سقوط الأقنعة عن الحوار الليبي

14 أكتوبر 2015
+ الخط -
ربما لم يكن سقوط مسودة الحوار التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، بيرنارديو ليون، قبل توقيعها، متوقعاً عند بعض من يأملون التسوية والتوافق في هذا الحوار، غير أن ليون نفسه من أسقطها، ليجعل الجهد الذي مضى في جولات الحوار تكتيكات سياسية مسبقة ومعدة من قبل، بدليل ما حدث من اختراق للمسودة الحوارية، والتي وصفها ليون، والموقعون عليها، بأنها نهائية، عند إعلان مقترح الحكومة التوافقية، لتسقط بهذا الاختراق الأقنعة التي كان يدار بها الحوار في جولات كثيرة، وليصل إلى بداية انهياره جملة وتفصيلاً، وكذلك ليضع الليبيين، بجميع توجهاتهم واختلافاتهم، نحو التوجه إلى الخيار الأمثل والأفضل، أي الحوار الليبي الليبي، والذي إن كان سيواجه تحديات كبيرة، إلا أنه آمن لكلا المتحاورين أولاً، وأسلم وأنجح للبلاد وشعبها ثانياً.
وعموماً، الأقنعة التي بدأت تتساقط من أول اختبار لها كثيرة، ويكفي الوقوف عند بعضها. أولاً، "اتفاق خارج النص"، هكذا يبرر المبعوث الأممي زيادة عدد فريق مجلس الوزراء، المكون في المسودة من خمسة أعضاء، إلى ستة، كما قال في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه مقترح أسماء الحكومة. ولا يجب أن يمر هذا التغيّر، غير المتفق عليه بأي شكل، مرور الكرام، فمدلولاته كثيرة وخطيرة، تشكك في مدى جدية الالتزام بالاتفاق، إن وقعه الطرفان، وهو يُخترق عند أول منعطف، بل وقبل الاتفاق عليه وتوقيعه نهائياً.
ثانياً، أشيع، بل اتفق، على أن يكون رئيس الوزراء من المستقلين حزبياً، وليس من أيٍّ من طرفي الحوار، المؤتمر الوطني العام والبرلمان المنحل، وهذا ما لم يكن، إذ إن الذي أعلن عن اسمه مقترحاً مناقض لهذا تماماً.
ثالثاً: لم تعلن "آلية عمل مجلس الوزراء"، ولم تُضمن من ناحية اتخاذ القرار، ما جعل المبعوث الأممي، بيرناردينو ليون، يقول، صراحة: "لا يمكن التركيز في التفاصيل المتعلقة بنظام الانتخاب"، يعني فيما بينهم عند اتخاذ القرار. ويردف: "إن من المتوقع أن تكون لأصواتهم القيمة نفسها، وهذا إذا لم يتم في الاتفاق النهائي فإنه سيجعل الاختلاف فيما بينهم واقعاً، إلا إذا أريد من عدم تحديد هذه النقطة سيطرة طرفٍ بعينه على مجلس الوزراء، وأريد له ذلك".
ثالثاً: يقول المبعوث ليون، في شأن وزراء الحكومة، إنه يجب قبولهم من أعضاء مجلس الوزراء. يقول ذلك بصيغة الوجوب، وكأنه الحاكم الفعلي لهذا المجلس. وهذا مخالف لبنود المسودة المعلنة، كما أنه لا يمكن قبول شرط الوجوب والفرض، إلا إذا كانت الجهة القابلة له ناقصة الأهلية والسيادة. وهذا ما لا يجب أن يكون، بغض النظر عن أسماء الأعضاء وصفاتهم، وكفاءاتهم لهذه الحكومة من عدمها.
رابعاً، تتم تسمية رئيس مجلس الدولة مقترحاً، غير أن المقترح، في هذه المرة، لم يكن بصيغة الوجوب، بل متروك لمجلس الدولة كما يرى، وهذا عبث في الحديث، إن كان بحسن نية، ولا أعتقد ذلك. وإذا كان على غيرها، فإن في مدلولاته تشتيت الاتجاهات العامة الشعبية، ويجعل منها أداة ترضية غير فعالة، ولا حقيقية، بل الغرض منها، على أقل تقدير، هو تحريك الماء الساكن، ليرى كيفية عمل مجلس الدولة قبل انعقاده.
إذاً، وبعد كل هذه الاختراقات لمبدأ الاتفاق المعلن على مسودة حوارٍ لم تكتمل بعد صيغتها نهائياً، ولا تم الاتفاق عليها لتوقيعها، يمكن القول إن أقنعة الحوار سقطت عند أول امتحان لها. وعلى الليبيين أن يبلغوا الوسيط الأممي أن مهمته انتهت إلى هذا الحد من الاختراق، ولا يمكن التوقيع على مسودةٍ يتم اختراقها قبل أن تصير واقعاً، وهذا يدل على حقيقة الأقنعة التي كانت تلف مجريات هذا الحوار، وفي لحظةٍ واحدةٍ تَبين حقيقتها بكل وضوح، وإلى هذا الحد يجب أن نقف.
لكن، ما الحل؟ إنه ليس الإسراع في صيغة الدستور. يكفي، الآن، أن يكون الحل حواراً داخلياً، يتبناه من يحملون هم ليبيا، وطناً لهم، أي من الصالحين الذين لم تتشوه عقولهم بالتبعية الخارجية، ولا الولاءات الجهوية الداخلية، ليقدموا مشروعاً وطنياً صادقاً يحمل هم ليبيا والليبيين، وكفى.