سقطرى والإغاثة السعودية الإماراتية: الكوارث في خدمة السياسة

28 مايو 2018
خلّف الإعصار عشرات آلاف المتضررين في سقطرى (فرانس برس)
+ الخط -
تترك الكوارث الطبيعية مدناً منكوبة، وآلاف إلى عشرات الآلاف أو أكثر من المتضررين، الذين يجب أن تتوجّه إليهم، بدون غيرهم، اهتمامات وجهود المحيط والعالم، لتخفيف وطأة الكارثة كهدف أساسي قبل كل شيءٍ. وهو ما يفترض أن يكون الحال عليه في جزيرة سقطرى اليمنية المنكوبة، التي كانت أولى وأكبر ضحايا إعصار "مكونو". لكن أن يأتي هذا الإعصار بعد أسابيع قليلة من تصدّر الجزيرة أزمة وصلت أصداؤها إلى مجلس الأمن الدولي، فإن الإغاثة ذاتها يجب ألا تبتعد عن الأنظار، بعدما حرصت السعودية على إبراز وجودها العسكري في الجزيرة، وإن بمهام إغاثية وإنسانية لمساعدة المتضررين.

أكثر من 24 ساعة قضتها سقطرى، الجوهرة اليمنية وإحدى أندر مناطق العالم، تحت الإعصار، في عاصفة مدارية هي الأقوى منذ سنوات، لتخلّف عشرات الآلاف من المتضررين، بنسب متفاوتة، وتجرف العديد من الطرقات والممتلكات الخاصة لليمنيين الذين يعيشون في الجزيرة البعيدة نسبياً بموقعها عن المدن الرئيسية. وجعل هذا الموقع سقطرى أقل تأثراً بصراعات البلاد العسكرية والسياسية خلال العقود الماضية، ليأتي نصيبها بكوارث الطبيعة، وخصوصاً الأعاصير في بحر العرب والمحيط الهندي، فضلاً عن موجات الرياح في بعض فصول السنة، وصولاً إلى الأطماع الخارجية في الجزيرة.

ومع انقشاع الإعصار عن سقطرى، جاءت الصور لتسلّط الضوء على حجم الكارثة التي حلّت بسكان الجزيرة الذين يقدّر عددهم بنحو 150 ألف نسمة، ويسكن الكثير منهم في منازل متواضعة وفي ظلّ ظروف معيشية صعبة في الغالب. من جهة أخرى، كشفت العاصفة، كما قالت مصادر محلية في الجزيرة لـ"العربي الجديد"، مدى تأثّر سقطرى بالظروف الاستثنائية التي يعيشها اليمن، والمتمثلة بغياب وجود حكومة مركزية تحضر بأجهزتها العسكرية والأمنية على الأقل، للقيام بعمليات الإجلاء وتخفيف وطأة الكارثة، فضلاً عن غياب البنية التحتية التي كان من المفترض توفيرها في الجزيرة، في ظلّ تكرّر الأعاصير من سنوات لأخرى.

هذا الفراغ، بدا أولاً، من خلال المناشدة التي أطلقها محافظ سقطرى، رمزي محروس، ثمّ إعلان الحكومة الجزيرة "محافظة منكوبة"، فيما توجّهت الدعوات والمناشدات إلى "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، وتعدّ الإمارات أبرز أعضائه، للتدخل للمساعدة. وتنتشر قوات الدولتين في مختلف المياه اليمنية والعديد من المحافظات، كما لو أنهما، أو الرياض على الأقل، بديل الحكومة، القادر على فعل شيء إزاء الكارثة.

وكما كان متوقعاً، فقد استنفرت الإمارات والسعودية، لإغاثة سقطرى. فهناك كارثة، خلّفت آلاف السكان المتضررين وخدمات معطلة وطرقا مهدمة، وذلك في ظلّ مناشدة مشتركة من السلطة المحلية والحكومة الشرعية، للتحالف بالتدخّل. ومساء الخميس الماضي، أعلن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، والذي يشرف أيضاً على برنامجي الإغاثة والإعمار ذات الصلة، أن طائرات بلاده تستعد محملّة بعشرات آلاف الأطنان من المواد الإغاثية، للتوجه إلى سقطرى، فيما أعلنت أبو ظبي أنها ساعدت بعمليات إغاثة وإجلاء متضرّرين ومساعدتهم. وخلال ساعات، تواترت الصور الآتية من سقطرى لجنود سعوديين ينتشرون في مواقع مختلفة متضررة أو يلتقون سكاناً ويقدّمون لهم المساعدات، على نحو لم يخلُ من الدعاية، بصرف النظر، عن مدى الجانب الإغاثي ونجاح الاستجابة السعودية بتخفيف معاناة السكان.


