سقطرى طال عمرك
هنا في سقطرى ثمة إرهاب من نوع آخر، إرهاب مقنع بالشفقة والمساعدات الإنسانية، إرهاب لا يقتل فيه البشر، بل يغوص في قدراتهم وثقافتهم، محاولا اجتثاثها والعبث بها، إرهاب يقدم نفسه كطوق نجاه، يخيل للبعض أنه كذلك.
تحمل جزيرة سقطرى في طياتها تاريخا مفعما بالقصص والأساطير، وحاضرا مسجى بطبيعة وأشجار وبحار خلابة، فهي القابعة في مكانها بشكل مقوس، لم يخدشها التحضّر المزعوم ولم تعبث بها أنامل التقدم المذموم، يعود منها المسافر حالماً بالعودة إليها مرة أخرى، كان ذلك قبل أن تطأ قدم الاحتلال الإماراتي أرضها، وتعبث في مكوناتها الطبيعية، وتسيطر على منافذها ومواردها وثقافة أبنائها.
الادعاء الأخير للإمارات بأن الجزيرة إماراتية، وأن عائلتها تعود بهم الأصول إلى دولة الإمارات، وعمليات نقل الكائنات البرية والبحرية من الجزيرة، والغوص في الديموغرافية السقطرية، ومحاولة تغييرها، واستحداث نقاط وقواعد عسكرية وقوات إماراتية في الجزيرة، والتحكم في السلطة المركزية والميناء والمطار وشراء الولاءات وتنظيم الرحلات الأسبوعية، وضخ الدرهم الإماراتي في السوق السقطرية، وإنشاء شبكة اتصالات إماراتية؛ يجعل الدائرة تحوم حول ماذا تفعل الإمارات في سقطرى؟
تسلسل زمني يكشف العملية الممنهجة التي ينتهجها الاحتلال الإماراتي في الجزيرة، في خطوات واضحة لتغيير ملامح الجزيرة والعبث بمواردها الطبيعية النادرة، من خلال بيع الولاءات واستغلال حاجات وظروف أبناء الجزيرة، لتهيئة المجتمع السقطري للقبول بأي قرار مستقبلي يصب لصالح مشروع السيطرة الإماراتية على الأرخبيل.
السبب الأخير دفع العشرات، من ضمنهم هلال القطن 31 عاما، إلى بيع قطعة أرض كبيرة خاضعة لقانون المحميات الطبيعية في منطقة دكسم وحديبو وقلنسية.
يقول القطن "لا أملك شيئا أستطيع الاقتتات منه، والفلوس كانت الحل الأخير، وافقني في ذلك أبناء قريتي، عُرض علي البيع منذ عام 2015 عدة مرات ورفضت، ولكن لم أجد في الأخير حلا سوى البيع".
هذه الحادثة تشكل خطوة انتقالية تصطف أمام عشرات التجاوزات والإجراءات التي تسعى الإمارات من خلالها للسيطرة على الجزيرة، ففي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم استئناف العمل في هدم قلعة حواري المطلة على مدينة سوق التاريخية. عمليات الهدم جاءت لاستكمال بناء قصر المندوب الإماراتي، خلفان مبارك المزروعي، المشهور بأبو مبارك، وبعدها بأيام تم نقل أطنان من الشعب المرجانية والأحجار النادرة عبر سفينة إماراتية غادرت ميناء حديبو.
يقول مواطنون إن هناك عشرات الحيوانات والنباتات والطيور النادرة التي تم تهريبها ونقلها إلى الإمارات. ولوحظ خلال فترة تواجد قوات الاحتلال الإماراتي، زيادة في عمليات الصيد والاجتزاء والنقل لكائنات خاضعة لقانون حماية المحميات.
سقطرى تعاني حالياً من تجريف للبيئة البرية والبحرية، وحتى الأحجار والشعب المرجانية والكثبان الرملية البيضاء، بالإضافة إلى نقل بعض الأزهار وصيد الطيور والحيوانات النادرة.
ويقدر، وفق إحصائيات الهيئة العامة لحماية البيئة، وجود 192 نوعاً من الطيور البحرية والبرية، 44 منها تولد في الجزيرة، و85 نوعاً من الطيور المهاجرة، وتمتلك الجزيرة 235 نوعاً من الشعب المرجانية، وأكثر من 38 نوعاً من النباتات والزهور والحيوانات النادرة.
وتعد جزيرة سقطرى إحدى أكثر المناطق غرابة حول العالم، وتم تصنيفها كموقع للتراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو خلال عام 2008.