مأساة حقيقية تعيشها المئات من الأسر في منطقة "تل العقارب" في حي السيدة زينب بالعاصمة المصرية القاهرة. يأتي ذلك بعدما ذهبت وعود الحكومة أدراج الرياح عقب الانتهاء من هدم تلك المنطقة بالكامل، كونها تشكل مساكن عشوائية. تركت قرارات الهدم السكان بلا مأوى، كما لم تمنحهم تعويضات مالية، بحسب المتضررين. وهو ما يؤكد نية الحكومة إقامة أبراج سكنية تباع شققها بمبالغ باهظة في تلك المنطقة القريبة من وسط القاهرة.
يعاني معظم سكان "تل العقارب" من ظروف معيشية صعبة. الواحد منهم لا يستطيع استئجار مسكن آخر بديل بسبب تلك الظروف. عدد كبير منهم أقام مرة أخرى في تلك المنطقة بالرغم من الهدم، ونظّم بعضهم وقفة احتجاجية فوق الأرض قبل أيام، وذلك بعد هدمها بالكامل وقطع كلّ الخدمات، مردّدين هتافات تطالب بحقوقهم منها: "واحد اتنين حقنا راح فين؟"، وذلك في إشارة إلى أنّ الدولة تركتهم في العراء من دون أن تدبّر لهم سكناً أو مأوى، مما يعرّض حياتهم للخطر، خصوصاً السيدات المعرضات إلى التحرّش في الشوارع.
من جهتها، تنتقد منظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" عدم وفاء الحكومة بتعهداتها تجاه سكان "تل العقارب". وهي التعهدات التي تطرقت إلى سكن بديل أو دفع إيجار مساكن أخرى إلى حين الانتهاء من تطوير المنطقة. وأكدت المنظمة أنّ الحكومة لا تنوي الاعتراف بحق هؤلاء السكان "كونهم جميعاً من الفقراء والغلابة، وهو ما يتيح للدولة عدم الاعتراف بهم كبشر وإسكانهم في مساكن بديلة".
وكانت المنظمة المدنية قد تلقت عشرات الشكاوى من الأهالي خلال الأيام الماضية، حول الأضرار التي يتعرضون لها في الوضع الحالي، خصوصاً مع تركهم في العراء. يشير هؤلاء إلى أنّ محافظ القاهرة السابق ووزير النقل الحالي، الدكتور جلال السعيد، التفّ على كلامه عندما وعدهم بكلام "منمق" بالعودة إلى تلك المنطقة مرة أخرى عقب الانتهاء من تشييد مبانٍ تليق بهم. وهو ما دفعهم طواعية إلى ترك منازلهم بالرغم من أنّهم يريدون العيش فيها. تشير المنظمة إلى أنّ هناك الكثير من الأطفال مهددون بالتشرّد بسبب عدم الالتحاق بمدارسهم، خصوصاً أنّ الدراسة على الأبواب، كما أنّ هناك الكثير من الفتيات معرضات للاغتصاب والتحرّش عبر الخارجين على القانون.
تتابع المنظمة التي تبنت القضية منذ البداية أنّ نية الحكومة تجاه هؤلاء كانت معروفة من البداية، وهي هدم تلك المنطقة وترك سكانها، على أن تشيّد فيها أبراجاً سكنية تباع بمبالغ مالية كبيرة. تشير المنظمة إلى أنّ كلمة "تطوير" باتت بمثابة "مصيدة" تعدّها الدولة من أجل النصب على سكان العشوائيات. ففي الظاهر تعدهم بالحياة الكريمة، وفي الباطن لا يحصل البسطاء على شيء، بل المزيد من المعاناة.
مأساة أهالي منطقة "تل العقارب" رصدتها "العربي الجديد". فبعد هدم المنازل، يفترش العشرات منهم الأرض. يقول عبد الفتاح موسى الذي تخطى عمره الستين عاماً إنّ الحكومة "ضحكت علينا وهدمت مساكننا التي كانت تحمينا من غدر وظلم الحياة". يتساءل: "ماذا فعلت بنا الدولة بعد الهدم؟ لا سكن لدينا ولا أموال تعويضية كما قال لنا المحافظ". بدوره، يقول العامل بالأجرة اليومية محمد شكري (40 عاماً): "أنا مولود في هذا المكان، والحكومة وعدتنا بالتعويض علينا بشقق تمليك في حي المقطم، لكن بعد الهدم تبخر كلّ شيء وذهب أدراج الرياح فقط لأنّنا غلابة". يضيف: "حسبنا الله ونعم الوكيل، أين أذهب بأولادي الثلاثة وأمهم؟". من جهتها، تقول أمل مكي، وهي ربة منزل، إنّها أرملة لديها ابنتان في الإعدادية وتخشى عليهما من الضياع، مهددة أنها سوف تبني عشّة (منزل موقت) فوق الأرض "رغم أنف الدولة".
من دون خدمات
منطقة "تل العقارب" تتعدى مساحتها 100 فدان (404685 متراً مربعاً). عاشت فيها آلاف الأسر التي كانت تسكن في أكشاك خشبية و"عشش" من الخشب والصفيح. رفضت الحكومة إعطاء تصريحات بناء للكثير منهم. وقبل البدء بقرارات الهدم الأخيرة، قطعت المحافظة الخدمات عن المنطقة، خصوصاً المياه والكهرباء.