في هذا السياق، جاء الإعصار ليتحوّل إلى مناسبة تكشف فيها السعودية عن تواجدها العسكري في الجزيرة، حيث أعلنت عن وجود "قوة الواجب السعودية". وكشفت وزارة الخارجية السعودية، في بيان على صفحتها على موقع "تويتر"، عن أنّ هذه القوة التي انتشرت في سقطرى، تابعة لوحدات عسكرية من سلاح المهندسين والدفاع المدني ومصلحة الجمارك وشرطة المرور والمراقبة الجوية، وأعلنت عن خطة "تتمثّل بفتح الطرق المتضررة كافة في الجزيرة، ونقل المتضررين وإيوائهم في مناطق آمنة، وحصر الأضرار في الممتلكات الشخصية والمحلات التجارية، فضلاً عن نقل وتركيب محطة كهربائية بطاقة إنتاجية تبلغ خمسة ميغا واط". وأظهرت الصور آليات عسكرية سعودية (مدرعات)، إلى جانب جنود، ليكون ذلك أوّل ظهور معلن لتواجد عسكري في سقطرى.

وعلى الرغم من أنّ التحرّك العسكري السعودي في سقطرى، قد جاء استجابة لدواعي الإغاثة وبطلب من الحكومة، إلا أنّه لم يشمل، على سبيل المثال، دعم القوات اليمنية بنقل تعزيزات إلى سقطرى، لتقوم بالمساعدة في الإغاثة، الأمر الذي عكس الجانب السياسي في هذه الاستجابة، التي قد لا تجعل من العمل الإنساني سوى فرصة لتعزيز النفوذ العسكري، على حساب سيادة اليمن، الذي أعلن منذ أسابيع، ألا مبرر لأي وجود عسكري للتحالف، عقب احتلال الإمارات للمطار والميناء أواخر أبريل/نيسان المنصرم.

وعلى إثر ذلك، كان من الطبيعي أن تكون المأساة التي تعرّضت لها الجزيرة، هي القضية ذات الأولوية التي يجب أن يتوجه نحوها الاهتمام، والإشادة بأي جهود تخفف من معاناة السكان، وهذا الرأي هو السائد لدى غالبية اليمنيين والمتابعين، من حيث المبدأ. لكن أن يأتي الحضور العسكري السعودي تحت مبرر الإغاثة، وتجد أبو ظبي فرصة جديدة لتعزيز نفوذها بالجزيرة، بعد أسابيع فقط من الأزمة الكبيرة التي اشتعلت بين اليمن والإمارات حول الجزيرة ذاتها، فإن الكارثة الطبيعية تحوّلت هنا أيضاً، إلى مخاوف يمنية من الاستغلال السياسي. فمن المؤكد، أن للرياض وأبو ظبي، في سقطرى بالذات، ما تريد كل منهما قوله أو عمله على إثر الإعصار، لكنه ليس بدوافع إنسانية بحتة، بقدر ما تحوّلت الكارثة إلى فرصة لتحقيق أهداف أو أخرى، خصوصاً أنّ النفوذ الإماراتي كان قد تعاظم في الجزيرة في السنوات الماضية، عقب إعصاري "تشابالا" و"ميغ" اللذين ضربا الجزيرة أواخر العام 2015.

من زاوية أخرى، بدا واضحاً أن الرياض لا تريد فقط أن تحضر عسكرياً في سقطرى، بل أن تعلن عن حضورها، معززاً ببرامج الإعمار والإغاثة، كما لو أنها تحاول إيصال رسائل لأطراف أخرى، في وقت تراجع نفوذ أبو ظبي العلني على الأقل، بعد خطوتها غير المحسوبة باحتلال المطار والميناء أواخر الشهر الماضي، وما أعقبها من رفض يمني وصل إلى شكوى من الحكومة اليمنية في مجلس الأمن، وأجبرها على سحب قواتها. واليوم بات الوسيط بين الحكومة والإمارات، الأكثر حضوراً في ظلّ التطورات، ابتداءً من فترة الوساطة وحتى ما بعد الإعصار، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول جدية الإغاثة ومستقبل النفوذ في الجزيرة ومدى التنسيق بين الرياض وأبو ظبي.