، يسحق الجماعة، لأنَّ لا أحد يقدر على الوقوف أمام جيشٍ كبير ومنظم ومسلح. وثانياً، يعمد إلى إبعاد الناس عن الجماعة، لأن الأغلبية الساحقة من الشعب لا تنتمي إلى ميلشيات مسلحة.
للتدليل على هذه الفرضية، أقدم، باختصار، نتائج دراسة أميركية صدرت، في 2013، في كتاب عنوانه: "لماذا تنجح المقاومة المدنية .. المنطق الاستراتيجي للصراع السلمي"، تأليف إريكا تشينوويث وماريا ستيفان. وفيه، قامت المؤلفتان بتحليل 323 حركة مقاومة مدنية ومسلحة في أركان العالم الأربعة، من عام 1900 إلى عام 2006. وكان ما اكتشفتاه مثيراً للغاية، فقد توصلتا إلى أن النهج السلمي للمقاومة المدنية (تشمل المظاهرات في الشارع العام والإضرابات والعصيان المدني والمقاطعات التجارية ومعارضة الأنظمة الاستبدادية بالكلمة والقلم وبالتعبئة) حقق نجاحات باهرة، وصلت إلى  نسبة 53 ٪ في المرات التي جُرب فيها النهج السلمي للتغلب على احتلال أجنبي، أو ديكتاتورية عسكرية، أو استبداد سياسي، أياً كان لونه وشكله، فيما لم يحقق النهج العنيف والمسلح نجاحاً سوى في 26 ٪ من حالاتٍ جرّب فيها ضد عدو داخلي، أو خارجي، وتوزعت باقي النسب على نماذج أخرى من المقاومة، زاوجت بين الأسلوبين، السلمي والمسلح، وحالات أخرى لا يمكن تصنيفها في خانتي النجاح الواضح والإخفاق الواضح.
توصلت المؤلفتان، أيضاً، إلى أن الخيار السلمي والمدني يستقطب أعداداً أكبر من المواطنين، ويحقق مشاركة أكبر من فئاتٍ واسعة من الشعب، في حين أن الخيار العنيف لا يستقطب أعداداً كبيرة من المقاتلين، على الرغم من أنه يعطي انطباعاً بأنه خيار فعال ومباشر وعملي. ونظراً إلى المستويات الأعلى من مشاركة المواطنين في النهج السلمي لمقاومة الاستبداد، أو الديكتاتورية، أو الاحتلال، فإن احتمال أن تقود الحركات السلمية بلدانها إلى أوضاع ديمقراطيةٍ في نهاية الصراع مع الاستبداد، أو الاحتلال، يزيد عشرة أضعاف عما يمكن أن تحققه الحركات العنيفة والمسلحة، بعد نهاية الصراع، والمرور إلى بناء نظام جديد.  
أي أن احتمال الوصول إلى نظام ديمقراطي، بعد مقاومة الاستبداد سلمياً، خيار أمامه فرصة للنجاح، أكبر من الخيار العنيف عشر مرات، وهذه أهم خلاصة ينتهي إليها الكتاب.
لنعد إلى مصر، الخيار السلمي ليس قراراً تنظيمياً يعمم بمنشور، وليس إجراءً تكتيكياً يتخذه بعض القادة. إنه خيار استراتيجي يحتاج، أولاً، إلى فكر يقعد له، ويزرع جذوره في الفكر السياسي للجماعة، وهذا أمر متاحٌ في الفكرين، السياسي الإسلامي والعالمي المعاصر. ويحتاج هذا الخيار السلمي إلى سياسةٍ ترعاه يومياً، ونخبٍ تحرسه، وتتبرأ من كل خارج عليه، مهما كانت المبررات، ومهما وصلت إليه قسوة الجيش، في أجواء عالية الضغط، مليئة بالدم الذي يثير الغرائز، ويدفع إلى الانتقام.
 
 
 

 
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.